بات من الواضح أن الكيان الصهيوني إرتكب حماقة كبيرة، وأوقع نفسه في دوّامة لن تنتهي بسهولة، فالعملية الإسرائيلية في شرق سورية أدخلت المنطقة في منعطف خطير وهو التدخل الأكثر وضوحاً لإسرائيل على خط الحرب على سورية، في إطار هذا لم يكن العدوان الإسرائيلي على مدينة دير الزور والبوكمال الأولى من نوعها منذ بدء الحرب السورية، بل سبق لها أن إستهدفت دمشق والقنيطرة ودرعا وحمص، ومع ذلك، فإن هذه الغارة من دون أدنى شك، الأكثر خطورة على الإطلاق، من حيث التداعيات المحتملة، وهذا يشكل دليل واضح إلى التورط الإسرائيلي في الحرب السورية، فإسرائيل تهدف من وراء عدوانها على سورية تركيعها والتخلص من ترسانتها العسكرية وإضعاف مقدرة الجيش العربي السوري ضمن محاولات فك التحالف الاستراتيجي الذي يربط سورية مع دول المقاومة.
في سياق متصل إن الثمن الذي دفعته سورية بفعل الإعتداء الإسرائيلي كبير، لكن من شأن هذا الإعتداء أن يساعد سورية كثيراً في تثبيت الصورة الحقيقية للصراع الدائر في سورية، بإعتباره صراعاً مع إسرائيل ومشروعها التوسعي في المنطقة، وبالتالي بعد اليوم لن يكون هناك إلتباس في طبيعة المواجهة التي يخوضها الجيش العربي السوري، بعدما تأكد بالعين المجردة أن إسرائيل أصبحت جزءاً مهماً من المعسكر الساعي إلى تغيير دور دمشق وموقعها الإستراتيجي تمهيداً للقضاء على المقاومة في المنطقة، وما ترمز إليه في المعادلة الإقليمية والدولية، ومن هنا يمكنني القول إن الغارة الإسرائيلية هي إعتداء جديد على أراض سوريّة وتدخّل سافِر هناك.
على خط مواز، إن سحق وفرار التنظيمات الإرهابية والجماعات الإسلامية المتطرفة الأخرى جعلت إسرائيل في حالة بحث عن أوراق ووسائل متعددة لحفظ نفوذها من خلال افتعال وخلق ذرائع جديدة لاستمرار الحرب في سورية وهي جزء من المخطط الذي وضعته لتدمير دول الشرق الأوسط، وهذا ما يضع الشعب السوري أمام موقف الدفاع والمقاومة لكافة مخططات هذا المحتل المجرم.
السؤال الأكثر أهمية هو ماذا سيحدث الآن؟ واضح جداً أن الجيش العربي السوري غير معني حاليا بالتصعيد مع إسرائيل، والسبب الرئيسي هو أن السوريين لا يرغبون بحرب جديدة مع إسرائيل العدوانية في هذه اللحظة، وبالتالي الجيش سيكون حريصاً على عدم فتح جبهات جديدة قد تنقلب من حرب محدودة إلى حرب مفتوحة والتي سوف يكون لها آثار مدمرة متى إشتعلت لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة، وسورية لن تتصرف بإنفعال وإرباك، وإنما ستأخذ الوقت الذي تراه مناسباً لتحديد الخطوة الآتية بهدوء وحزم، وهذا ما عكسه البيان السوري والذي اكتفى بنعي الشهداء، تاركاً باب التأويل مفتوحاً.
مجملاً…المخطط في سورية واضحاً، إسرائيل التي خسرت أهم أهداف مشروعها التخريبي بالمنطقة، بسبب القضاء على الجماعات المسلحة، تحاول هدم الاستقرار في سورية، متسلحة بأدواتها التقليدية، الإرهاب والفوضى، لكن ما تغفله إسرائيل، أن الأدوات أصبحت مكشوفة لدمشق، و أن معركة الجيش السوري والمقاومة في تحرير الأراضي السورية لن تتوقف وستواصل مهامها لهزيمة الميليشيات المسلحة والجماعات الداعمة لها وخاصة بعد الضربات المتلاحقة التي تلقتها من الجيش السوري الذي سلب النوم من عيون الجيش الإسرائيلي وزرع الرعب والخوف في قلب قادته.
بإختصار شديد…إن إسرائيل الإرهابية أمام منعطف إستراتيجي لن تسعفها كل بشاعة القتل والدمار التي تمارسها أن تخفي إخفاقها في الخروج من مأزق عدوانها البغيض، وإرباكاتها التكتيكية أمام حركات المقاومة التي أصبحت مؤشرات معالمها واضحة للجميع، فشروط المقاومة اليوم قد تغيرت وإرتفع سقفها، وباتت في الصدارة، ومبادرات الخنوع والإستسلام لم يعد لها بين محور المقاومة، والكلمة الفصل والقرار اليوم لم يعد لأحد سوى للأبطال في الميدان، فهم باتوا الأمل الوحيد في رسم خارطة طريق جديدة لوطننا الغالي “سورية”.