23 ديسمبر، 2024 12:57 ص

قراءة تحليلية معمقة في دلالات خطاب أردوغان..وتعقيدات قضية مقتل خاشقي..!!

قراءة تحليلية معمقة في دلالات خطاب أردوغان..وتعقيدات قضية مقتل خاشقي..!!

من يتمعن في خطاب الرئيس التركي رجب طيب أروغان ، الذي ألقاه في تجمع لحزبه ، حزب العدالة ، ظهر الثلاثاء الثالث والعشرين من تشرين الاول 2018 ، يجد أن هذا الخطاب المهم ، يحمل أكثر من دلالة ، بل واكثر من رسالة ، وهو في المقام الأول ، يعكس حكمة أردوغان وقدرته على إدارة أخطر أزمة دبلوماسية حدثت بين تركيا والسعودية ، وتابعها العالم كله باهتمام بالغ ، بسبب تعقيدات قضية مقتل خاشقي، وما ستترتب عليها من نتائج خطيرة ..يمكن أن ندرج مضامين ذلك الخطاب ودلالاته الهامة على الوجه التالي:

1. أن أردوغان كان قد وعد الشعب التركي والعالم بأنه سيضعهم في حقيقة ما جرى، عن قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، والذي كان مقيما في الولايات المتحدة ، وقدم الى إسطنبول ، لتمشية معاملة زواجه من خطيبته (خديجة)، التي بقيت خارج القنصلية ولم تدخل معه،وهو ما أسهم في تفنيد الروايات السعودية ، التي لم تعلم بوجودها خارج القنصلية كما يبدو ، وهي من أسمهت بالقاء الكثير من الحقائق عن دخوله الى مبنى القنصلية وعدم خروجه منها، في حين ان السعوديين كانوا قد انكروا دخوله في البداية ، ثم عادوا واعترفوا بدخوله ، لكنهم لم يوضحوا كيف خرج ..وهم قد ألبسوا آخر شبيها بخاشقجي ملابسه بعد مقتله ، وهو لم يشبهه كليا ، وأخرجوه أمام الكاميرات الخارجية لكي يقال انه خرج ، لكن حذاء الرجل (الشبيه) كما يبدو لم يكن يشبه حذاء خاشقجي بعد دخوله للمبنى ما شكل (ادانة) مهمة للسعودية!!

2. وقد أوضح أردوغان أن قضية مقتل خاشقجي كان (مخططا) لها ، ولم تكن قد حدثت عن طريق الصدفة ، أي انها (مدبرة) من جهات سعودية ، كما أظهر أردوغان للرأي العام داخل تركيا وخارجها ، الكثير من الحقائق عما تعرفه تركيا عن تلك الواقعة ألأليمة التي هزت ضمير العالم، وموقفها منها ، كونها حدثت في قنصلية سعودية في اسطنبول وهم مبنى دبلوماسي ،تابع للسفارة السعودية ، لايمكن السكوت عن وقائعها ، وهي تمس سمعة تركيا أولا والمجتمع الدولي، وتشكل انتهاكا صارخا للاعراف الدبلوماسية واتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية كما أن الرأي العام الداخلي والخارجي ، يريد أن يعرف حقيقة ماحدث عن وقائع مهمة عن الحادثة الغامضة، وقد أوفى الرجل بوعده وبحكمته وحنكته المعهودة ، وقال ما أراد ايصاله من رسائل!!

3. إن أرودغان اراد أن يثبت للعالم أن المخابرات التركية واجهزة أمنهم لديها من الوقائع الكاملة عن احداث الجريمة ما يكفي لادانة الطرف الاخر ، وهو يشير بين مضامين خطابه عن دلائل ووقائع تمتلكها تركيا ، ولكن الاخيرة لاتريد كشف كل الحقائق، فإذا ما وجدت السعودية ان تركيا قد اخترقت تقنيا مبنى دبلوماسيا تابعا للسفارة وهو القنصلية ، فأن هذا سيسبب أزمة أخرى لتركيا في انها تتجسس على السعودية من داخل ابنيتها الدبلوماسية ، وهو موقف يعرضها هي الاخرى لإحراجات كثيرة، لكن تركيا أبقت الباب مفتوحا لكل (الاحتمالات)،دون ان تجعل نفسها في موضع (الإتهام)..وتركيا تدرك أنها تمتلك من التقنيات وكاميرات المراقبة داخل القنصلية السعودية من دون علمها ، بطرقها الإستخبارية الخاصة بها ، غير أن السعودية ليس لديها دلائل حتى الان على وقائع من هذا النوع ، لكنها تدرك في قرارة نفسها بعد التطور الدراماتيكي المتسارع للقضية ان تركيا لديها (أفلاما حقيقية) عما جرى ،وربما (أجهزة تسجيل ومراقبة) داخل قنصليتها ، ولكنها لاتريد اثارة هذا الموضوع الان ، في وقت تتجه كل الانظار لايجاد (مخرج سعودي) للأزمة الكبيرة التي شكلت صدمة كبيرة للسعودية لانها فضحت نفسها امام العالم بطريقة أثبتت غباء وجهلا لانظير له، وانعكس عليها بغضب وادانات دولية ، قد ترتب عليها الكثير من العقوبات والمواقف السلبية التي تضر بعلاقاتها مع المجتمع الدولي!!

