23 ديسمبر، 2024 12:54 م

قراءة في الأمن الغذائي العربي

قراءة في الأمن الغذائي العربي

الزراعة نفط دائم ، أما النفط فينضب ولكن الأرض المنتجة فلا تنضب !!
تعرضت الفعاليات الأقتصادية في الوطن العربي وخاصة في العقود الاخيرة الى ” هزة عنيفة ” فيما يتعلق بمشكلة الأستهلاك الغذائي العربي ،  لأن الأطمئنان على توافرالغذاء يعتبر المحرك الرئيسي للأمن الغذائي والذي يعتبر أحد المكونات الرئيسية للأمن الأستراتيجي العربي . وبما أن الأمن الغذائي يمثل عامل الديمومة و الأستمرار و البقاء للشعب العربي ، لذا أرى أن الأهتمام به  كموضوع يعتبر أستراتيجي وعنصر ضروري في الاقتصاديات العربية ، ويجب أن يكون في الوقت نفسه من ضمن الأولويات بالنسبة للمنتديات الأقتصادية العربية .

وتتمثل هذه ” الهزة ” التي بدأت ماثلة للعيان في الواقع الأقتصادي العربي منذ بداية السبعينات المتمثلة في النقص الحاد لسلة من المنتوجات الغذائية والتي تضم القمح والسكر و الزيوت النباتية و اللحوم والدجاج والاسماك و الألبان ومنتجاتها ، ونظرا لعدم نجاح الخطط الاقتصادية العربية في سد الفجوة الغذائية أو تحجيمها الأمر الذي أدى الى جعل هذه الفجوة من أهم التحديات التي تواجه الأقتصاد العربي خاصة أذا ما عرفنا أن الدول العربية تعتمد على أستيراد معظم غذائها من الخارج كالولايات المتحدة الأميريكية  ، كندا ، أستراليا والدول الأوربية …

* وللنهج الزراعي أشكالا مختلفة في الوطن العربي  ،  حيث أنه يندرج ضمن الفعاليات الآتية :

1.     الزراعة من أجل مواد غذائية جاهزة للاستهلاك ، كزراعة الحمضيات و الكروم ..

2.     الزراعة من أجل مواد غذائية / غير مباشرة ، والتي تحتاج الى عمليات قبل وصولها الى المستهلك ، كزراعة القمح ، قصب السكر و الأرز ..

3.     الزراعة المقدمة كعلف للحيوانات ، كالجت والبرسيم ..

4.     الزراعة من أجل توفير مواد أولية للصناعة ، كزراعة القطن ..

5.      وقد يرتبط مع الزراعة  بعض الفعاليات الأخرى ، كتربية أنواع من الحيوانات / الابقار والماشية ..

6.     وقد تخصص من الأرض الزراعية مساحات تستغل في مشاريع ، كمصانع الأسمدة ، مصانع الأعلاف ، أحواض الأسماك و المفاقس .

الأشكال السابقة وغيرها هي نماذج ، قد توجد بشكل أنفرادي او متجمع ، وكل هذا يعتمد على مؤشرات معينة …   ( كمساحات الأراضي المتوفرة ، القدرة المالية و القوى العاملة .. ) .

* لماذا الأمن الغذائي :

يشكل الأهتمام بالغذاء مسألة مهمة الى حد أعتبار توفير وتأمين الحد الأدنى منه مسألة مهمة لتحقيق التطور الاجتماعي وهذا يرجع الى ..

 أولا – الى أن غالبية سكان الوطن العربي هم من النمط الأستهلاكي الذي يعتبر الغذاء يكون جزءا كبيرا من أنفاقه  الشهري . 

ثانيا – أن المشاريع الاستثمارية التي تنتج سلعا غير أستهلاكية تعتمد على قطاع كبير من الأيدي العاملة الذين يعتبرون الغذاء من أهم السلع الاستهلاكية لهم ، وهذه السلع الأستهلاكية تنتج من قبل قطاع أخر، هذا القطاع يجب أن ينتج فائضا بحيث يغطي طلبه ذاتيا و الفائض يكفي لطلب العاملين في القطاع الأستثماري .

