23 ديسمبر، 2024 3:36 ص

قراءة في حديث ” العشرة المبشرين بالجنة “

قراءة في حديث ” العشرة المبشرين بالجنة “

المقدمة :
أرى / وحسب رأي الشخصي ، أن من نصوص الموروث الأسلامي ، المثيرة للجدل ، هو حديث الرسول عن ” العشرة المبشرين بالجنة ” ، ففي هذا البحث المختصر ، سأقرأ الحديث ، قراءة حداثوية !! .

النص :
حول حديث العشرة المبشرين بالجنة ، جاء في موقع / الأسلام سؤال وجواب ، نقل بتصرف ، التالي (( العشرة المبشّرون بالجنّة هم أصحاب النبي المذكورون في الحديث الذي رواه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ قَالَ ، قَالَ الرَسُولُ َ: أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ . رواه الترمذي 3680 وسعد هو ابن أبي وقاص وسعيد هو سعيد بن زيد ، وهناك عدد غيرهم من الصحابة قد بُشّر بالجنّة كخديجة بنت خويلد وعبد الله بن سلام وعكاشة بن محصن وغيرهم .. )) ، وبنفس المضمون هناك رواية أخرى ، جاء بها ما يلي (( وفي رواية عن أبي داود وغيره عن سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ، قال : أشْهَدُ عَلَى الرَسُولِ أَنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ : العَشْرَةٌ فِي الْجَنَّةِ : النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ .. )) / نقل بتصرف من موقع المرسال ، ونلاحظ في الحديث الثاني ، أن الرسول يبدأ بنفسه ، ثم يذكر الباقين !! ، بينما في الحديث الأول ، لا يذكر الرسول نفسه ببداية الحديث كأول المبشرين بالجنة !! ، وهذه أشكالية !! .

القراءة :
أولا – أن أهل السنة والجماعة ، يؤكدون على صحة حديث العشرة المبشرين بالجنة ، وفق حديث الرسول ، ونقلا عن روايات مختلفة ، والتساؤل هنا : من أي مصدر ومن أي مرجعية ومن أي تخويل قال الرسول : أن العشرة المبشرين بالجنة هم المذكروين بالأحاديث أعلاه ، ومن يؤكد حديث الرسول بعد أنقضاء مئات السنين !! .
ثانيا – أما المذهب الشيعي ، فلا يؤكد حديث العشرة المبشرين بالجنة ، والشيعة عامة يعتقدون / ضمنا ، أن أي فرد من الصحابة كان على خلاف مع علي بن طالب ، يعتبر مقصيا من الحديث ، و (( يزعم الشيعة أن طلحة والزبير كانا إمامين من أئمة الكفر ، وهم من المذكورين بالحديث ، نقل بتصرف من موقع / البرهان )) ، خلاصة .. يؤمن الشيعة الاثنا عشرية ب (( بطلان حديث العشرة المبشرين ، نحن نعتقد أنّ حديث العشرة المبشرة هو من الموضوعات المختلقة على عهد بني أميّة ، وضعوه على لسان بعض الصحابة وممّا يثبت القول ببطلان حديث تبشير العشرة بالجنة ، ما رواه الشيخان والنسائي عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : ما سمعت النبي يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنّه من أهل الجنّة إلاّ لعبد الله بن سلاّم . / نقل بتصرف من موقع منتديات مدرسة الامام الحسين الدينية . )) . والغريب بالأمر أن الشيعة يؤكدون فقط على عبد الله بن سلاّم ، دون علي والجميع !! .
ثالثا – أرى الحديث يدخلنا في أزمة منها : هل باقي قوم الرسول ، وبالتحديد صحابة الرسول زمن البعثة النبوية ، الذين حاربوا معه في غزواته ، وساندوه في نشر رسالته ، كان مصيرهم غير الجنة !! ، ويقف في مقدمة هؤلاء ، مثلا ” حمزة بن عبد المطلب ” (( الهاشمي القرشي صحابي من صحابة رسول الإسلام محمد ، وعمُّه وأخوه من الرضاعة وأحد وزرائه الأربعة عشر، وهو خير أعمامه لقوله : خَيْرُ إِخْوَتِي عَلِيٌّ ، وَخَيْرُ أَعْمَامِي حَمْزَةُ ./ نقل من الويكيبديا )) ، فهل مصير الحمزة غير الجنة وهو أسد الله . رابعا – هل العشرة المبشرين بالجنة سيدخلوها منفردين دون زوجاتهم ! ، حيث أن هذه أشكالية كبرى لأن كل فرد له أكثر من زوجة ! فالمصادر مثلا ، تحدثنا أن علي بن أبي طالب كان له تسع زوجات (( فاطمة بنت محمد ، أم البنين بنت حزام ، ليلى بنت مسعود اليتيمة ، أسماء بنت عميس ، أم حبيبة بنت ربيعة التغلبية ، أمامة بنت العاص بن الربيع ، الحنفية خولة بنت جعفر ، أم سعيد بنت عروة الثقفية ، محياة بنت امرئ القيس الكلبية / نقل بتصرف من موقع / مركز الفتوى )) ، فهل علي سيدخل الجنة دون زوجاته التسع !! ، وأين سيكون مصيرهم ! . خامسا – بالنسبة للنساء فان الرسول خص عدد معين بالجنة دون غيرهم ، فقد جاء في حديث رواه أحمد بن حنبل في ” المسند ” (6/68) التالي : (( ففي أحد الأيام رسم الرسول أربعة خطوط على الأرض فسأل الصحابة بجواره عن معنى هذا فقالوا “ الله ورسوله أعلم ” وأوضح الرسول قائلا : ” أفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ “. فخص سيد الخلق بهذا الحديث أربع نساء على وجه الخصوص وأعلن أنهن سيصبحن ملكات نساء الجنة )) ، والسؤال هنا ! لم أقصى الرسول باقي زوجاته ! وخاصة أحب زوجاته أليه ! ، وهي ” عائشة بنت أبي بكر ” التي قال عنها الرسول : ( خذوا شطر دينكم عن الحميراء ) ، وبالرغم من أن بعض الفقهاء يقولون بضعف هذا الحديث ، ولكن في موقع / السنة النبوية وعلومها ، يقولون التالي بحق مكانة وعلم عائشة (( ولا يفهم من ضعف الحديث انتقاص منزلة أم المؤمنين عائشة ، فلا شك أنها من علماء الصحابة ومن مفتيهم وهي أفقه نساء الأمة على الإطلاق وقد نقلت عن النبي علما كثيرا طيبا مباركا .. )) ، أليس من المفروض لهكذا أمرأة أن تكون من ” ملكات نساء الجنة ” !! .
سادسا – من المؤكد أن الموروث الأسلامي / نصوص وسنن وأحاديث .. ، يقف النص القراني في الأسبقية من هذا الموروث ، من حيث التأكد والتوثيق ، ولم تشير أيا من النصوص القرانية الى أي ذكر للعشرة المبشرين بالجنة ، ومن الأيات التي ذكرت الجنة في متنها ، والتي لم يذكر أيا من صحابة الرسول بها التالي / الأيات على سبيل المثال وليس الحصر ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ / 35 سورة البقرة ) ، ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ / 26 سورة يونس ) ، هذا أذا أعتبرنا أن القرأن كان في اللوح المحفوظ !! ، فمن المفروض أن تثبيت أسماء العشرة المبشرين بالجنة به ” منذ الأزل ” !! .
سابعا – عندما يكون هناك تحديد لأسماء محددة للجنة ، دون سواها من قبل الرسول ، أذن لا بد من وجود أسماء من صحابته مصيرها غير الجنة ! ، وهنا أتكلم على صحابة الرسول الاخرين ، وليس أعدائه ، الواضح مصيرهم ك ( عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب ، أبو جهل بن هشام المخزومي ، الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم السهمي .. ) ، لأني أرى أن هذا الحديث مختلق ! ، وكان من المنطق أن يقول الرسول (( أنا وأصحابي في الجنة )) ، لا أن يحدد صحابة بالأسم دون سواهم !! .

