الجزء الثالث – الخلافة العباسية
القسم الأول
تنويه :
1 . أرتأيت أن أسرد في بداية كل جزء من سلسلة المقالات / ذات الصلة ، نفس المقدمة ، لأنها تقريبا ، دالة ومؤشرة على كل حقب تعاقب الخلافات الأسلامية . 2 . نظرا لطول حقبة الخلافة العباسيىة ، أرتأيت أن تكون الحقبة على جزئين ، وللعلم من أنه حتى الجزئين ، فانهما لا يغطيان الموضوع .
المقدمة : مارس رجال الأسلام / شيوخ وكتبة ودعاة .. نوعا من القهر الفكري على العقل المجتمعي للمسلمين خاصة ولغير المسلمين أيضا ، وذلك عن طريق حجب الحقائق ، وتضليل الذهن ، ونشر الخرافات ، وتزوير الوقائع ، وجعل الظالم مظلوما ، والمظلوم ظالما .. هولاء الرجال نقلوا صورة أسطورية للمجتمع / الأسلامي خاصة ، من أن عصر الخلافات / من الخلافة الراشدة الى الخلافة العثمانية – مرورا بالخلافة الأموية والخلافة العباسية ، من أن هذه الحقب ، هي حقب كسلسلة من اللؤلؤ والمرجان ، شعارها نشر الدين بالحب والقبول ، وطابعها هو الورع والتقوى والتدين والزهد ، لا مجون ولا خمر ولا فسق ولا غزل بالجواري ولا لواط بالغلمان ، حقب أنتشرت بها المعرفة ، وساد بها العدل والمساوات ، حتى بالنسبة لليهود والمسيحيين فقد كان حالهم حال المسلمين! لا تفرقة ولا خلاف ولا أختلاف ، فقط تحقيرهم ، وفرض الجزية عليهم ، والمعاملة الدونية لهم ، ك ” أهل الذمة “، ولولا دورهم بالطب والترجمة والمعرفة عامة ، لسحقوا أو هجروا !! ، كما صوروا خلفاء وأمراء وقادة ورجال تلك الحقب ، على أنهم ، ظل الله على الأرض ، ودعاء ، تركوا متاع الدنيا ، وعشقوا الأخرة ! .. في هذا البحث المختصر سأسلط الضوء على بعض من هذه المغالطات بالمراجع وبالأسانيد ، لكي يفقه ويعي الفرد المسلم قبل غيره ، على حقيقة الصورة الحقيقية لعصر تلك الخلافات الغابرة المقيتة ! المعبأة بروايات بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع ، وذلك لأن تلك الروايات الماضوية كتبت تحت سيف ونار الخليفة أو الحاكم ، ولكن هذا لا يعني أنطواء كل الحقب تحت شبهة التزييف والتضليل ! وهذا لا يحجب أيضا من وجود بعض الجوانب المنيرة.
الخلافة العباسية :
وأمتدت ما بين 750 – 1258 ميلادية ، أي 508 عاما / دون دولة المماليك ، وسميت الدولة العباسية بهذا الاسم ، نسبة إلى العباس عم الرسول ( فمؤسس الدولة العباسية وخليفتها الأول هو أبو العباس عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب عم الرسول) ، وقد اشتهر أبو العباس بأبى العباس السفاح .. حكم 54 خليفة عباسيّ / مع دولة المماليك في مصر ، وتعتبر واحدةً من أقوى السلالات التي تحكم بالإسلام على مرّ التاريخ ، وكانت عاصمة الدولة الكوفة منذ عام 750 وحتى 766 ميلاديّة ، وفي من عام 766 وحتى عام 836 ميلاديّة كانت بغداد ، ومنذ عام 836 إلى عام 892 كانت سامراء ، ثمّ عادت إلى بغداد منذ عام 892 وحتى عام 1258 ، أنتهى الحكم العباسي في بغداد سنة 1258م عندما أقدم هولاكو خان التتري على نهب وحرق المدينة وقتل أغلب سكانها بما فيهم الخليفة / المستعصم بالله ، وأبنائه .. / نقل بتصرف مع أضافات الكاتب ، من مواقع الويكيبيديا ، موضوع وويكي جامعة . سيكون تناولي للموضوع للفترة أعلاه ، مهملا لحقبة الدولة العباسية المؤسسة في مصر / والتي سميت بعصر المماليك ، والتي أمتدت من 1261 – 1519 ميلادية . وسوف أبين بعض الوقائع السلبية التي تؤشر على حقبة الخلافة العباسية ، والتي يجب أن توضع تحت مجهر القراء .