4. إن أرودغان نسف بخطابه كل الروايات والتبريرات السعودية لتلك القضية ، وأشار بالتلميح والتصريح ان الأجهزة الامنية التركية واجهزة مخابراتها على وجه الخصوص ، تعرف حقيقة ما جرى ، داعيا السعودية الى ان تتعاون مع تركيا وتسلمها رجال الامن الـ (18) الذين دخلوا تركيا بعد الحادثة مباشرة للتحقيق معهم ، للكشف عن معالم الجريمة ، بالرغم من أن اردوغان حاول ان لا يقطع شعرة معاوية في العلاقة مع السعودية، وخاطب الملك سلمان بلغة عالية من الاحترام والتبجيل ، مشيرا الى انه يعرف أن الملك سلمان ليس له علم بما حدث ، ولكن طلب منه بصيغة (التمني) على السعودية ان تبدي تعاونا مع تركيا لايجاد مخرج لتعقيدات تلك الحادثة التي يتابعها المجتمع الدولي بأسره بإهتمام بالغ!!

5. ان ذكاء أردوغان ودهاءه السياسي تمثل في مدح العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والاشادة به ، لكنه لم يتطرق الى إبنه ولي العهد (الأمير محمد بن سلمان)، لأن أردوغان أراد أن يعزل بين الملك وابنه محمد في المواقف وهو لم يخرجه من دائرة (الإتهام) ان لم وضعه في المقدمة ، عندما لم يشر اليه في خطابه واثناء اشادته بالملك سلمان ، حتى يترك الباب مفتوحا لمن يريد أن يوجه الاتهام ، وحاول جهده ان يبعد الملك سلمان عن القضية، لكي يبقي علاقة ودية مع السعودية كونها زعيمة العالم الاسلامي ولها مكانتها الخاصة ،والتي ليس بمقدور اردوغان الرئيس المحنك أن يتجاوزها، داعيا الى محاسبة من تورطوا في تلك العملية بالتعاون مع الجهات التركية ، ومحاسبة القيادات الأمنية والمتورطين فيها من مسؤوليها داخل السعودية ، حتى يمكن انهاء الموضوع بترتيب معقول ومنطقي مع تركيا، كونها لاتقبل أن تكون أرضها مسرحا لعمليات ارهابية في المستقبل!!

6. أكد الرئيس ارودغان على أهمية إظهار جثة خاشقجي ، وعدم اخفاء معالمها، طالبا من السعودية أن تكشف عن إسم العميل التركي او المتعاون معها، الذي اخفى الجثة ، بحسب الروايات السعودية ، والمهم لديه لابد للسعودية ان تكشف عن الجثة واين وضعت، حتى يكون بمقدور تركيا أن تكتمل لها الرواية الحقيقة عن تلك الجريمة ، لكي لا تتكرر مرة أخرى على أراضيها وتكون درسا للاخرين عندما ينتهكون سيادات الدول وأمنها واستقرارها!!

7. حاول أرودغان ارسال رسائل الى المجتمع الدولي وبخاصة الدول الاوربية والولايات المتحدة أن تركيا لم ولن تتخلى عن التزامها بالقانون الدولي في متابعة حيثيات الجريمة والكشف عن الجناة ، وهي ربما تعد موقفا متميزا لابد وان تقابله الدول الاوربية بالايجاب ، وبخاصة رغبة تركيا بالانضمام للاتحاد الأوربي ، برغم المماطلات الاوربية الكثيرة، وربما يشكل علامة ارتياح في مسار تطور علاقات تركيا مع اوربا والغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص ، التي عانت من حالات تدهور في وقت قريب اثر تداعيات قضية الانقلاب التي شهدتها تركيا قبل فترة، ولا بد للاوربيين ان ينظروا الى مواقف شجاعة وداعمة لحقوق الانسان من تركيا بعين الاحترام والتقدير ، بعد ان أثبت أردوغان أنه رجل دولة وهو يفي بكلمته، وربما أحرج حتى الامريكان الذين حاولوا (لملمة) القضية او التعتيم عليها ، والتناغم والانسجام مع الروايات السعودية ، وعلى مستوى كبار مسؤوليها وبخصة الرئيس الامريكي ترامب ووزير خارجيته بومبيدو الذي زار السعودية وتركيا للاطلاع على حيثيات الواقعة وتأثيراتها الخطيرة على مستقبل علاقات البلدين، بالرغم من أن الروايات السعودية وصفت بالفجة والمسرحية غير المحبوكة والتي أدارتها السلطات السعودية بطريقة لم يعد يصدقها حتى الاطفال، وليس دول ومنظومات دولية عريقة وتدعو للحفاظ على حقوق الانسان اينما وجدت، حتى وان كان دفاع الغرب عن تلك القضايا يتوزع حسب مصالحه!!

8. وها هو اردوغان يثبت مرة أخرى دهائه السياسي وحكمته في التعامل مع أخطر الازمات الدولية اثارة للاهتمام ، وجعل نفسه محور اهتمام العالم، واثبت مقدرة تركيا على ان تبقى قوية وبمقدرها ان تحافظ على سمعتها بين المجتمع الدولي، ولا بد من ان تحصد تركيا نتائج ايجابية مثمرة من تلك القضية البالغة التعقيد، وتعود عليها بفوائد جمة، سواء مع السعودية او مع المجتمع الدولي، وتكون قد أدارت تلك الأزمة بإتقان وحكمة وقدرة على أن تكون تركيا حاضرة في أكثر الأزمات تعقيدا وخطورة!!