18 ديسمبر، 2024 8:59 م

قراءة جديدة في رواية ( مدرسة الزوجات ) للكاتب الفرنسي أندريه جيد

قراءة جديدة في رواية ( مدرسة الزوجات ) للكاتب الفرنسي أندريه جيد

الناظم الشخوصي الأوحد بين وساوس المثال و عوائق فوبيا الأوضاع الظاهرية
توطئة :
أن إجرائية الاتجاه القصدي في أسلوب و بناء و مخلية المعنى الإمكاني في بنى و شكل رواية ( مدرسة الزوجات ) للروائي الفرنسي العملاق أندريه جيد ، و التي قام بترجمتها عن اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية المترجم الأستاذ صبري فهمي ، ذلك التعاظم الكثيف في منظور المحور الناظم الشخوصي المركز في النص ، إذ أن فعالية القراءة إلى هذه الرواية ، تحتاج من قارئها ، التقاط حيزية الإشكالية في منظور المحور الشخوصي ، المتمثل في أوضاع و مفاهيم و أحاسيس تلك الزوجة إيفلين إزاء عادات و أطوار و سلوكيات زوجها روبير . في الحقيقة أن طبيعة هذه الرواية ، قد تبدو لنا من جهة هامة ، نسبية القيمة الفنية و الابداعية جدلا ، غير إنها في الآن نفسه تشكل في ذاتها حضورا نفسانيا في معنى القصدية المغايرة لحدوث علاقة الوحدة بالكثرة من النموذج ذات الدليل السيكولوجي . فالشخصية إيفلين تبدو لنا مثلا صارخا في علاقتها مع المكون الشعوري الباطني لديها ، و الذي راح يسعى و يتوجس بالدليل الباطني بمقولة المثال و مقايسة محاور الأشياء ضمن خطية ذلك المثال السلوكي المتعصب لديها . لذا نجدها سيدة مشمئزة إلى حد الغثيان و التشاؤم من بوادر سلوكيات زوجها روبير ، و إلى مرحلة متأخرة من زمن الرواية . و هذه الدلالة المثالية المطلقة و المتمثلة بشخص الزوجة ، هي ما جعلها تتعامل مع موضوعة الإتساق أو اللاإتساق في الحياة الزوجية كاملة ، على أساس من أنها تقتني أعلى حاصلية الوعي في طلب الأنا المثالية في حياة العقل و المشاعر و الوجود السليم .

ـــ المعروض الذاتي داخل صيغة موقع السارد المشارك .
يتصل المؤول الدينامي في استقرائية المعروض الذاتي ، عبر نسيج أحداث المسرود الروائي إجمالا ، بدءا من علاقة بداية الرواية ، و حتى ذلك الارتباط المؤشر على دليل فحوى خاتمة النص ـــ انعكاسا مؤولا ـــ نحو ضم أطراف الحكي من خلال فعالية مؤشرات سياقية خاصة ، من شأنها جعل موضوعة تجربة كتابة اليوميات في حياة الزوجة إيفلين ، و هي مقدمة كمخطوطة كتاب إلى دار الطباعة و النشر : (سيدي : بعد تردد كثير ، قررت أن أرسل أليك هذه الكراسات .. و هي صورة على الآلة الكاتبة من اليوميات التي تركتها لي والدتي .. و قد توفيت في 12 أكتوبر سنة 1916 بمستشفى .. حيث كانت تتولى العناية بالمصابين بأمراض معدية . /ص7 الرواية )

1ــ خطية الزمن و رؤية سياق المؤول الذاتاني الفاعل :