أضاءات :
أولا – المؤسس ، هوعبدالله بن علي الأصغر وهو السفَّاح ، وهو عمُّ أبي العباس والمنصور ، فإنَّ أصلَه منقول من ابن سعد في طبقاته ، حين ذكر أولادَ علي بن عبدالله بن عباس فقال : (( عبدالله بن علي الأكبر… وعبدالله بن علي الأصغر السفَّاح الذي خرج بالشام )) ، وإنَّما السفاح ، هي صفة كالسفَّاك والقتَّال ./ نقل من موقع الألوكة .
* بادئ ذي بدأ ن أن مؤسس الدولة العباسية ، كان سفاحا ، وهذا دليل على ان الدولة قامت على الدم والقتل ! .
ثانيا – تصفية الدولة الأموية : من مؤشرات الدموية المتبعة في نهج الخلافة العباسية ، أنقل الحدث التالي ، الذي وقع خلال تصفية فلول الدولة الاموية ، ففي موقع الشرق الاوسط / من مقال د. محمد عبد الستار البدري ، يبين به التالي ( هزم الخليفة الأموي مروان بن محمد في معركة « الزاب » على ضفاف أحد روافد نهر دجلة ، واستمرت جيوش أبي العباس تستولي على مدن الشام الواحدة تلو الأخرى ، وهزم مروان مرة أخرى في معركة « بوصير » في بني سويف بمصر ، وقطع رأسه وأرسلت للخليفة ، وبموته انتهت الدولة الأموية رسميا واستتب الأمر لأبي العباس .. ) ، وتورد بعض المصادر التاريخية أن عمال أبي العباس تفننوا في القضاء على من تبقي من بني أمية ، ( ويورد المؤرخ ” ابن الأثير ” ، أن عمه عبد الله أحضر ما يقرب من تسعين أمويا وأمر بقتلهم ، فغطاهم وجلس يأكل غداءه على جثثهم وبعضهم لا يزال تزهق روحه ، حتى إن الشعراء كانوا يخرجون بأبيات شعر تؤيد هذه المجازر ، منها قول أحد الشعراء : جرد السيف وارفع العفو حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا ) .
* الوقائع السالفة الذكر تدلل على ثقافة القتل والدم التي كانت متبعة من ذلك الوقت في تصفية الخصوم ، بغض النظر عن الدين ، المهم في الأمر ، أستمرار السلطة والحكم ، حتى لو أريقت دماء المسلمين ، من قبل مسلمين ! .
ثالثا – الخليفة العباسي الخامس هارون_الرشيد (149 هـ / 766م – 193هـ – 809م ) ، ينقل لنا كتاب / هارون الرشيد ولعبة الأمم / للكاتب أندريه كلو ، صورة من حياة الترف التي يعيشها الرشيد ، ففيما يتعلق بالنساء ، يبين ( إن هارون كان لديه مائتا امرأة ، عشرون منهم فقط أنجبن له الأولاد ، وكانت الجواري من أصول مختلفة ، فمنهمن العربيات ، والشركسيات ، الفارسيات ، واليونانيات ، وكان مصدرهن في الغالب هو الغنائم والحروب والغزوات ، ولم يكن اختياره للنساء يعتمد على الجمال فقط بل على الذكاء أيضا.. ) . أما فيما يتعلق بحياته في القصر ، فأن الكتاب يبين التالي ( كان الرشيد يدير قصره وحاشيته وفق تقاليد إمبراطورية تقضي بأن يكون هناك حاجز بين الخليفة وبين الآخرين ، فلا يحق لهم التحدث إليه أو التكلم معه وعند الضرورة القصوى حيث يوجه السؤال والسائل في حالة سجود ، إلا أن هناك عددا محددا من الأشخاص يحق لهم وحدهم التحدث إليه أو التكلم معه بل حتى مناقشته وهم من يطلق عليهم الندماء ، أقربهم إلى الخليفة كان : إسحاق ابن إبراهيم الموصلي ، وهو أعزهم وكان موسيقيا مشهورا ، إضافة إلى جعفر البرمكي .. ) .
* وهنا نلاحظ حياة ماجنة ومترفة كان يحياها هذا الخليفة / وبالرغم من أن عصره كان عصرا متقدما ، ولكن الذي نلحظه ، أنه هناك نوعا من العبودية المتمثلة من أعتبار أن الخليفة هو ظل الله على الأرض ، لأجله كان يشعر الخلفاء من أنهم بمنزلة الربوبية ، خاصة من ملاحظة حالة ” السجود حين توجيه الأسئلة ” للخليفة ! .
