23 ديسمبر، 2024 9:58 ص

قراءة أمنية في خلفيات تفجيري القافلة الأممية ومبنى محافظة أربيل

قراءة أمنية في خلفيات تفجيري القافلة الأممية ومبنى محافظة أربيل

من العلامات الفارقة التي ميزت حادث التفجير الذي طال مبنى محافظة أربيل في يوم الأربعاء 19 /11/2014، أن الحادث الأخير عند مقارنته بما سبقه من حوادث إرهابية مماثلة ومتباعدة في الاقليم، نلمس وبوضوح اقتصار ردود الأفعال على الشجب والاستنكار دون أن يأخذ المساحة الاعلامية التي استحوذت عليها الحوادث السابقة من تعدد الآراء في الدراسة والتحليل الذي يتناول أبعاد الحادث والإحتمالات المتعلقة بالجهات ذات العلاقة بهذا الإعتداء الارهابي الجبان، وقد شمل ذلك، الكُتّاب الكرد أيضاً.!. ولربما يُعزى الأمر الى أسباب متعددة، ألاّ أن أهمّ ما يمكن أن يتبادر الى ذهن الآخر هو أن الفاعل (تنظيم داعش)  قد أعلن عن نفسه في بيان تلقته وسائل الاعلام يؤكد من خلاله تبّني العملية الارهابية ويشير من خلاله الى هوية الطرف المنفذ لها بالإسم المكنىّ.. ولكن هل يصل بنا مثل هذا التبني للفعل الى حقيقة الموقف؟.. أم أن هناك أمور عديدة سبقت أو أحاطت بالحادث ومعلومات متناقضة رشحت عن وسائل الاعلام وتداعيات شعبية في الاقليم تستدعي منا التوقف وربط المعطيات بعضها بالبعض الآخر وإثارة التساؤلات أيضا بوجه العديد من الأطراف التي نراها معنية بالحدث؟.

بدا التنظيم الارهابي (داعش) متناقضاً مع نفسه وضعيفا جداً في تسويقه الاعلامي لجرائمه، وعلى وجه الخصوص (جريمتي استهداف موكب الأمم المتحدة وجريمة تفجير مبنى محافظة أربيل أيضاً. حيث كانت المبررات التي اعتمدها في سياق التبني للتفجير الانتحاري الذي استهدف قافلة الأمم المتحدة هزيلة ومفضوحة الهدف.. لقد كان الموكب في المحيط المباشر لمطار بغداد الذي يشهد اجراءات أمنية في الطريق الى المنطقة الخضراء تم استهداف الفريق الأممي!.. ومع الهوية الواضحة الممكن تمييزها عن بُعد من قبل الجميع، والعلامات الدالة على هوية الفريق الأممي التي لا تترك مجالا للإلتباس، كان التبرير الداعشي منصبّا على استهداف عناصر “حماية أمريكيين” يرافقون موكب “الأمم المتحدة على حرب المسلم” حسب ماورد في البيان. ألاّ أن تأكيد المكتب الاعلامي لبعثة الأمم المتحدة على أن الموكب ” كان تابعا حصريا للأمم المتحدة، ولا يوجد فيه أي شخص من غير العاملين فيها”، كان قد فنّد المزاعم التي تضمنها بيان داعش في 17/ 11/ 2014 الذي لم ينتهي عند التبرير المكذوب بل تطرّق الى أن منفذ العملية المدعو (أبو معاوية/”عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ”) كان قد رأى الموكب وتفاصيل السيارة ولونها وإنتحر في المنام قبل التنفيذ على أرض الواقع.. وبغض النظر عما يرمون له في البيان من تعمية وتضليل وتجهيل واستقطاب للحمقى.. فإنه لا يمكن النظر الى هذا الاستهداف، وبأي شكل من الأشكال سوى أنه رسالة دموية حملها داعش بالنيابة عن أمراء الحرب من قادة فصائل ما يسمى بـ “الثورة السورية”، ورعاة الارهاب في المنطقة، نتيجة ما تقدّم به المبعوث الدولي ستيفن دي ميستورا من مبادرة أممية تهدف الى وقف نزيف الدم في سورية وخلق أجواء تتمكن من خلالها المنظمة الأممية من ممارسة دورها الانساني تجاه الشعب السوري الذي تعرضت فيه الأطفال للبيع والتشريد وعُرضت النساء في أسواق النخاسة ووقعت الشباب في حبائل الارهاب وتوسّد الشيوخ الحجر.. بل وخشية المنظمة الأممية من تنامي الارهاب وانتشاره بشكل مفاجئ يصعب السيطرة عليه، خاصة بعد أن أصبحت جزء من الثروات الوطنية للدول تحت سيطرة مجاميع إرهابية تستخدم مواردها لديمومة بقاء الارهاب وتمكينه من التمدد .. ألا أن الطرح الأممي لم يرق لمجاميع طامحة للسلطة، تقاتلت حد كسر العظم وهي خارجها، وتفننت حد الاحتراف في الارتزاق والإتجار بالولاء (مع جُل التقدير لناشدي الحرية الذين أدركوا أو يدركون خطورة انهيار دولة ما، في مكان كالذي فيه سوريا وزمان كالذي نعيش فيه اليوم ليس على المنطقة وحسب، بل على العالم أجمع، والذين يدركون أن أباطرة العواصم الداعمة للإرهاب يرون في استمرار نزيف الدم والثروات وسيلتهم المثلى للهيمنة الاقليمية وميدانهم الأمثل للإبتزاز الدولي حينما تستدعي الضرورة).

