المقدمة : يدعي رجال الأسلام من شيوخ ودعاة من أن الأنجيل محرف ! ، وفي هذا البحث المختصر سنبحث في هذا الموضوع ، بشكل حيادي ، بعيدا عن العواطف والأنتماءآت الدينية ! . وأن النصوص القرآنية تتطرق أيضا للتوراة أنه محرف ! ، ولكني سأتحدد بالأنجيل فقط .
الموضوع : أولا وفق النص القرآني هناك أقرار كامل وتام بالتوراة والأنجيل ككتابين سماويين ، وذلك وفق ما جاء في سورة آل عمران/3-4 ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ . مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) ، وجاء في نفس السياق في سورة المائدة/48 ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) . ولكن شيوخ الأسلام يستندون على بعض النصوص ، ومنها ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة/75. و ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) المائدة/13. ويؤكدون على أن هذين النصين تفيدان بتحريف الأنجيل .
* وللمثقف المطلع ، أقول أن قراءة معمقة للنصين الأخيرين ، نلاحظ أنهما لم يذكرا أي دلالة واضحة على أن المقصود هو الأنجيل . ثم يضيف بعضهم النصين التاليين ، على أنهما دليلين آخرين على تحريف الأنجيل ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/78. ولكن هذا النص المقصود به القرآن وليس الأنجيل ، وذلك لتعدد قراءآت القرآن لذا ، أختلفت الألفاظ والمعاني ( لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ ) ، أما النص ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة/79. فالمقصود به هو تعدد المصاحف ، وهذا لا ينطبق على الأنجيل بل ينطبق على القرآن ، حيث جاء ب “موجز دائرة المعارف الإسلامية” (ج26 ص 8175) ، ما يلي : ـ ” كان النص القرآني الذي اعتمده عثمان بن عفان مجرد نص واحد بين نصوص أخرى وجدت خلال القرون الأربعة الأولى للهجرة ” وأضافت: ” وثمة مصاحف أخرى ارتبطت بعدد من الصحابة يقال أنها انتعشت في الكوفة والبصرة والشام . ” / نقل من da3wat-mahabbah.blogspot.com .
* أي أن النص الأخير من سورة البقرة يدلل على كتابة نسخ مختلفة للمصحف ، وهو أمر غير متفق على عددها ، فقد جاء في موقع / نداء الأيمان ، التالي ( وقد اختلف في عدد المصاحف التي كتبت في عهد عثمان ، ووجّه بها إلى الأمصار فقيل ستة ، وقيل أكثر من ذلك ، وقال القرطبي في تفسيره : قيل سبعة ، وقيل أربعة .. ) ، كذلك أمر الخليفة عثمان ، بحرق باق نسخ المصاحف التي تخالف المصحف الذي أعتمده ، فقد جاء في موقع / أسلام ويب ، التالي ( فقد روى البخاري في صحيحه أن الصحابة لما كتبوا المصاحف أرسل عثمان إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق ، وفي رواية للطبراني وابن أبي داود : وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به. ) ، هذا الأمر كان في عهد الخليفة عثمان ، فكيف الحال بعدد المصاحف التي كتبت بالعهود اللاحقة ! .
القراءة : 1 . ليس من خيار أمام رجال الأسلام – من أجل البقاء ، سوى ” تسويق ” فكرة أن ” الأنجيل محرف ” ، وذلك لأن هذا الموضوع يجذب الأنظار للأسلام كمعتقد أوحد ، ولكنهم يفشلون في كل مرة بتمرير الفكرة ، ويبقون دوما يقاومون الرفض من أجل الأستمرار بدعواهم ، وأيضا من أجل مصالحهم – أي تكريس التجارة الدينية التي ينشط بها الشيوخ والدعاة ! .
2 . المشكلة عند شيوخ الأسلام واحدة لا غير ! ، وهي أن الأنجيل المتداول بين المسيحيين لا يعترف بمحمد كرسول أو كنبي ، ولا يبشر به / أي في الأنجيل ، كرسول سيأتي بعد المسيح ! ، ولو تضمن الأنجيل الحالي ولو ب ” أشارة ” لمحمد لكان الأنجيل المتداول هو الأنجيل الحق الغير محرف .
3 . السؤال الأهم : أين الأنجيل الأصلي / غير محرف – هل يملك المسلمون نسخة منه ! ، بالطبع الجواب : كلا ، وبما أن الأنجيل هو أنجيل يسوع المسيح ، فأتباعه هم الذين يعرفون المحرف من غير محرف ، ولذا الكنيسة حيدت عددا من الأناجيل غير معترف بها كنسيا ، فقد جاء في الموقع التالي https://st-takla.org ما يلي : ( هناك أناجيل غير قانونية منها أنجيل يعقوب ، انجيل العبرانيين ، أنجيل المصريين وأنجيل بطرس .. ) .
4 . أكثر من ستة قرون تفصل بين المسيحية والأسلام ، فكيف لمعتقد جاء بعد حقب تعد بمئات السنين أن يحكم على كتاب – لمعتقد ديني أخر ، بأنه محرف أو لا ! . من جانب أخر أن رجال الأسلام لا بد لهم أن يحكموا على باقي المعتقدات بأنها محرفة ، وذلك حتى يسوقوا لنص قرآني أخر وهو : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ / 19 سورة آل عمران ) ! .
الختام : أن الأسلام سوف لم ولن ينتصر لا ” بموضوعة تحريف الأنجيل ” ، ولا بمفهوم ” أن الأسلام هو الدين الأوحد عند الله ” ، ولا بشعار أن ” الأسلام هو الحل ” ، وسيبقى مادة للأخذ والرد والقبول والرفض والأعتراف والنكران للمسلمين ولغير المسلمين على مدى الدهر !! .