رابعا – كان العباسيون الأكثر فتكا في العلويين ، فيحدثنا موقع شبكة الشيعة العالمية / سأعلق عليها لاحقا ، بما يلي بهذا الصدد (( .. خلافة ” الهادي العباسي ” هي الاخرى اشتهرت بالشراسه والتضييق على أهل البيت وشيعتهم وتوعد الامام موسى الكاظم ، وهدده مراراً لكن لم تسنح الفرصة له بذلك إذ مات بعد وقت قصير ، فانتقلت السلطة الى هارون الرشيد الذي فاق أقرانه وأسلافه إجراماً وممارسة الضغط والارهاب ضد العلويين .. )) ، ثم يدرج ذات الموقع رواية أخرى ، منطقيا لا تستقيم ! ، فيبين التالي (( نقل عن ” المأمون ” ، كنت عند أبي “هارون” في احد الايام وتعجبت كثيراً من إكبار أبي لموسى بن جعفر وتقديره له . فقلت لأبي : من هذا الرجل الذي أعظمته وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس ، وجلست دونه ؟ قال : هذا إمام الناس ، وحجة الله على خلقه ، وخليفته على عباده فقلت : أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله مني ومن الخلق جميعاً ، والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فإن الملك عقيم ( كتاب – قادتنا كيف نعرفهم ج6، ص305 ، وعيون أخبار الرضا ، ج1، ص91.)..)) . * 1 . في هذا المقام لا بد لنا أن نسجل ملاحظة مقتضبة ، وهي ليس كل ما يكتب في التأريخ هي حقيقة تامة ، لأن ما ورد في هذه الجزئية ، تبين هناك عدم أمانة في السرد التاريخي للوقائع ! .
2 . ولكن لو صحت الرواية ، فأنها تبين نوعا من الشيزوفرينيا لدى الحكام ، لأن الحكام من جانب قلبهم لله / الحق ، ومن جانب اخر ، عقلهم على الخلافة والحكم ! وسيفهم على رقبة أي طامع مهما كان نسبه ، وحتى لو كان حفيد الرسول ! .
خامسا – الخليفة الأمين ( 787 – 813 هـجرية ) ، وهو أبن الخليفة هارون الرشيد وأخوه المأمون ، ورغم اختلافه مع الأخير ، والذي قد تم قتله من قبله . فقد كانت حياة الأمين أكثر غرابة ممن سبقوه . برغم الأخبار المختلفة عن هارون الرشيد والمأمون وما حدث في عصرهما ، فما يميز الخليفة الأمين هو الروايات المتناقلة عن ميوله المثلية ، فقد اشتهر بقصصه الجنسية مع الخصيان ، .. و إذا كان “هارون الرشيد” قد عرفه التاريخ بما كان يملكه من ألاف الجواري والسراري فإن إبنه “الأمين” لما آلت إليه الخلافة بالوراثة ، قد أبي هو الأخر إلا أن يذكره التاريخ من باب أخر أشد تفرداً وتميزاً من باب أبيه . ففور أن وضع خاتم الخلافة في يديه ، إبتاع “الخصيان” وجعلهم لخلوته في ليله ونهاره ، ورفض الجواري والسراري . وعبثاً حاولت أمه أن تثنيه عن عادته هذه . فقد أتت له بفتيات يتمثلن بالغلمان ، وسمتهم “الغلاميات” ، فما أستطاعت أن تصرفه عن شذوذه ! ومن شعر خليفة المسلمين وأمير المؤمنين “الأمين” للغلام الأقرب له ، الذي طار له عقله وتعلق به فؤاده ، وكان هذا الغلام يدعى “كوثر” وبلغ في عشقه لغلامه أن نظم فيه شعراً يصف به حبه له فقال : كـوثـر ديني ودنـيـاي وسقـمي وطبـيبـي أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيبِ
حتى أن الأمين لم يسلم من أبي نواس ، ويقال إن الاثنين كانا يسبحا في بركة بعد أن شربا الخمر ، ولاحقاً حين أراد الأمير قتل أبي نواس استعطفه بهذه الأبيات : ” يا قاتل الرجل البريء وغاصباً عزّ الملوك / كيف السبيل للثم سالفتيك أو تقبيل فيك / الله يعلم أنني أهوى هواك ، وأشتهيك/ وأصدّ عنك ، حذار أن تقع الظنون عليّ فيك “. / نقل بتصرف مع أضافات للكاتب من موقعي مصر المدينة ورصيف 22 .
