18 ديسمبر، 2024 8:41 م

قراءة في أقاصيص ( مرويات الذئب ) للقاص لؤي حمزة عباس تحولات المتخيل في إيهامية فنتازيا واقع السرد

قراءة في أقاصيص ( مرويات الذئب ) للقاص لؤي حمزة عباس تحولات المتخيل في إيهامية فنتازيا واقع السرد

مدخل : ــ
أن قيمة الفاعل السردي في مجموعة أقاصيص ( مرويات الذئب ) للقاص لؤي حمزة عباس ، ما هي إلا تلك البنية الفضائية للمسرود القصصي ، التي من شأنها إخضاع و تصنيف الأستبدالات الضمائرية الفاعلة في مساحة التوصيف السردي ، تبعا نحو فاعلية متحولة في موجهات ( الحكي / الأنا / الأخر ) فيما تنطوي عليه المستويات القصصية ضمن منظورية خاصة في تصنيف معادلة الحكي ، إقترابا من ثيمات وظائفية ، بدت و كأنها مسرودات متداخلة في صورة و قيمة ( الأنا المتحولة ) في ضمائرية و متاريس اداة الفعل الأخر من لغة مفتاح المستوى الآنوي الناتج ، من حالات و مواقف أنا المؤلف / السارد الضمني ، وصولا إلى جهات غرائبية و فنتازية من حجم موضوعة إيهامية في لغة و دليل الأشياء في النص ، استبدالا لها بتلك الوجوه من المسرود الأبعادي المكين و من مؤولات فضاء المتخيل و تحولاته الإجرائية ، في قابلية القراءة و الادماج الفني المؤثر في شعاب مضاعفات الحكي ترميزا و تحولا و وهما .