يمتاز الناظم في مؤشرات زمن أحداث الرواية ، في خاصية حكي المسرود القولي إلى ذلك الغائب ، ارتباطا بأدلة ( الفاعل الذاتي / جهة الموضوعة / العلاقة البرانية ـــ الجوانية من علاقة الحكي ) و صولا إلى موسومية وحدات السرد ، إلى علاقة تعاقدية وصلية تتم بين ( مرسل = مرسل إليه = ذات متبوعة بفصل فضائي بين فاعل باث ـــ و مرسل إليه كصياغة متوالية ذات طابع موضعي ) كحال هذه الفقرات من فاعلية المسرود أو الناظم السردي : ( يخيل ألي أنني أليك أكتب .. فأنني لم أسطر يوميات من قبل / ص 11 الرواية ) الأدلة الحادثة في المسرود الذاتي تنقلنا إلى مؤسطرات الدليل و نتيجة ذلك المدرك العرضي في سياق النص ، و معنى كل هذا بإختصار ، هو أن الفاعل الذاتي يقدم شيفرات و محاور وجوده ، في مجال سيرورة معاينة الفكرة الأولية من طابع الشخصية الناظمة في المسرود المحوري ، بوصفها ذا علاقة بالدليل ـــ المصدر ، أي بمعنى أن الدليل المصدر من خلالها ما سوف يربط مؤشرات ذهنية السابق من الحكي ، إلى فسحة تحقيق سياق ملائم للدليل الناظم نفسه في مسرود الذات الشخوصية المركز : ( تتراءى لي الحياة جميلة نافعة و قيمة حتى أنني لا أريد أن أضيع منها شيئا .. سأحفظ في هذه الكراسة كل فتات سعادتي .. و هل لي من عمل يومي بعد انصرافك عني .. سوى أن أعود فأحيا خاطف اللحظات الماضية و سوى أن أتمثلك حاضرا ./ ص 11 ) إذ كانت كتابة اليوميات لدى الشخصية إيفلين ، هي المناط الأوحد في عرض المظهر المحكي في المسرود الذاتي لديها تحديدا ، بينما ترتبط وحدة الزمن و المكان بافتراضات كون هذه الوحدات محايثة للنص ، و يعني هذا وفق الفرضية المحتملة ، بأن المسرود الذاتي و عبر زمنه و مكانه ن صار رهين بتفاعل اليوميات مع حالات التقديم و التأخير في أحوال زمن الخطاب و من جهة الفاعل الذاتي في الخطاب نفسه : ( قلت أنني قبل إلتقائي بك كنت أبحث لحياتي عن هدف .. و الآن أنت هدفي و شغلي .. بل حياتي و لم يعد لي مطلب عداك .. أنا أعلم أنني منك وبك أستطيع أن أتخلص من نفسي أحسن ما بها .. فعليك أرشادي و هدايتي إلى الجميل و الخير .. و إلى الله الذي أسأله أن يمدني بعونه حتى أنتصر على معارضة والداي / ها أنا أدون صلاتي الضارعة هذه : ــ رب لا تلزمني معصية والداي .. أنت تعلم أنني أحب روبر و ليس في طاقتي أن أكون لسواه . / ص 12 الرواية ) تتضح لنا في هذه الوحدات المسرودة ، معنى كيفية الوصول إلى علاقة مختزلة ، خصوصا و أن أيفلين أخذت تكرس حياة النص الروائي داخل مفكرة يومياتها صعودا بالمسرود إلى إجراءات باتت هي من يتحكم في مسارها و تحقيق حدوثها النصي المؤشر ، كواصلة شكلية سببية في موضوعة المظهر النصي على باقي أطراف شخوص و أحداث النص الروائي .