الخاتمة :
تبقى الأحاديث المكون الرئيسي للموروث الأسلامي ، ولكنها بنفس الوقت هي أكثر المكونات الملصقة بها الشبهات والشكوك ، وذلك لكثرة التناقضات والأختلافات التي تحتويها ، والحديث الذي نحن بصدده ينطبق عليه هذا الأمر ، ولم يتفق أهل العلم أصلا على صحة وعدد الأحاديث أبدا ، فقد جاء مثلا في موقع / منتديات كل السلفيين ، التالي (( وعليه فمجموع ما انفرد بها الشيخان دون أحدهما الآخر هو 988 حديثاً وهو مجموع ما انفرد به البخاري دون مسلم 414 ، وما انفرد به مسلم دون البخاري 574 ، فعليه يكون عدد الأحاديث التي في الصحيحين دون المكرر هو 2507 حديثاً وهو مجموع المتفق عليه 1519 وما انفرد به احدهما دون الآخر 988 )) ، بينما في مواقع أخرى ، كملتقى أهل الحديث يقولون أن (( الحديث المسند الصحيح 4000 حديث مسند متصل )) ، وبنفس الوقت ، يبين نفس المصدر أن (( مجموع الحديث كله الذي تجده مكتوبا في الكتب المشهورة : 11830 حديثاً ، وأن الصحيح منها حوالي 4400 حديث. )) ، أي الباقي غير صحيح ، لأجله أرى ليس من أتفاق ولا توافق على موضوعة الأحاديث عامة ، صحيحها من ضعيفها ، وقد كتبت مجلدات في معرفة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، منها ما جا في موقع / منتديات أتباع المرسلين : (( .. والمسلمون قد صنفوا كتبا في معرفة الرواة وبينوا صدقهم وكذبهم وسوء حفظهم ، ككتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وكتاب التاريخ الكبير للبخاري وكتاب العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل وكتاب تهذيب الكمال للمزي ومختصره تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر .. )) . من كل ما سبق لا يمكن التأكد من الموروث الأسلامي نصوصا وسنن وأحاديث ، وهذا الذي يوقعنا في أزمات فقهية في تفسير الكثير من الموضوعات العقائدية !! .