ـــ النص بين التبئير الداخلي و مقابلات نمو السرد .
من المفيد دائما عند مطالعة نصوص عوالم ( لؤي حمزة عباس ) التركيز حول نقاط و مواطن وظيفة التبئير الداخلي . فالقاص حمزة عباس ، و منذ صدور مجموعته القصصية الأولى ، كمجموعة ( على دراجة في الليل ) و مجموعة (العبيد) و مجموعة ( ملاعبة الخيول ) و مجموعة ( إغماض العينين ) وصولا إلى (مرويات الذئب ) موضع فعل دراستنا الآن . لاحظنا عناية القاص الخاصة في علاقة الفاعل الأنوي المركز في محورية النص ، إزاء علاقات و وحدات المتحولات الدلالية و الضمنية و المموهة بمسار وحدات فضاء السرد . ففي مختارات أقاصيصه الجديدة ( مرويات الذئب ) نلمح إحتواء النصوص على ذلك النوع المتشكل من خصوصية حياة الفاعل السردي المحور أمام علاقاته المروية في مجال العامليات الشخوصية الموظفة في مبئرات الداخل الذواتي ، و على النحو الذي راح يجعل منها إداة مرتبطة بوضعيات : ( علاقة الفاعل / جهة التحول / ملفوظ الترابط / توليد المتغيرات الثيماتية ) و يولد لنا من خلال هذه الشبكة العاملية في الأوضاع و التقنيات ، بما يشبه صور الأفعال و الوظائف ( اللاجهاتية / اللاتحديدية ) من مضمون دلالة مدلول الحكي في متن النص و خطابه ، و تبعا لهذا تطالعنا قصة ( كتاب الذئب ) و قصة ( ساكنو المصابيح ) وقصة ( الحيوان ) . ففي مجمل مركب هذه النصوص الثلاثة ، تواجهنا صياغة و طريقة حذقة في مرحلة التبئير الداخلي و تحولات فاعل السرد ، فيما نعاين ثمة وظيفة أخرى خاصة بـ (الفاعل المنفذ ) انعكاسا تمويهيا في توقعات المدلول المتحقق في معنى النص أحتمالا ، ذلك ما وجدناه في قصة كتاب الذئب : ( خلف سور القلعة الممتد .. تقع المدينة القديمة .. محمية بأبراج المراقبة و المدافع الكبيرة الصدئة .. ومنجنيق و حيد على عربة بعجلات خشبية كبيرة فككتها العصور . / ص7 قصة : كتاب الذئب) ففي ثنايا موضوعة هذه الأقصوصة ، تواجهنا استهلالا مدخلية القاص الوصفية ، إيذانا منها إلى الدخول في تفاصيل وعي المكان و التمثيل المرجعي و النواة الزمنية في رؤية الأسترجاع ، و تستوعب حالات سياق النص هنا ، مسارية بانورامية مصورة توثيقا ، و لكنها أيضا تقع ضمن مجال تشريح المادة المرجعية في الصورة المكانية و الزمنية و الحوارية ، التي نعثر عليها في أواخر النص ، ارتباطا بمحاولة القاص سرد حاضرية التتابع الاسترجاعي لأجل كشف تجليات الحكي و محتوى حكايته : ( في زاوية قاعة المتحف .. و على الرف الأوسط من رفوف العارضة القريبة لفتني كتاب بحجم راحة اليد على جلد غلافه الأسود الصقيل تخطيط دقيق لذئب فتي .. إذناه منتصبتان و أنفه مستدق شديد السواد / نظرة الذئب تحكي وحدته و انطفاء حدقتيه يحكي عزلته و اصطباره .. حدثت نفسي قبل أن أنادي على الموظفة التي غادرت كرسيها و تقدمت نحوي من دون أن تفارقها ابتسامتها : ــ نعم ؟ ــ من فضلك ، ما عنوان هذا الكتاب ؟ :ــ خيالات الذئب . أجابت من دون أن تخفي دهشتها :ـــ من مؤلفه ؟ :ـــ أنه كتاب خيالات كما يشير عنوانه خيالات لم يكتبها أحد .. وهو أقدم كتب المتحف . / ص11 ) تعود خطوط التبئير ، بين جهة السارد المشارك و حكاية كتاب ( خيالات الذئب = حافزية الفاعل المنفذ = التتابع السببي ) و على هذا النحو يسعى القاص الى جعل مؤشرات الأحساس بالزمن الصوري ، أقصد من ناحية الموازاة بين خط المستهل النصي ، حيث المكونات الواصفة التي تقترب من ثنائية ( الزمن المرجعي للحكاية / الزمن الصاعد للقصة ) وهو بدوره ما يشكل ذلك النوع من التراتب بين دال الصورة القديمة المتمثلة بأيقونات المسرود التعقيبي ، و بين عاملية الشخصية في مكان وجودها داخل مشهد مدونة الوثيقة المرجعية في مخطوطة السارد المشارك : (تهتز الستائر هزات رشيقة كأنها روح المدينة القديمة .. تنادي العابرين نداءات خفيضة / أمام بوابة المتحف المفتوحة / وقفت ألتقط أنفاسي .. أتأمل خشب البوابة المنعم و أفكر بقاعة الشرف القريبة / قريبا من القصر ـــ و قد جلس فيها ذات يوم خاقان باكو .. حسين أوغلو الباكوي / الذي ستكشف مدونات تأريخ المدينة الحديث عن لقب الرجل الذئب الذي منحه إيها أهل باكو .. تقديرا لفطنته و صعوبة ترويضه مقابل الفريق أول ياول سيسانوف ممثل حكومة السكندر / . ص8 )

1ـــ صورة السارد و آليات أسترجاع الحكي :
أن فكرة قصة ( كتاب الذئب ) من الآليات و الرؤى التي راحت تتقاسم المشهد مع صور تحولات المخيلة المحكية في النص . فالقاص راح يستثمر رحلة مدونته المرجعية ، التي كان يقوم بكتابتها في فندق إقامته ( باكو / أذربيجان ) وقد ترسخت رؤى المكان و الزمان التاريخي لدى القاص ، مما جعل شخصيته المشاركة تبدو في مقدار تمثيلها لرؤية ذلك الزمن و خيالاته الحسية ، التي راحت تحقق حضورها المتحول دلاليا إلى جانب زمنها في الكتابة النصية و الممتد استرجاعا ، وهو ما يكمن أن نراه اعتمادا على هذه الفقرات : ( : ـــ لم يكتبه أحد ! . قلت متعجبا ـــ نعم ، لم ينسب لمؤلف طوال ما مر من عصور . / في تلك اللحظة سمعت صرخة الفريق أول سيسانوف .. و تراءت لي حدقتي الذئب وهما تلتمعان بعد أن ختم الخاقان المعاهدة و عاوده الهدير . ص12 ) .