2ــ الفوارق التمايزية بين سيرة النص و إنتاج النص :
انطلاقا من نوعية الوعي الكامل في مركب صياغة الرواية لدى الكاتب الكبير (أندريه جيد ) خاصة و أنه جعلنا بين منطقتين منشطرتين من الرواية ، المنطقة الأولى المفترضة ، تتمثل بأبعاد آليات الكتابة الروائية إجمالا ، أما المنطقة المفترضة الثانية ، فقد جاءتنا كعلاقة منتجة أخرى في مساحة متواليات سيرة النص الروائي ، عن طريق المذكرات و اليوميات التي تكتبها إيفلين ، و حاصل هذه النوعية من الاداء المنشطر ، ما راحت تدخلنا في مرحلة ( سيرة النص ) و حدود ارغامات مؤلف ( إنتاج النص ) إذ ترتبط مراحل زمنية الرواية ـــ مدرسة الزوجات ـــ بالمعرفة الأولية من بنية ( الأنا الساردة الأوحدة ) و تشكل هذه المرحلة النواتية ، مجموعة تساؤلات مستنتجة ، من موجهات إنتاج النص أو سيرة النص معا ، تباعا إلى مستوى البنية الأولية للدلالة ــ أي موضوع مباشر أولي ـــ يتطلب من أجل سيرورته الإنتاجية و السيرية مجموعة وحدات مطورة من إمكانية استجابة العلاقة المشكلة لإظهارية مقولات النص الخارجية و الداخلية تباعا ، و هذه الكيفيات الخاصة في معنى الرواية تضعنا في مواجهة إشكالية كبرى في قبول أو رفض والداها أي الشخصية إيفلين ، لروبير كزوجا لها ، و ذلك تبعا إلى حالات نفسية تتعلق بوجود بعض من البوادر السيئة ، في سلوكيات روبير على حد وجهة نظر والد إيفلين ، أما إيفلين نفسها فكانت كما يتضح في مسرود و سيرة يومياتها ، أنها مأخوذة بعشق روبير ، لدرجة أصبحت تعرض لنا الرواية أمكانية تقلبات هذه العلاقة الساخطة من قبل والدها إزاء روبير ، دون وجود المزيد من طرح الأسباب الموجبة من قبل الروائي جيد ، حول سببية كل هذا الغلو في معاملة روبير من قبل والد إيفلين ، غير أننا و مع تصاعد مؤشرات التبئير في زمن المؤشر السردي ، نلاحظ تحقق فعل الزواج من كلا الطرفين إيفلين و روبير و إنجابهم للولد جوستاف و البنت جينوفييف : ( روبير مدهش .. حقا له علاقات كبيرة مع المشاهير كما له معارف في جميع الأوساط .. و هذا ما يتيح له مساعدة اللذين يقصدونه .. و لما كان معروفا عنه أنه خدوم جدا لم يتحرج في قصده من له حاجة . / ص 33 ) .

ـــ مسافة الدلالة الحاصلة و ضمنية علاقة وحدات المسرود .
لعل ما تفرد به أندريه جيد في تفاصيل الأبعاد المحكية الكامنة في بؤرة الإيحاءات النفسية و الحسية ، هو ما كنا نواجهه في خطوط الامتداد الزمني من أحداث و مسافات للدلالة المتحققة في أوليات المسرود المتواتر على لسان الناظم الشخوصي الأوحد من الرواية ، و لعل ما كان واضحا في شخصية روبير ، هو ذلك الاقتدار المكين في جميع رهانات و تمحيصات مصادفات الحياة ، مما كان لهذا الأمر كل الاستجابة ، على دواخل و أوضاع سلوكيات الزوجة الخفية في تفاصيل مسرودها المتواصل في صفحات مدونات سيرة النص . ولكننا و بين فقرة وأخرى من مبنى و متن الرواية ، أخذت تحفزنا ترجيحات الشخصية إيفلين دوما ، نحو ذلك الإعجاب الطافح منها افتعالا نحو مزاعم كمالات هذا الرجل الواثق روبير ، ولكن هناك ثغرة كبيرة كامنة ، طالما كان يشعر بها والد إيفلين حيال كمالات روبير الظاهرية هذه على حد تعبير الرواية : ( في هذا الصباح سألت والدي عما يأخذه على روبير .. فنظر إلي طويلا و زم شفتيه برهة ثم قال : ـــ يا بنيتي ، أنا لا أأخذ عليه شيئا .. الأمر بسيط .. إنه لا يعجبني … إن أنبأتك السبب احتججت لأنك تحبينه .. و إذا أحببنا أحدا رأيناه غير ما هو .. فصحت به : بل أنا أحب روبير لأنه كما هو ؟ و لكنه قال : إن روبير يوهم الأب بريدل .. كما يوهم والدتك و يوهمك .. و أخشى أن يكون لنفسه أيضا موهوما و هذا أخطر ما في الأمر . / ص29 الرواية ) .