* العلاقة بين معدل الأنتاج الغذائي وبين هيكلية السكان :

من الممكن القول أنه هناك علاقة بين أنتاج الغذاء وبين هيكل السكان بشكل عام ، وخاصة في طريقة توزعهم بين الريف والمدينة ، فمن ناحية أن معدل التقدم الحضاري يرتفع في حالة أرتفاع نسبة السكان  في المدن ، ومن ناحية أخرى الأستقرار الريفي يوفر الأيدي العاملة الفنية والغير ماهرة للأنتاج الزراعي  ولكن هذا يؤدي بنفس الوقت الى أنخفاض الموارد البشرية المخصصة لأنتاج السلع الغير غذائية ، وهذا يعني توزيع الموارد البشرية في قطاعات مختلفة في الاقتصاد يعمل على أنخفاض وزن الأنتاج الزراعي بالنسبة للأنتاج الوطني ككل ولكنه يعمل على تنوع الأستهلاك  وأرتفاع مستويات الدخل والمعيشة . وفي البلاد العربية يكون توزيع السكان بشكل عام  غير متوازن بين المدينة والريف ، حيث يميل الى الارتفاع في الريف مقارنة بالمدينة ، وهذا يعني أزدياد في نسبة أنتاج الغذاء كأنتاج ولكن الواقع ، خلاف ذلك حيث ان أنتاج الغذاء منخفض ، لهذا ان فأن أغلب الدول العربية تستورد أكثر من نصف أحتياجاتها الغذائية من الخارج ، أذن نحن خسرنا ميزة التنوع في انتاج السلع الأستهلاكية أضافة الى قصورنا في أنتاج الغذاء وهذا يكون بالنتيجة نقطة سلبية في جسم الأمن الغذائي العربي .

محددات قصور الطاقة الأنتاجية للقطاع الزراعي :

    أعتماد معظم الأراضي الزراعية في الوطن العربية على الأمطار في عملية السقي .
    ضيق الأراضي الصالحة للزراعة مقارنة بعدد نفوس الوطن العربي .
    أعتماد الكثير من المزارعين على المكننة الخفيفة  / بعيدا عن المكننة الحديثة وأستخدام الأسمدة و البذور المحسنة .
    أعتماد طريقة التبوير في الزراعة ، زراعة قسم من الأراضي وترك الباقي للسنة القادمة دون أن تسقى .

توصيات عامة :

فيما يلي بعض التوصيات التي أراها ان تؤخذ  بنظر الأعتبار من أجل زراعة أفضل :

        الخدمات التعليمية ، التي تعمل على أستقرار العائلة في الريف وعدم الهجرة الى المدينة ، أضافة الى المردود الأيجابي لعملية التثقيف وما له من دور مهم في الوعي للعاملين في قطاع الزراعة .
        المكننة الحديثة ، تبقى الأساليب الزراعية الوقع الأكبر على العملية الزراعية ، خاصة أذا نظرنا الى هدف الأنتاج الواسع بأقصر وقت ممكن ، مع الأخذ بنظر الأعتبار ظروف المكان والظروف و المناخ  والطاقة البشرية والقدرات الاخرى .
        الأئتمان الزراعي ، للمصارف الزراعية دور مهم خاصة للمزارعين الكبار ، وبشكل جيد حتى لصغار المزارعين ، خاصة لما تقدمه هذه البنوك من قروض طويلة الأجل ، من اجل انشاء مشاريع كحقول الدواجن و المفاقس وغيرها ، وهناك قروض أيضا مخصصة لشراء الأسمدة ..
        النقل ، عملية نقل المنتوج تكتسب أهمية كبيرة ، بين المنتج / الفلاح و بائع الجملة أوالمستهلك ، علما أن بعض وسائل النقل الحديثة المبردة / مثلا ، تحتاج الى أمكانيات مالية عالية يعجز عنها ضغار الفلاحين ، كما أن بعض وسائل النقل حتى كبار الفلاحين لا قدرة لهم عليها ، وهنا أرى أن تدخل الدولة كوسيط للنقل .
        المخازن ، من الضروري الأهتمام بأقامة مخازن متطورة وفق أحدث اساليب التخزين الحديثة ، خاصة لغلات القمح  والرز ، ويجب ان تكون بمناطق مناسبة بالنسبة للبعد عن المنتج .

     وخاتمة الموضوع أن الغذاء هو عامل مهم لأستمرار الحياة ، و الأهتمام به من الأولويات الأساسية لأي دولة ، وذلك لتعلقه بمستقبل أمة ومصير شعب ، وهو بشكل أو بأخر يتعلق بأستمرارية الحكم لأي دولة ، فكيف تستمر الحكومات أذا كان الشعب بلا قوت و جائع !!

 

هامش

الموضوع ذات صلة بمقال سابق بعنوان / الفجوة الغذائية العربية ، غول مشترك يحتاج الى مواجهة مشتركة .