قد ينظر البعض لبيان المرجع اليعقوبي الذي اصدره مؤخرا على انه خطاب تحريضي يهيء القاريء لتقبل المزيد من التصعيد ويضعه في اجواء انتفاضة شعبية يراد لها ان تُحدِث تحولا مهما في البيئة السياسية بعد ان عجزت الوسائل الاخرى في حمل النخب السياسية على الجنوح للاستقامة وانتهاج السبيل القويم في ادارة شؤون البلاد.
ولا الوم القاريء اذا ما نحى هذا المنحى في تفسير مضامين البيان ، فواقع الحال الذي نعيشه الان لاينبيء بمستقبل افضل ولم يعد المواطن العراقي يحلم بأن تتوفر له ادنى مقومات العيش البسيط، بل اصبح العراقيون لايأمنون على ارواحهم وارواح افراد اسرهم وهذا ماتشهد به الطلبات المتزايدة للجوء الانساني لدى الدول الاخرى بحثا عن الامان وفرص العمل والعيش الكريم.
ومع اني لا استبعد الغاية التحريضية التي استبطنتها عبارات البيان المذكور لكني ارى فيه استكمالا لسلسلة التنبيهات والتحذيرات التي اطلقها سماحة المرجع اليعقوبي منذ ان بدأت نذر المخططات الشيطانية تلوح في سماء منطقتنا انطلاقا من واجبه الشرعي والوطني وليس من منطلق الحرص على مصالح اخرى كما يحاول بعضهم الترويج له، وكشاهد على ما ادعي اذكر -وعلى سبيل المثال لا الحصر- البيان الذي اصدره سماحته في ٥ مايو ٢٠١٣ وحذر فيه من وجود مؤامرة دولية تستهدف زعزعة امن المنطقة وتقسيم دولها وحذر على وجه الخصوص من ان يكون العراق هو ساحة تنفيذ تلك المخططات الشيطانيه، فكيف استجابت النخب السياسية لذلك التحذير وكيف ردت على ذلك البيان؟
حاولت تلك (النخب) ان تقلل من جدية التحذير فواجهته باللامبالاة والتساؤل عن سبب وجود من يعتقد بنظرية المؤامرة في وقت كان العراق قد حقق فيه نصرا معنويا باخراج القوات الاميركية (المحتلة) من اراضيه نهاية العام ٢٠١١ ووصول معدل الصادرات النفطية الى مليوني برميل يوميا بسعر يزيد عن ٨٠ دولارا للبرميل الواحد مع استقرار سياسي واقتصادي واضح للعيان، ولكن من يرى بعين البصيرة ليس كمن يرى بعين الباصرة!
هل اراني محتاجا لاثبات صواب الاستقراء الذي نبه له المرجع اليعقوبي حينذاك؟
كلنا يعرف مالذي حصل في العراق بعد مرور سنة على تحذير اليعقوبي، عندما افاق العراقيون صبيحة يوم ١١ حزيران ٢٠١٤ ليشاهدوا جيشهم وقد تمزق واصبح سلاحه وعتاده غنائم للمعتدين وباتت ثلث اراضي بلادهم تحت سلطة التنظيم الارهابي (داعش) واستُعبِدَ الاحرارُ واستُرِقّت النساء واصبحت العاصمة مهددة بالاقتحام من قبل عناصر التنظيم لولا لطف الله وتدخل المرجعية الدينية التي وجهت النداء بتشكيل الجيش الرديف ، فهب جنود الله خفافا وثقالا ليلبوا نداء العقيدة والواجب وليوقفوا زحف الاعداء ثم يردوهم على اعقابهم خاسئين.
منذ سقوط النظام الدكتاتوري البائد في العراق عام ٢٠٠٣ والمرجع اليعقوبي يوزع جهده ووقته بين متطلبات وظيفته الدينية والعلمية وبين دعمه للعملية السياسية الناشئة وتقويتها وتمكين القوى السياسية من الامساك بزمام الامور والتوجه نحو بناء البلد على الاسس السليمة والصحيحة وتشهد له خطاباته التي جمعت في ثمان مجلدات بعنوان (خطابات المرحلة) ، وهو في ذات الوقت يواجه التشكيك والتسقيط ممن يناصبونه العداء من اولئك الذين يمحض لهم النصح ويتمنى لهم الخير ويدعو لهم بالتوفيق.
نعم انا ارى في بيان المرجع اليعقوبي الاخير حلقة في سلسلة تحذيراته وارشاداته السديدة خصوصا تحذيره الصريح بأن الامور لن تجري وفق مشتهيات القوى السياسية المستأثرة اذا ما بقيت شهوتها للسلطة هي التي تحدد مسار العملية السياسية في البلد لان للفواعل الدولية مصالح في العراق وبرامج عمل في المنطقة ولن تتورع عن اشعال الفتن لضمان استمرار تلك البرامج، وسبق لها ان ادخلت العراق في اتون حرب مدمرة عندما تشبث ائتلاف دولة القانون بترشيح السيد المالكي لولاية ثالثة وسعى لفرض هذا الترشيح خلافا لرغبة معظم القوى السياسية العراقية وخلافا للعرف السياسي في البلدان الديمقراطية، فهلا نتعظ؟
انا لا اشك ابدا في ان استمرار القوى السياسية بتضييق دائرة المشاركة في صنع القرار والتفرد بالسلطة ستفتح المجال للفاعل الدولي والاقليمي لمزيد من التدخل في الشأن العراقي بل وستشجع تلك الدول على استعباد تلك القوى وشخصياتها المنتفخة غرورا زائفا واستخدامهم ضد مصالح شعوبهم ثم الاستغناء عنهم واستبدالهم باخرين.
ادعو المخلصين لقراءة بيان المرجع اليعقوبي بصفاء نفس وبتأمل ووعي لاسيما من زعامات الحركات الاسلامية واتباعها واحذر من مغبة تجاوز نصائحه المخلصة فالمؤمن لايلدغ من جحر مرتين.
محمد الموسوي