1ــ زاوية الدلالة المؤجلة و منظور تماثل التبئير :
عند خطية مساحة المقاطع الأولى من منتصف الأفعال المسرودة في الحكي ، يعيد والد إيفلين عزم رفضه المتكرر لشخص روبير ، رغم ظاهرية قبول هذا الرجل الأخير من قبل الإرادة المجتمعية عامة ، و إضافة إلى ذلك غالبا ما نلاحظ تضخيمية أفعال و سلوكيات روبير نفسه ظاهرا ، دون أن يحدث مثل هكذا مواقف أدنى التفاتة أو ملاحظة من قبل عناية إيفلين أو والدتها الأخرى أو ذلك الأب الحكيم ورجل الكنيسة الأب بريدل : ( أخذت نفسي على هذا ــ الكذب بالاغفال ـــ و ذلك أثناء اعترافي للأب بريدل فيما بعد .. طيب خاطري .. و الحق أني أخبرته بخطبتي في الوقت نفسه .. و الأب بريدل يعرف أن والدي لا يوافق على هذه الخطبة كما يعرف أن ما منعه من الموافقة هي أراء روبير السياسية .. مع أن هذه الأراء نفسها هي التي تحمل أمي و الأب بريدل على الموافقة عليها . / ص24 الرواية ) من جهة ما يمكنا عد هذه المواقف هي المناصرة لروبير من جهته ، رغم واقع رفضه الشديد من قبل والد إيفلين ، و هذه المواقف تأتي بمثابة الاستطراد على خلفية مؤشرات واقع المسرود الروائي ، أي أظهار التناقض في مرجحات قمة الصواب ، و الرواية تكرر نفسها في كل مشاهد الأزمنة المؤشرة بوحدات و أعداد الترقيم التقويمية ، مما يدل على أن الفاعل الذاتي في المسرود ، ما زال يدون يومياته في سيرة حكاية النص و انتاج النص ، فضلا عن زمن تسجيلات الخطاب الروائي في حقيقة النص المحايث ، إلى جهات تجسيد انسجامات الشخصية إيفلين إلى جانب زوجها روبير ، و على هذا المستوى تبقى قابلية زاوية الدلالة المؤجلة خير الدليل على احتواء العلاقة الوظيفية القادمة من الوازع الفصلي ، الذي جاء موسوما تحت متغيرات الزمن و المسرود و التبئير و بهذا ننتقل إلى أحداث القسم الثاني من الرواية ( بعد عشرين سنة ) لنواجه تحديدات عملية تدوين سيرة النص و إنتاج النص : ( اصطحبت معي هذه الكراسة كما تصطحب النساء ، إذا ما ذهبت للأستشفاء .. شغلا من أشغال الإبرة يملأن به أوقات الفراغ .. على أنني أن كنت أعود اليوم للكتابة .. فما ذلك وأسفاه من أجل روبير .. إذ أنه يعتقد أنه أصبح يعرف كل ما يمكنني أن أشعر به و أفكر فيه . / ص57 الرواية ) شاءت التحولات الروائية ، أن تنعطف رويدا رويدا ، نحو استبدال الزمن الصاعد ، رجوعا إلى إقامة إداء المستعاد الداخلي توظيفا حاضرا . فالشخصية إيفلين و بعد إبرامها ذلك الوعد العاطفي مع روبير في كتابة كل منهما عن يومياته بطريقته الخاصة ، طلب منها يوم ذاك روبير عن اطلاعها له عن صورة يومياتها ، بعد أن كان قد وعدها على تقديم يومياته لها لقراءتها ، و حين إكمال روبير قراءة يومياتها و لكنه و أسفاه ما أكتشفته إيفلين أنه بالمقابل روبير لم يكتب حرفا واحدا