18 ديسمبر، 2024 8:01 م

قراءة في خطاب المرجعية

قراءة في خطاب المرجعية

ثالثاً : الرشوة ثقافة تحتاج لثقافة مضادة
السلوكيات حينما تتقبلها الجماعة ، وتمارس عبر فترات طويلة فإنها تتحول الى ثقافة مجتمعية يصعب استأصالها عن طريق منعها او محاربتها بالوسائل المادية ، كونها ترسخت وتعمقت لدرجة انها تُمارس أحياناً بصورة لاشعورية ، لان العقل الباطن يتعامل معها على انها بديهية ومسلمة لا تحتاج الى إذن ليتم وضعها موضع التنفيذ ، وهنا تكمن خطورتها ، لان الثقافات الهدامة والمنحرفة اذا ما تأصلت وتعمقت فستحتاج الى سنين طويلة حتى يتم اعادة صياغة ثقافة اخرى مضادة لها لتأخذ مكانها وتلغيها
من ابرز الثقافات المنحرفة التي تنخر في جسد المجتمع هي الرشوة ، لانها لم تعد ظاهرة استثنائية مخفية عن الأنظار ، وانما باتت اُسلوب تعامل بديهي خصوصاً في دوائر الدولة ، تعمقت وتعملقت مظاهرها بسبب تلاشي القيم التي تحاربها ، وعلى حد تعبير وكيل المرجعية العليا ( العيب بدأ يتلاشى ) ، لتظهر لنا ثقافة تقبل المرتشي من دون وجل او خجل ، ليتم استقباله وتقبله داخل المجتمع ، كونه يمثل حالة طبيعية وغير مرفوضة داخل هذا المجتمع ، وهنا تكمن الخطورة لان ذلك له بعد نفسي كبير يدفع في اتجاهين الاول يدفع المرتشي الى زيادة اعتماده على الرشوة لعدم وجود ردة فعل مجتمعية مضادة ، اما الاتجاه الثاني فأنه يجعل من الانسان الشريف الغير مرتشي حالة استثنائية داخل المجتمع ، ليشعر بالغربة وسط محيطه مما يدفعه الى ان يتأقلم مع هذه المحيط ليستطيع الاستمرار فيه
وسائل محاربتها تنقسم الى قسمين ، أولهما الوسائل المادية الحكومية ، وهي الوسائل التي تحاربها كظاهرة من حيث الجزء الذي يظهر منها ويستدل عليه بدليل مادي ، لتكون هنالك عقوبات تفرض على حرية الشخص وماله من حيث الحبس والغرامة ، اما القسم الثاني من وسائل محاربتها فهي الوسائل المعنوية التي ترتبط بالمجتمع ، وهي التي تحاربها كثقافة وكسلوك سواء ظهرت واستدل عليها ام بقيت في الخفاء ، عن طريق رفض كل المتورطين بها وعدم التعامل معهم ، حتى يصل الامر الى مقاطعتهم اجتماعياً ، والوسائل المعنوية تكون ابلغ تأثيراً كونها تجعل من المرتشين منبوذين اجتماعياً ومتغربين وسط محيطهم ، وبغير ذلك فان المجتمع سيكون شريكاً في هذه الجريمة ، لان من يتقبل المرتشي ويقربه إنما يعتبر بمثابة الحاضنة لهذا الوباء الخطير الذي يفتك بالمجتمع .