14 ديسمبر، 2024 2:01 م

قراءة التاريخ / الجزء الثاني: حلول للدراسة التقليدية مشكلة وليست حلاً

قراءة التاريخ / الجزء الثاني: حلول للدراسة التقليدية مشكلة وليست حلاً

النظر إلى صلب الحياة المدنية وكأنها من صلب الدين كثوابت أو تقديس الأشخاص المجتهدين في عصورهم أو إيٍّ من الصحابة وآل البيت دون فصل حياتهم المدنية عن مكانتهم في الدين أو معرفتهم واجتهادهم في العباداتمعضلة أمام تفسير حقيقي للتاريخ والاعتبار منه أو التقدم إلى أمام، لان أي راي تجد من يعيدك إلى مقدس ليس مقدسا كرأي فقيه أو مجتهد وظرف عصر مختلف.

فالمشكلة الكبرى وهي الفتنة، بدأت باغتيال لخليفة وهدأت بإدارة خليفة رفض الاستمرار (الحسن t) وحل المشكلة سياسيا، بشرط عودتها للامة وهي من قواعد الشورى الفكرية في الحضارة الإسلامية أي حكم الشعب لنفسه من خلال حقه في تنصيب أدوات الحكم وإبدالها أو خلعها وهي مسألة قيمية إرشاديه للحياة المدنية واهم ما فيها هو الاستقرار بإنشاء حكم آمين رشيد.

السؤال هل كان يمكن تفادي الفتنة: الجواب افتراضيا نعم، لأنها واقع الحال مشكلة سياسية تطورت إلى الاتجاه السلبي وأخطاء بشرية من الطرفين، رغم أن موقف معاوية كان به خلل شرعي في بعض المفاصل كمواجهة جيش فيه الخليفة ونهضة العصبية القبلية، ثم بعد صلحه والحسن t لم يلتزم بشرط الصلح وهو إعادة الولاية إلى الأمة وإنما جعلها ملك وأسس لولاية التغلب التي مازالت فاعلة الأمر الذي تسبب في حيثيات خروج الحسين t وهذه كارثة ثبتت ما فعله معاوية من تأسيس للتغلب والوراثة لخوف الفقهاء من عظم آثار الفتنة، ومازال المتغلب لحد الآن مدنيا أو مغامرا أو عسكريا يحكم الأمة وقد اصبح كالسيد الذي يسوس العبيد بلا إرادة ويكرر ما قاله فرعون في وصف المصلحين بما وصف فرعون موسى e لا أريكم إلا ما أرى، وأخاف أن يفسد عليكم دينكم، وهو في الحقيقة يخاف أن تزول ركائز حكمه وظلمه.

كيف تحل مثل هذه المعضلة:

في التاريخ مهما كتبنا من حلول فهي محض راي لا ينتج عنه أمرا إلا تبريرات المخالفين له وجدل بيزنطي لا غرض لنا فيه.

لذا فنحن ننتقل بالحالة إلى واقع اليوم مستفيدين من التطور المدني في مسائل القيادة والسيطرة والإدارة والحكم ونظم التعامل بين الجمهور والحاكم ليس نقلا عن نظام ليبرالي رأسمالي فهذا النظام اقتبس من الفلاسفة اليونانيين وتجربة أثينا ليحمي أصحاب المصالح أو النظام الرأسمالي ككل؛ بل نلجأ إلى ما يوافق العقيدة من فكر مستخدمين الآليات المتاحة لحين يلد الواقع والتجربة آلية مناسبة لمجتمع التكافل وسيادة الشريعة التي ليست الشريعة المنقولة من اجتهاد البشر وإنما ما ينتج بشكل نظام أو قوانين من خلال استقراء الواقع ثم الاستنباط من القرآن والسنة والسيرة النبوية التي هي تاريخ يحمل خصوصية سير الشريعة على الأرض وفق نظام معرف فيه الثابت والمتغير وما هو راي بشري وما هو قول نبوي وما هو نص منزّل، وكيف يتعامل الحاكم، وكيف يتعامل القاضي وكيف ف يكون تقييم الراي الشرعي والراي المدني ضمن فكرة الإسلام ككل بحماية الأهلية للمواطن وخياراته لأنه من سيحاسب على قراراته الخاصة أما ما يتعلق بأعماله وأقواله وفعل له تأثير على ارض الواقع على الناس ومعتقداتهم والدولة والحكم فهنالك القوانين التي تحاسبه وتقدر كيف يكون عقابه أو إصلاحه إن كان ممكنَ الإصلاح أو يعد خطرا على المجتمع وعندها فكل القوانين ستكون معرّفة مستنبطة على استقراء الواقع.

الحل الأمثل:

الحكم كان فرديا عندما كانت الحياة بسيطة والدولة لا تدخل التفاصيل في حياة الأفراد، لكن اليوم تشعبت الوسائل والحاجات والمخاطر والتحديات، وأضحت بيئة الدولة تتقبل الكثير منفتحة تحتاج إلى تجاوز هذه المواقف التي حصلت في صفين والطف، بل وضعها في نظام لا يقبل التمرد بل يضع خيارات الأمة هي الحكم وبشكل واضح، ففقدان الفهم والوضوح نتيجة توسع الدولة بلا وسائل الإفهام والتعليم والاجتهادات المنفردة بعيدا عن المركزية لضعف التواصل وفقدان المؤسسات أوجد تلك الحالات.

بالعمل المؤسساتي تنتهي تلك المشكلة عندما يكون كل امر مؤسساتي من الحكم وإدارته كمؤسسة، وفيها تفاصيل تقود حركة الحكومات، إلى مجالس توظف الخبرة، فلا يوجد حاكم مدى الحياة حتى النظام الملكي، بل هنالك تغيير وفق إرادة الشعب، لكن منظومة الحكم لا تتبدل وإنما تحدّث وتبقى المشاريع متابعة وعن طريق مجلس التخطيط الاستشاري يتابع كل امر دون أن يتدخل في إدارة الدولة وإنما يستمر العمل والمخطط بحيث يكمل كل جديد من سبقه ويضع مشروعاته لينفدها ويكملها أو يكملها من يليه (هنالك مقالات للكاتب حول هذه الحلول مفصلة؛ ومنشورة سابقا) وكل فقرة بها شرح مهام وتفاصيل.

الم بلا عواقب:

إن الإحساس بألم الظلم أولى الخطوات التي تحرك نحو الحرية، لكن لهذا شروط واهمها الفهم ووضوح الرؤية، وكسر قيود التقليد والتحجر، وإبعاد التأليه والتقديس لكل ما هو قديم وبناء مدنية تعبر عن المجتمع ذاته من مخرجاتها وتشارك العالم في بنائها.

هذا الكلام هو مقدمة لما سنتحدث عنه في الجزء الثالث من قراءة التاريخ