من يومياته أصلا ، كما وعدها أيام الخطوبة ، و منذ ذلك الوقت أصبحت إيفلين تزدري و تستاء من طباع و أحوال و سلوك روبير ، بعد أن كان ملاكها الأوحد في السابق و الأطهر وجودا في كل بقاع العالم ، غدا اليوم في نظرها ماكرا وكاذبا ، فيما أخذت تتحين لذاتها فرصة الانسلاخ عنه بأية صورة و وسيلة ما : ( أنني وحيدة إلى درجة موحشة .. ولا أستطيع التعبير عما أفكر فيه إلا لهذه الكراسة .. و أعتاد حبها كأنها لي صديق كتوم طيع .. يمكن أخيرا الإفضاء إليه بسري الدفين و ما يجول في خاطري من أفكار مؤلمة .. و يعتقد روبير أنه يعرف طوية نفسي حق المعرفة .. ولا يشك في أنه من الممكن أن تكون لي حياة خاصة خارجة عن حياته .. بل قد غدا لا يعتبرني إلا كتابع له .. و أنني قطعة من متاعه .. و أنني زوجته . / ص62 ص 63 الرواية ) يبدو الروائي الكبير أندريه جيد ، قد أحسن توظيف منهجه التحليلي في صورة أخذت تتشارك و إياها كل طاقة المعادل التوصيفي في مركب حالات شخوصه السيكولوجية المزاحة عن دليل منظورها الأصل . فالراوي و المروي عنه ، غدا ناظما سرديا أوحدا في حضوره كصوت نقيض لماهية أصوات شخوص الرواية في مواقعها الخارجية من الحكي ، أي بمعنى ما أصبحت الرواية في الوقت الراهن ، و كأنها حالات نفسية راحت تتقن لذاتها أشكال العزلة و التحول و النقص و التكامل ، حتى لتبدو لنا معادلا توصيفيا نادرا ، يعبر عن منزلقات مرحلته القسرية وما أصبح يواجهها من حجب الزيف و الخداع المستور في جهة الأخر .

ـــ مرجعية التوصيف المعادل و توليفة بناء الرؤية السردية .
عندما نفكر في حكاية رواية ( مدرسة الزوجات ) يترتب علينا التدقيق في مواقف و حدود الاستجابة اللاشعورية ، التي طرأت تحديدا في تمفصل وظيفة التحول في علاقة إيفلين و روبير ، و مدى إمكانية ذلك التشكل الزمني و الأحوالي و التبئيري في رقعة ذلك التحول الغريب جدلا ؟ في الموضع الأخير من مساحة منتصف النهاية في الرواية ، تتكشف لإيفلين بأن أبنتها كانت هي الأخرى من تشاطرها ذلك الأحساس الموافق لصورة مكر و خداع و تظاهر والدها ، ثم تصارح والدتها عن مدى موهومية الناس بمظاهر والدها الخارجية الكاذبة : ( جنوفييف لا تحب والدها .. كيف لبثت طول هذه السنين دون أن أدرك هذا ؟ . / ص83) الشكل الروائي في فضاء حالات و مواقف رواية أندريه جيد ، صارت بحثا في الخلفيات و الدواخل اللاشعورية من مواطن أفئدة شخوصه . فالشخصية إيفلين قد تكون حينا سيدة غير سوية مع نفسها تماما ، و ذلك عندما نقيم معادلة استقرائية بالقياس إلى شخصية روبير المتنفذة ، و قد تكون حينا محض إمراة راحت صريعة هواجسها و أوهامها و يومياتها التي بلغت بها حدا من الغلو من حقيقة المعايشة الفائضة عن حقيقة واقعها الحياتي الجاد ، ما جعلها ترى مواقف و سلوكيات روبير خروجا فاضحا عن أطر يوتوبيا مفكرتها اليومية ، و ربما الحال مع روبير كان سويا و لا يتطلب منه كل هذا التمحيص والمآخذ في صورة أوضاعه الحياتية الجادة بلا يوميات . إذا من هو الأصح من الآخر ؟