2ـــ الحكي بين محورية السارد و أنسنة لغة الأشياء :
عالجت نصوص مجموعة ( مرويات الذئب ) حالة أنسنة الأشياء ، و ذلك بالأضفاء عليها تلك الهالة من طابعية الحكي بالإيهام ، التي يتطلع بدوره الى تغليب واقع و حقيقة الفضاءات و الأشكال و المضامين ، بروح التشيؤ و الاغتراب بحدود كينونة معادلة ثنائية ( الأنا / الأخر ) ومن حدود جهة مكونات المسرود القصصي بمؤثثات الواقع المغاير ، أو موضوعة ما فوق الواقع ، حيث تواجهنا بالتالي قصة ( يا لها من سماء جميلة ) و قصة ( المشي في الليل ) و قصة ( وجوه متراصة كالأحجار) و قصة ( ملاك صغير على الماء ) و تشكل مجموعة هذه النصوص القصصية بذاتها كحلقة الوصل بين دلالة فضاء تحولات الأنا و معادلة واقع حلمية لغة الأشياء .. أنه ببساطة عالما أخر ، و واقعا ممكنا ، راح يلامس الحقيقة الوجودية بهوية المسرود المتخيل للقاص و الشخصية المشاركة ، غير انها غدت أكثر ملامسة لتمظهرات الاغتراب و الفنتازيا ، و التنصيص لهذه الرؤى و الخيالات من لدن القاص ، جاءتنا تفسيرا رمزيا مواكبا لروح لغة تشيؤ الأزمنة و الأمكنة ، الممنوحة بدورها في واقع حلقات النص ، الذي يحمل بين طياته أحساسا رافضا و إدانة إلى مجال العوالم الخارجية من عمق ضغوطات رؤية الكتابة ، لنقرأ ما جاءت به قصة ملاك صغير على الماء : ( منذ أكثر من عام و هي تسمع صوتا غريبا يحدثها في أوقات متباعدة .. لم تستطع معرفة ما إذا كان صوت رجل أو إمراة على الرغم من تكرره .. كل مرة يبدو على نحو مختلف / ص95 قصة : ملاك صغير على الماء ) و تباعا لها تواجهنا بذات الدلالة و الدليل و الثيمة قصة ( وجوه متراصة كالأحجار) من حيث قيمة التركيز و الإيحاء في سياق منظومة مفاهيم ( فاعل جهاتي = فاعل ذو علاقة بموضوع الكينونة المتحولة ) و الحال يطرح نفسه أيضا في قصة ( النظر إلى التمساح .. من مسافة قريبة ) و قصة ( وقت كاف لرؤية الذئب ) و القصة الأخيرة الرائعة من المجموعة ذاتها ( عيون الجنود ) .

ــــ تعليق القراءة ــــ
في الحقيقة أن مجموعة أقاصيص ( مرويات الذئب ) ليست بالنصوص التقليدية الباردة و الهشة و الفارغة في فن كتابة القصة القصيرة ، بل أنها أختيارات مدروسة طويلا من جهة القاص ، و في قولنا هذا لعلنا لا نود أن نسلب مجموعة أعمال القاص السابقة في هذا الفن العظيم ، فهي في جملتها العريقة و الخلاقة ، تتقدم بمواضع بارزة من الصدارة في الأدب القصصي العراقي و العربي . على أية حال نقول ختاما ، بأن لؤي حمزة عباس في تجربة ( مرويات الذئب ) أسطر لنا قصصا و خيالاتا تعود بمفهومها الى جدلية أستعادة الأمكنة و الأزمنة و الذوات في تقانة تحولات تداخل الأنا في الأخر ، لتتضح لنا أخيرا حكايا حلمية بين واقعين و زمنين تقوم بفاعلية تعويضية لصوت الأنا في شعرية عوالم فردوسها المفقود ، و استعادته ضمن تقنيات و اداة الفنتازيا و الاغتراب و التحول و الإنكفاء الذاتاني في بنية لغة الذات الحكواتية في مدونة مرويات الذئب و مرويات تلك المواطن المراوية من وجه و وجوه أسطرة الواقع بفضاءات المخيلة المؤثرة .