22 نوفمبر، 2024 6:09 م
Search
Close this search box.

قراءة في التصريحات الأمريكية الأخيرة حول المعركة مع الارهاب

قراءة في التصريحات الأمريكية الأخيرة حول المعركة مع الارهاب

في حقيقة الأمر تكاد تكون الخطوات والتصريحات الأمريكية وخاصة المتعلقة بالبيت الأبيض والخارجية الأمريكية، أكثر من مطمئنة ومعبّرة عن سلامة المنهج المتّبّع لمحاربة الارهاب في المنطقة، ويأتي تأكيد الرئيس الأمريكي الأخير حول عدم التدخل البري لينهى التكهّنات التي أثارها رئيس أركان الجيش، الجنرال مارتن ديمبسي، حين قال في جلسة استماع لمجلس الشيوخ أن المعارك المستقبلية في العراق قد تتطلب وجود قوات أميركية على الأرض.. ويعيدنا تأكيد السيد أوباما الى تصريح السيدة سوزان رايس وهو الأهم في هذا المضمار حين أكدّت على أن الأنجاز المتوقع من الولايات المتحدة تحقيقه يعتمد وبشكل اساسي على وجود شركاء فاعلين على الأرض.

ولا شك بأن المعني بالشراكة الفاعلة هنا جميع القوى المؤثرة في المنطقة ممن لها القدرة على الاسهام الايجابي في الحرب على الارهاب وكُل من موقعه في التوظيف الايجابي لما يتمتع به من نفوذ سياسي هنا وهناك وضبط ايقاع التصريحات الرسمية وحركة الاعلام الحكومي في المنطقة بما يخدم التوجه الدولي الأخير دون محاولة من هذا الطرف أو ذاك تسخير هذا الجهد لأهدافه ومطامحه الخاصة..  وبالدرجة الأولى فإن المعنيين بالشراكة الفاعلة في هذه المرحلة بالذات، هم الأطراف الرسمية المباشرة في ساحات المواجهة مع داعش، ذات التأثير الكبير في تعبيد طريق المواجهة واستنفار عوامل القوة على الأرض لكي تلعب أدوارا مكملة مع الجهد الدولي الذي اتخذ على عاتقه توفير الاسناد الجوي اللازم للتحركات القتالية الميدانية فضلا عن الدعم على الصُعد الأخرى فيما بعد والذي تتطلبّه الحرب الشاملة على الارهاب من ارتقاء بدرجة الوعي المجتمعي ومحاصرة الحواضن عبر مشاريع أخرى قد تكتسب طابعاً ينأى بها عن أن تكون متضمنة للجانب القتالي، بقدر اتخاذها أشكالا وأنماطاً أخرى تحد من احتضان المنطقة لهذه التنظيمات المتطرفة ذات الفكر التكفيري والسلوك اللا إنساني الأهوج.

وقد سبق تصريح السيدة رايس، تصريحاُ أدلى به وزير الخارجية الأمريكية السيد كيري في (10 أيلول 2014)، قال فيه ..” أن العراق لم يطلب قوات أميركية أو قوات أخرى على الأرض ولا يريد هذه القوات، وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما وقادة الدول الأخرى تخلصوا من فكرة انخراط قواتهم في قتال مباشر”.. وبذلك يكون قد أعطى صورة واضحة عن طبيعة الحراك المستقبلي، وأجابة مبكرة عن حدود الأدوار الاقليمية التي من الممكن أن تلعبها دول المنطقة، في نظرة واقعية للأمور لم يشأ من خلالها تعطيل الأدوار المهمة التي من الممكن أن تؤديها الاطراف الأساسية ذات الشأن المباشر في ساحات المجابهة عند إيلاء مهمة المجابهة مع الارهاب لأطراف ثانوية لن يخلو استعدادها للانخراط في هذا الاتجاه من دوافع طائفية كان الجزء الأكبر من تلك الدوافع الأساس الفكري الذي تعكزت عليه لسنين طوال التنظيمات الارهابية نفسها التي تُعد الهدف الرئيسي في المواجهة.