ـــ تعليق القراءة :
في الواقع نحن نعلم ما كان يود أندريه جيد الوصول إليه ؟ من وراء أساليب و رؤى و طباع و تساؤلات شخصيته الناظم السردي الأوحد إيفلين . أقول أولا أن القيمة الأبداعية في رواية ( مدرسة الزوجات ) تتركز في عملية إيراد تكثيف اللاشعور في الواقع الخاص بيوميات حياة شخصيته إيفلين المفرطة بمثاليتها ، و هذا الأمر ما جعلها ترى الواقع الذي يعيشه روبير و كأنه صفحة من صفحات الزور و الزيف و خداع النفس ، هذا بالضبط ما أراد الروائي جيد أن يقدمه لنا في روايته كملحوظة في خواص عوالم شخصيته إيفلين المتناقضة حتى مع مصالحات ذاتها ، و حتى يتم أصلاحها في صورة من الصور أخذت تدمن على فعل كتابة يومياتها مجددا ، لربما لحد حالة اللاإنسجام مع محيطها الواقعي الجاد ، فهي بدءا تشكل ذلك التدوين لسيرة النص و إنتاج النص ، و هذا الأمر بدوره ما يدر بالفائدة على حلول أسئلة الشخصية الروائية ذاتها ، أما ما يرجح بأن إيفلين هي من كانت تنشد لذاتها وساوس المثال و عوائق فوبيا الأوضاع الظاهرية ، فهذه المواقف بحد ذاتها محض أوهام قد اصطنعتها هي لذاته في واقعها البديل المصطنع من كتابة اليوميات ، حيث جعلت منها عوالم حياتية خاصة بها تؤهلها بمواقفها و تسنن أفكارها بمقوماتها المثالية المفرطة ، و لكن هذا الأمر لا يتطلب من إيفلين من ذاتها كل هذه الانفعالات و الوساوس ، و في الأخير تترك لنا الرواية هذه الفقرات الختامية من النص : ( وقلت لها و أنا أقبلها في حنو زائد و كأننا على وداع / جنوفييف حبيبة نفسي أنها على شاكلتي لا تستطيع أن تقنع بمظاهر الأشياء . / ص110 ) الخلاصة الكبيرة في دلالات الرواية ، تتجسد في الخلوص من عدم الانخداع بالمظاهر الخارجية في مسرح الأشياء ، فيما راحت تتقدم أبنتها بتلك الكراسات التي كتبتها والدتها إلى دار الطباعة و النشر ، لتكون دراسة إيجابية إلى صفوف مدرسة الزوجات و التي هي خلاصة تجربة يوميات الزوجة التي ماتت أخيرا في مستشفى يقع في مؤخرة الجبهة حيث خنادق الحرب الفرنسية المشتعلة ، لتقوم بالخدمة فيها لمعالجة الجنود المصابين بالأمراض المعدية ، و أمراض تلك الزوجة التي راحت تصرعها وساوس المثالية المفرطة و عوائق فوبيا الأوضاع السلوكية الكامنة في مظاهر متعاليات ذات زوجها المرائية . هكذا قرأنا تجليات خطاب الناظم السردي الأوحد في دلالات رواية العملاق المبدع ( أندريه جيد ) حيث الزمن الروائي يضم الحاضر و الماضي عبر تأطير كافة موجهات النص في صيغة الناظم الذاتي الأوحد في الإداء اللاشعوري في الرواية .