23 ديسمبر، 2024 8:21 ص

قراءة في اعلان ترامب مدينة القدس عاصمة لإسرائيل

قراءة في اعلان ترامب مدينة القدس عاصمة لإسرائيل

في السادس من كانون اول/ ديسمبر الجاري اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب مدينة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل واوعز الى جهات الاختصاص في وزارة الخارجية الامريكية الى المضي قدما لنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى مدينة القدس المحتلة، ولكن تم تأجيل نقل السفارة لمدة ستة شهور لحين الانتهاء من التجهيزات المطلوبة. حيث لقي هذا الاعلان رفضا فلسطينيا وعربيا واسلاميا وحتى دوليا وقال المجتمع الدولي انه متمسك بحل الدولتين وان القدس يجب عن تخضع للمفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني. علما ان هناك معارضة شديدة داخل ادارة الرئيس ترامب على هذا القرار حيث انقسمت الادارة الامريكية بين مؤيد ومعارض لهذا القرار فقد عارضة وزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) مايك بومبيو، وايده كل من نائب الرئيس مايك بينس، والسفيرة الامريكية في الامم المتحدة نيكي هالي، وسفير دولة اسرائيل ديفيد فريدمان، وكذلك صهرة ومستشاره كوشنير والمبعوث الخاص للسلام في الشرق الاوسط جيسون جرينبلات.
ويمكن القول في هذا الصدد ان هناك اسباب حقيقية دفعت الرئيس ترامب للمضي قدما في اعلان مدينة القدس عاصمة لإسرائيل وهي:
1- تنفيذا لقرار اتخذه الكونجرس الامريكي في عام 1995 والمعروف باسم ( قانون نقل السفارة الى القدس) والذي كان مقرر له ان يتم تنفيذه في مدة اقصاها اربع سنوات اي في عام 1999 علما ان هذا القرار سمح للرئيس الامريكي بتأجيله لمدة ستة شهور وتجنب العديد من رؤساء الولايات المتحدة السابقين (بل كلينتون، بوش الأبن، باراك أوباما) باتخاذ هذا القرار بحجة انه سيكون له عواقب سلبية على عملية السلام ومصالح الولايات المتحدة في دول العالم العربي والإسلامي.
2- ارضاء جماعة اليمين الديني او ما يعرف بالجماعات الانجيلية في الولايات المتحدة الامريكية.
تمثل جماعة اليمين الديني او ما يعرف بالجماعة الانجيلية في الولايات المتحدة الامريكية نحو 25% من الشعب الامريكي وصوت نحو 80% منهم لصالح الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، ويتمركزون في الوسط والجنوب من الولايات المتحدة الامريكية والوسط الغربي وهم بعيدين عن واشنطن ونيويورك وكاليفورنيا وهم محافظون ويهتمون بقضايا الداخل وخاصة ذات البعد الديني، حيث تؤمن هذه الجماعة بعودة السيد المسيح في نهاية الزمان وتعتقد ان وجود اليهود في القدس وخوضهم معركة نهاية التاريخ تسمى (معركة ارماجدون ) تقع في سهل مجدو حينها فقط سيظهر السيد المسيح ليقود قوى الخير ضد قوى الشر حسب اعتقادهم وسينتصر عليهم وسيخلص اليهود من محنتهم ويقبلوا به من جديد بحسب اسطورتهم، وان عودة السيد المسيح ترتبط بوجود دولة اسرائيل التي تضم غالبية يهود العالم وعاصمتها القدس. ويحاول الرئيس الامريكي ارضاء هذه الفئة من الشعب الامريكي لضمان تصويتهم له في الانتخابات القادمة، وان يبقوا قوة انتخابية له في اي انتخابات يخوضها، وبذلك تحول ترامب من رئيس لكافة الشعب الامريكي الى رئيس يعطي اولوية لفئة محددة من هذا الشعب.
3- ارضاء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية.
من المعروف ان هناك عدد كبير من اليهود يعيشون في الولايات المتحدة الامريكية وهم يتقلدون مناصب حساسة في الدولة وخارجها وكذلك يسيطرون على المال والاعلام في الولايات المتحدة الامريكية، ومن الجدير بالذكر ان الملياردير اليهودي شيلدون اديلسون مالك الكازينوهات في الولايات المتحدة الامريكية دعم حملة ترامب الانتخابية للرئاسة بمبلغ 20 مليون دولار وتبرع للحزب الجمهوري ب 1.5 مليون دولار في تل الفترة، وحاول هذا الرجل ومنذ استلام ترامب الرئاسة اقناعه بنقل سفارته الى القدس المحتلة، حيث ابدى الملياردير اليهودي اديلسون انزعاجا واضحا قبل ستة شهور حينما اجل الرئيس ترامب هذا الاعلان. كما عقد في مارس 2016 مؤتمرا للايباك( لجنة الشؤون العامة الامريكية – الاسرائيلية) في الولايات المتحدة الامريكية تعهد فيه الرئيس الامريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الامريكية الى مدينة القدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة لدولة اسرائيل.
