في مؤتمره الاسبوعي، أشار رئيس حكومة اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني الى مواضيع مهمة عدة، نختار منها، التوصل الى صيغة تدقيقية لحسابات الصادرات النفطية في كوردستان عبر شركتي ديلوت، وارستنك. وتحذيره من محاولات التعريب الجارية بمدينة كركوك.
تقرير شركة ديلويت العالمية للخدمات المهنية، الذي تحدث عنه البارزاني، يحقق الشفافية في مجال إنتاج وتصدير النفط في إقليم كوردستان، ويلغي كل الشكوك حولها وحول عائداتها، والمتابعون للملف النفطي، يعلمون أن الحكومة الإتحادية وافقت على قيام حكومة الإقليم بتطوير قطاعي النفط والغاز في حقول النفط الجديدة، بجميع مفرداتها من تنقيب وتصنيع وتسويق (في حالة تأخر تشريع قانون النفط والغاز بعد 2007 )، ويعلمون أن الدستور العراقي، حدد في الفقرات المتعلقة بالموارد الطبيعية لاسيما النفط والغاز، العلاقة بين بغداد وإقليم كوردستان وصلاحياتهما، ولكن الإخفاق البرلماني في تشريع (قانون النفط والغاز)، وفشل القطاع النفطي في العراق، والحقد الشخصي الدفين لمسؤولي ملف الطاقة الاتحادي تجاه الإقليم، وإصرارهم على ان يكون البيع من قبل شركة سومو التي تدار مركزياً من قبل الحكومة الاتحادية دون أن يكون للكورد تمثيل فيها لرسم سياستها، كان وراء تعقيد المشكلات وتراكمها وإرتفاع وتيرة التوتر بين بغداد وأربيل.
حكومة الإقليم أعلنت أكثر من مرة عن حسن نيتها وقدمت مبادرات عدة، لكن الحكومة الاتحادية، تعنتت وأرادت فرض رأيها الخاطىء وعرقلة الصفقات والعقود المبرمة بين الأقليم والشركات الاجنبية والدول التي ترغب الاستثمار في الاقليم وشراء النفط الكوردستاني، ووصفت، مرةً، إنتاج النفط وتسويقه ببيع الطماطم والخيار، ولجأت الى التهديد والترهيب ورفع الدعاوى لدى المحاكم المحلية والدولية، ولأنها لم تكن على حق، ولأن تصرفات الاقليم كانت دستورية، أصيبت بخيبة الامل ولجأت الى حرب إقتصادية وسياسية ضد الاقليم وإجراء غير دستوري وغير قانوني بل وغيرأخلاقي، فقطعت حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية ورواتب موظفيه إعتباراً من شهر شباط 2014، وهذا الاجراء الاستفزازي دفع الاقليم، بعد ثلاثة أشهر، الى تصدير النفط لحسابه الخاص، تعويضاً عن حصته من الموازنة الاتحادية ولدفع رواتب الموظفين العموميين.
أما بخصوص التعريب، فبعد تحرير العراق في العام 2003 تعرضت كركوك وأطرافها وبالذات طوز خوماتو إلى هجمات إرهابية عديدة خلفت الكثير من الشهداء والجرحى، وبعد حملات التحريض على الكراهية العرقية والمذهبية التي مارستها الأجهزة الاعلامية الملوثة بسموم الثقافة العنصرية، بنى أصحاب المواقف العدائية والمخيلات المريضة، أفكارهم وثقافاتهم على ركام أوهام إنتهت منذ زمن بعيد، وإتحدوا تحت خيام الوهم، ونسوا أوتناسوا أن الكوردستانيين عملوا بصدق من أجل التخفيف من التشنّج والتعصّب وإعادة اللّحمة إلى مكوّنات المجتمع، وأن القوة المادية والمعنوية للكورد أسهمت إيجابياً في مسائل تشكيل الحكومات والتوازنات، وتنكروا الدور الكوردي في حل المشكلات المتكررة في بلد يفترض إنه ديمقراطي وتعددي وفدرالي، وتجاهلوا إن قوة الكورد تعزز مقومات العيش المشترك وتقرب وجهات النظر حول مستقبل التعايش في المنطقة.. وبعد أن تمت تهيئة الأرضية الخصبة للعدوان على شعبنا تم إستهداف كركوك وطوز خورماتو في اكتوبر الماضي من قبل قوات الحشد الشيعي، وكان له وقع الصاعقة على الكثيرين في كوردستان، وسط إصرار خطير على مواقف تعبر عن موجة عارمة من العنف والذبح والقتل والتهجير، وسالت الدماء من مواطنين آمنين كانوا على الدوام مسالمون يعيشون في أرض أجدادهم، تلك الممارسات جعلتهم يشعرون بعمق المأساة ومرارة التعايش السلمي واشكالياته.
أما المواقف التي تم التعبير عنها حتى الآن في بغداد، فقد فرضت على الكوردستانيين الإلتفات الى أن الخطر الحقيقي الذي كان يهددهم منذ بداية تأسيس الدولة العراقية مازال قائماً، وأن الثقافة العدائية تجاه الكورد وكوردستان متجسدة في نفوسهم المريضة، وتستوجب إعادة النظر في العلاقات الكوردية مع الآخرين الذين يؤيدون تلك الثقافة العدائية علناً ودون وجل، أو الذين يؤيدونها بسكوتهم، كما فرضت عليهم عدم التغاضي عما قيل من تصريحات وما أعلن من مواقف وما جرت من أحداث، والعودة قليلاً الى الوراء، لبحث العلاقات بين مكونات بلد كان تأسيسه مبنياً على إفتراضات وإشكالات وهواجس، ويتضح فيه الإنقسامات أكثر من أي شيء آخر.
المؤيدون للثقافة البالية، والذين يتحدثون عن صيانة وحدة الاراضي العراقية، لايريدون أن يفهموا بأن الضغط يولد الانفجار، وأن قطع الرواتب والمستحقات والتهديد وتوزيع الإتهامات، ومنع تنفيذ المواد الدستورية والتفاخر بها، والإجراءات العنيفة، والمطاردات، والملاحقات، وإشاعة المزيد من ثقافات التوتر والخصومات والبغضاء والكراهية، وتعريب المناطق الكوردستانية، كلها تصرفات ظلامية خبيثة غير متزنة تنم عن المراهقة البعيدة عن النضج والحكمة، وتنم عن ضيق أفق وضحالة في فهم الدين والدنيا، وإنها مؤشرات تدل على العجز وقصر النظر في التأمل والتفكير والأداء، وتعبرعن عقلية منغلقة لا تفهم ثقافة التعايش الإنساني.
في كركوك وطوز خورماتو أعاد التاريخ نفسه بإسلوب آخر ووجه مغاير، وأضيف مأساة مروعة أخرى الى مأسي الأنفال سيئة الصيت وكارثة هلبجه والإبادات الجماعية. والممارسات التي اقترفت بحق الكورد خلال الأشهر السابقة في كركوك وطوز خورماتو تركت جراحاً عميقة، رغم ذلك ما زال البعض يعول على النشاطات النيابية والدستورية والقانونية التي ترمي الى تحقيق العدالة ورفض التعريب وإدانة التهجير.
الغاء القرارات الجائرة الصادرة بحق الكركوكيين قد يخفف من مرارة آلام الضحايا.