لا يمكنُ لأي باحث أن يلمّ بكل شيء في الحياة الرمز الإسلامي العربي العباس بن علي (عليهما السلام), وجميع المراجع المتوفرة لم تستطع أن تحيط بها او به احاطة شمولية، وذاكرة التاريخ مقروءة من قبل التلقي عموماً، فما تقدمه جميع المصادر سواء إعادة مكررة لمعلومات سيرة ذاتية.
نحن بحاجة الى قراءة معاصرة تقدم لنا شيئاً جديداً عن العباس (عليه السلام) او لنقل تمتلك الحراك الواعي المثقف.
وفي بحث الكاتبة دعاء ثابت عبد الأمير حمزة المعنون (الإباء والدفاع عن الدين ورعاية الأطفال والنساء أبو الفضل العباس عليه السلام) ترى الكاتبة في مقدمتها ان الالمام بحياة العباس ومحاولة دراستها أمر لا غنى عنه لكل من يريد الإحاطة بمدى تأثير قوة الايمان بالله تعالى على الشخصية الإنسانية وتراه لازمة لكل من يهتم بمشكلات الشباب، وانماء النشر.
السؤال الذي لا بد أن نطرحه هو: ما الذي تستطيع ان تضيف الكاتبة لمثل هذا الموضوع؟ نجدها قسمت بحثها الى أربعة فصول: الأول يتحدث عن نسبه وكنيته والقابه والتربية والنشأة ومميزات ولادته، والفصل الثاني في اهم صفاته: كالهيبة والأخلاق والآداب والكرم والشجاعة والايمان والصبر والاباء والوفاء وقوة الإرادة والرأفة والرحمة، والفصل الثالث العباس وأهل البيت (عليهم السلام)، والفصل الرابع في مواقفه المضيئة. استلهمت سيرته الذاتية، لكنها أعطتها لمحات خاصة عن الفعل الاستباقي لولادته بين النبوءة والرؤيا، فمطلب الامام (عليه السلام) من عقيل بن أبي طالب جاء يحمل سمات العباس (عليه السلام) وينبئ عن ولادته ويخبر عن اجمل سماته وصفاته، فهو يشير الى مزايا قوة الايمان وطهارة النفس وشجاعة القلب ورحابة الصدر ومكارم الاخلاق، ويقولها الامام علي (عليه السلام) مؤكداً انه سوف يعضد اخاه الامام الحسين (عليه السلام) في مهمته ويفتديه بنفسه، ويضحي بما لديه من اجله ويستشهد في كربلاء بين يديه.
ومثل هذه الابداعات تتناظر في جوهر الفعل النبوءة، ويعني أن تلك السمات هي مقدرة من الله سبحانه وتعالى، ومنه تم الإيحاء الى اختيار الأم التي ستلد بطلاً بهذه المواصفات هذه من حيث الفعل الاستباقي النبوءة.
أما في الاستباق الثاني الفاعل في تكوين وبلورة تلك السمات من خلال الرؤيا التي رأتها أم البنين، حيث نزل قمر السماء وثلاثة كواكب في حجرها، فضمتهم الى صدرها وهي فرحة مسرورة، قال المعبر حينها: انها ستتزوج من رجل عظيم تنجب له أربعة بنين اكبرهم قمر بكل ما يمتلك من وهج واشعاع.
وكان المولود الأول سيدنا أبا الفضل، فسماه العباس اكمالاً لنبوءة التكوين الشجاعة وصولة الحروب وهو اسم من أسماء الأسد. كتبت الباحثة بأسلوب سلس قدمت فيه رمزا من زوايا يافعة منها ما يلهج بالمكونات التربوية الصالحة التي نشأ بها العباس ورفعته الى مستوى العظماء والمصلحين الذين غيّروا مجرى تاريخ البشرية بما قدموه من التضحيات الهائلة في سبيل قضايا المصير وانقاذها من ظلمات الذل.
ومثل هذه السمات تضعنا ضمن اشتغالات الدلالة الموحية فهو (عليه السلام) رأى الأمة الإسلامية ترزح تحت كابوس مظلم من الذل والعبودية قد تحكمت في مصيرها عصابة مجرمة من الامويين نهبت ثرواتها، وتلاعبت في قدراتها حتى ان أعمدتهم السياسية يعمل بلا حياء ولا خجل قائلاً: (انما السواد بستان قريش) استهانة بالأمة وهذه الدلالات تقف في الضد امام محتوى ما يشاع من حصر نهضة العباس (عليه السلام) وثوريته تحت عنوان النصرة الضيقة نصرة الأخ لأخيه، وهو الذي نهض وفياً لتحرير وإنقاذ هذه الامة من واقعها المرير وهذا نمو طبيعي للبحث المقترن بالحيوية الفاعلة والنشاط.
والباحثة عن عمق سرديات السيرة الذاتية فهي ترى ان له ولدا اسمه (القاسم) وذكر بعض المؤرخين انه استشهد معه يوم الطف وقدمه قربانا لدين الله، وفداء لريحانة رسول الله (ص)، فيما قال بعض المؤرخين: وأصل النسب بأنه لم ينص احد على كنيته بأبي القاسم.
والبحث يؤكد لنا أن جابر الانصاري في زيارة الأربعين، ورد السلام (السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا عباس بن علي عليكما السلام) وقد دونت المصدر التاريخي لهذه التسمية (بحار الأنوار الجزء 98 الصفحة 330)، وترى أن هذا الصحابي الكبير الذي تربى في بيت النبوة والامامة هو خبير بالسبب الموجب لهذا الخطاب، فهو يدري ما يقول وهذه من فيوضات النص البحثي، وبارك الله بالكتابة ومسعاها.