4- محاولة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تحريك عملية السلام بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني وذلك من خلال تحفيز اسرائيل واعلان القدس عاصمة لهم دون التطرق الى مصطلح القدس الموحدة وبذلك يمكنه مناورة حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة في حال طرحت الادارة الامريكية اطارا لاتفاق نهائي .
يعتبر قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل و نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى مدينة القدس مجحفا بحق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية وهنا يمكننا وضع بعض الملاحظات المهمة وهي:-
1- تحدث الرئيس الامريكي دونالد ترامب عن مدينة القدس بشكل عام دون ذكر مصطلح القدس الموحدة وهذا ما يجعل الباب مفتوحا امام القيادة الفلسطينية من اجل التفاوض بهذا الخصوص ومن الممكن ان تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، كما واكد وزير الخارجية الامريكية ريكس تيلرسون ان الرئيس ترامب كان واضحا للغاية ان الوضع النهائي بالنسبة للقدس بما في ذلك الحدود سيترك للتفاوض واتخاذ القرار بين الطرفين وذلك في اشارة ضمنية انه يمكن تقسيم المدينة الى عاصمتين اذا توافق الطرفان على ذلك.
2- لم يتطرق الرئيس الامريكي في خطابه الى ذكر اسم دولة فلسطينية وفضل القول الفلسطينيين في كامل خطابة، ولكن قال انه مع مبدأ حل الدولتين في حال وافق الطرفين على ذلك.
3- هناك بعد شخصي في هذا الاعلان فمن المعروف ان الرئيس ترامب لم ينفذ أيا من وعوده الانتخابية منذ فترة استلامه سدة الحكم وهذا يظهره انه رئيس ضعيف ويريد تعويض ذلك والظهور انه رئيس قوي ولديه القرارات الشجاعة التي لم يستطع الرؤساء السابقون اتخاذها، كما ان الرئيس ترامب لدية شعور بجنون العظمة وهو يحاول من خلال هذا الاعلان ان يبقى اسمه مخلدا في التاريخ كما هو الحال بالنسبة لوعد بلفور واتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو وغيرها وذلك من خلال صفقة القرن التي تتحدث عنها الادارة الامريكية الجديدة باستمرار.
خاتمة:
من الواضح ان اعلان الرئيس الامريكي ترامب بان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل جاء ارضاء لفئة محدده من الشعب الامريكي وهي الجماعة الانجيلية وكذلك ارضاء للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية وهو بذلك يعرض الامن القومي الامريكي للخطر من اجل ارضاء فئة بسيطة دون النظر الى مصالح الولايات المتحدة الامريكية في العالم، ولكنه حاول جعل الباب مفتوحا دون اغلاقه نهائيا وذلك من خلال بعض المصطلحات الفضفاضة والتي تفهم بأكثر من معنى، حيث كان اعلان ترامب بان القدس عاصمة لإسرائيل والاسراع بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى مدينة القدس المحتلة هو عبارة عن صفعه في وجه عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين وانهاء اتفاقية اوسلو التي تم توقيعها بين الطرفين في عام 1993 وكذلك انهاء مبدأ حل الدولتين لأنه بدون القدس لا يمكن ان تكون هناك دوله فلسطينية وبذلك اخرج الرئيس ترامب الولايات المتحدة الامريكية من الوساطة، باعتباره (الوسيط النزيه) وبذلك تصبح الولايات المتحدة وسيطا غير نزيها وذلك وفق وجهة النظر الفلسطينية، ولكن يجب علينا كفلسطينيين ان نقوم بتحليل الخطاب بشكل علمي من اجل ايجاد بعض الثغرات في الخطاب والبناء عليها مستقبلا ومن اهمها التركيز على ان الرئيس ترامب لم يتطرق الى مصطلح القدس الموحدة وبذلك فهو جعل الباب مفتوحا امام الفلسطينيين من اجل ان تقوم القيادة الفلسطينية باستغلال ذلك والبناء عليه مع الاسرائيليين في مفاوضات مباشرة بين الطرفين، كما انه تطرق بشكل مباشر الى مبدأ حل الدولتين في حال وافق الطرفين على ذلك.