*هذا أحد خلفاء المسلمين ، أمير المؤمنين ، وظل الله على الأرض ، يسبح في بركة من الخمر ، مع أشهر الشعراء المثليين ، أبو نواس ، فعجبا كيف كانت قرارات وحيثيات الحكم لخليفة كان يقضي ليله ونهاره باللواط !! .
هذا الوضع جعل من أحد الشعراء أن يمثل حال خلافة الأمين ، كما أورد الطبري في تاريخه ، حوادث عام 135: قال شاعر من أهل بغداد لمّا رأى تشاغل الخليفة محمّد الأمين بلهوه وبطالته :
لواط الخليفة أعجـــــــــــــوبة وأعجب منه حــــلاق الوزير
فهذا يدوس ، وذاك يــــــداس كذاك لعمري اختلاف الأمور
سادسا – التمثيل بالمفكرين والعلماء ، ومنهم : 1 . مقتل أبن المقفع ( 724 – 759 ) ميلادي : هو مفكر وكاتب من البصرة ، في ظل الدولة العباسية اتصل ابن المقفّع بعيسى بن علي عم السفاح والمنصور واستمر يعمل في خدمته حتى قتله من قبل سفيان بن معاوية والي البصرة في خلافة المنصور ، والأرجح أن سبب مقتله يعود إلى المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ابن المقفع ليوقّع عليه أبو جعفر المنصور ، أماناً لعبد الله بن عليّ عم المنصور . وكان ابن المقفع قد أفرط في الاحتياط عند كتابة هذا الميثاق بين الرجلين ( عبد الله بن علي والمنصور ) حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده . ومما جاء في كتاب الأمان : إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت ” نساؤه طوالق ، وكان الناس في حلّ من بيعته ” ، مما أغاظ المنصور فقال : ” أما من أحد يكفينيه ” ؟ وكان سفيان بن معاوية يبيّت لابن المقفع الحقد ، فطلبه ، ولما حضر قيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور ، حيث قطع أجزاءه وهو حي وألقاه قطعة قطعة في النار أمام عينيه حتى مات من شدة التعذيب . / نقل بتصرف مع أضافات الكاتب من موقعي الويكيبيديا وموضوع كوم .
2 . مقتل الحلاج : هو أبو عبد الله حسين بن منصور الحلاج ( 858 – 922 ميلادي ) / ( 244 – 309 هجري ) من أعلام التصوف ، إتهمه الخليفة المقتدر بالله بالكفر وحكم عليه بالموت . فضرب بالسياط نحو ألف سوط ، ثم قطعت يداه ورجلاه ، ثم ضربت عنقه ، وأحرقت جثته بالنار ثم ألقي ما بقي من تراب جثته في نهر دجلة ، وفي رواية ، أخرى أن أقرت عليه زوجة ابنه سليمان بأنه قد أمرها بالسجود إليه وقال لها لما اعترضت : « نعم إله في السماء وإله في الأرض » ، فعقدوا له مجلسًا مع الفقهاء والعلماء فأفتوا بكفره وضلاله ووجوب قتله . وقد قال عنه الإمام عبدالقادر الجيلاني حين سُئل عن الحلاج قال : عثر الحلاج ولم يكن في زمانه من يأخذ بيده ، ولو أدركته لأخذت بيده ، وقال عنهُ الإمام أبو الحسن الشاذلي : أكره من العلماء تكفير الحلاج ، ومن فهم مقاصده فهم مقصدي .. ولا زال قناع الحلاج يوظّف بشكل واسع في الشعر العربي المعاصر منذ ستينيات القرن العشرين ، مثلا : في أعمال محمد لطفي جمعة ونجيب سرور وعبد الوهاب البياتي / نقل بتصرف مع أضافات الكاتب من قصة الاسلام ، https://majdblog92.wordpress.com والويكيبيديا .
* ان ثقافة التمثيل بالجثث التي تتبع من قبل المنظمات الارهابية الأسلامية اليوم ، انما هي أمتداد تأريخي لحقب الخلافات الأسلامية ، وأن الذي يحدث اليوم من صلب وحرق للجثث لم يأتي من فراغ ! ، أنما جاء من ثقافة أسلامية متأصلة في أسلوب الحكم من قبل الخلفاء والأمراء الاولين .
يتبع في القسم الثاني