 بالإضافة الى ذلك أيضاً، فقد كانت السياسة الخارجية الأمريكية أكثر وضوحا في مؤتمر باريس وفي تنويه السيد كيري وبشكل لا مغالطة فيه، على أن الجهد الدولي أكبر بكثير من مسألة الانجرار أو التوظيف لمصلحة محور ما، في المنطقة، على حساب مصلحة محور آخر، بقدر التأكيد على ان الارهاب يشكل تهديدا لجميع دول المنطقة وان استهداف الجزء المحسوب على محور ما، هو بالنتيجة مُلزم للبقية في الكف عن توفير الذرائع التي يتمكّن من خلالها منظروا الفكر السلفي (الجهادي) من استنهاض قوى ارهابية اخرى للعبث بأمن المنطقة والعالم.. وقد اتضح ذلك في رفض السيد وزير الخارجية، الزج بالسياسة الأمريكية الى مرحلة من الشد والجذب مع إيران، حين قال للصحفيين في مقر إقامة السفير الأميركي في باريس .. « لن أخوض في الشد والجذب. لا أريد أن أفعل ذلك، بصراحة لا أعتقد أنه أمر بنّاء » ..  وهو بالفعل ليس بالأمر البنّاء الخوض في أمور هي من أبجديات السياسة الخارجية للدول، وفي ذات الوقت الذي يعكس فيه التصريح، حقيقة عدم الاستغناء عن أي دور ايجابي من الممكن ان يقدمه أي طرف من الأطرف، ألا أن ما يعكسه بوضوح أيضا، هو أن الأمر ليس استغناءً، بالقدر الذي  يبدو فيه أكثر تعلّقاً بالمفاضلة ما بين الدور الأساسي الذي من الممكن أن تقدمه الأهالي في المناطق التي يتواجد بها التنظيم الارهابي المستهدف والذي يحتل الأولوية في هذه المرحلة بالمقارنة مع التعطيل الممكن ان يصاب به هذا الدور في حال اشراك أطراف لا تُعد (محايدة) في نظر العنصر الشعبي الاساسي المراد استقطابه واستثمار جهده في المعركة ضد الارهاب، وهو مالا يختلف عليه اثنان في المرحلة الأولى.. بل وما ينطبق هو الآخر على مكونات عراقية أخرى لا تتفق تماما مع اناطة دور عسكري لأطراف عربية على الأرض في مناطق المجابهة مع داعش.

في كل الأحوال، أن السياسة الخارجية الأمريكية تسعى جاهدة اليوم الى عدم الافراط الذي قد يتسبب في اثارة الشكوك والمخاوف لدى الأطراف الرسمية في المنطقة، وعدم التفريط أيضاً بما يمكن أن يمنح التنظيمات الارهابية وعلى رأسها (داعش) الأمل بالحياة والقدرة على المزيد من التعبئة لأهدافها الخطيرة.. وهو ما ينبغي على الأطراف الجادة في المنطقة انتهاج ذات الفعل أيضاً، ففي معركة دولية من هذا النوع ضد خطر شامل يستهدف الأمن العالمي، أن لا يَبني الشركاء سياساتهم على أساس ما يمكن أن تدر عليهم هذه المعركة من مكاسب سياسية أو ما يمكن ان تحققه لهم من نمو في النفوذ الاقليمي هنا او هناك على حساب طرف اقليمي آخر، خاصة أولئك الذين يُفترض بأن تشكّل لديهم الحرب على الارهاب مبدأً وقيمةً اخلاقية وانسانية تستدعي الدعم والمساندة، فكما هو ليس بخاف على أحد، أن أقل ما يمكن أن تدر هذه الحرب على الجميع من ثمار، هو أن تكون الأجيال الانسانية في مأمن من خطر مؤكد يتهدد حاضرهم ومستقبلهم. خاصة وأن من غير المستبعد، إن تُرك لهذا الشر المطلق المزيد من حرية حركة الاستثمار في تجارة الخراب والعبث، من أن ينال بالنتيجة خطره الجميع، وأن ينتشر ما بين ليلة وضحاها كأنتشار النار في الهشيم في كل الاتجاهات ليحط الرحال في أي مدينة يُريد من مدن العالم… فما ينبغي أن يدركه الجميع، إن تصدّي الولايات المتحدة لا يعني بأنها وحدها المستهدفة وحسب، بل يكاد ينطبق على حراكها الوصف حتى اللحظة واذا ما خلُصت النوايا بأنها و(دون مبالغة) تتحرك في هذا الاتجاه بالنيابة عن ضمير العالم، ومن يرى العكس من ذلك، فهو حُر، ولا نملك سوى تذكيره بأن الحقيقة ليست حُكرا على فصيلِ من البشر دون سواهُم، وليست مُلكاً لأحد.!

أحدث المقالات