على أية حال، مثلما كان (تنظيم داعش) مهلهلاً ومفضوحاً ولم يبدي اتقانا في اخفاء ملامحه وأكاذيبه، أو حرفية في تسويق جريمته في حادثة تفجير الموكب الأممي، كذلك بدا في جريمة تفجير مبنى محافظة أربيل، بل أضلّ وأغبى.. فقد أشارت وسائل الاعلام المختلفة في تناولها للحدث الى معلومات متفرقة، اذا ما رصفت لبعضها البعض يمكن لها أن تفند المعلومات التي تضمنّها بيان داعش (المكتب الاعلامي لولاية كركوك)، الذي تبنى فيه تفجيرات أربيل وأشار الى (جنس وقومية) منفذ الفعل الارهابي، بما يوحي الى انه (رجُل) وأنه (كردي).. في حين تؤكد الأدلة المصوّرة وشهادة من كانوا في مسرح الجريمة بأن السيارة المفخخة التي انفجرت كانت تقودها (إمرأة محجبة).. وتشير الى ذلك (جنس المنفذ) فضائية السومرية العراقية عن وكالة أنباء أمريكية بالقول ” كشفت وكالة انباء اميركية، الخميس، أن الهجوم الانتحاري الذي نفذ امس في محافظة أربيل قامت به امرأة”.. وهو ما نقلته وسائل اعلام عديدة الى جانب السومرية ومصدرها الاعلامي.. وتتابع السومرية الخبر بالقول ” ونقلت الوكالة عن شهود عيان مصابين قولهم إنهم “شاهدوا امرأة تلبس الحجاب كانت تقود السيارة المفخخة من طراز هونداي في المكان وقد اوقفتها في المكان الخطأ في الشارع ثم تحركت قليلا الى الامام لتنفجر بعدها فيما شوهدت مقاطع فيديو للكاميرات في مكان الحادث اظهرت وجود احذية نسائية في موقع الانفجار”.. كما نشرت وسائل اعلام عربية وأجنبية صورا لمحل الحادث أحد هذه الصور كنت قد شاهدتها أيضاً، تُظهر قدم مقطوعة الى جانب السيارة المفخخة، يمكن تمييزها وبوضوح على أنها (قدم إمرأة).. والأسئلة التي يثيرها هذا التناقض كثيرة، منها هل هذه المرأة التي كانت في السيارة المفخخة (إمرأة إرهابية) أم ضحية إحتيال؟.. وهل هي من أهل المحافظة أم من النازحين في مكان ما؟.. والسؤال الأهم الذي لا نريد الخوض فيه : مالذي أراد داعش أن يخفيه في نسجه بيان حماسي يؤكد فيه جنس وقومية منفذ التفجير (رجل كردي)، في الوقت الذي أكدت فيه الأدلة ما هو مغاير تماما لما إدعىّ؟

الى جانب ذلك، وعكس ما كان متوقعا من جهات الاقليم الرسمية في انسجام تصريحاتها ، وسرعة ايضاحها للحقائق الى الرأي العام كي لا يتشكل فهم خاطئ في أذهان الناس عن طبيعة ودوافع الجريمة، على العكس من ذلك كان التلكؤ الرسمي في الافصاح عن التفاصيل واستغراق المسؤولين الكبار في التصعيد، مما أسفر عن افراز مشاعر انفعالية واصوات شاذة دعت الى طرد العراقيين العرب من الاقليم،  الأمر الذي ان تفاقم يقود لتهيئة أجواء مشابهة ومشاعر انفعالية مماثلة تجاه مئات الآلاف من الأكراد الذين يقطنون في مناطق جغرافية عراقية خارج الاقليم ومنها بغداد على سبيل المثال لا الحصر، ناهيك عما يعكسه ذلك من حرج كبير للوجود السياسي للكرد في دائرة صناعة القرار الاتحادي، وما يشكله من احراج شعبي للحكومة العراقية التي أبدت استعدادا استثنائيا في تعاملها مع الاقليم. ليس الحراك الشاذ وحده بل الأغرب من ذلك أن ينبري في ذات الوقت المتأزم أحد مسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك وبعد يوم من الحادث أي يوم الخميس  20/11/ 2014 (وحسب شفق نيوز)، ليصب الزيت على النار في تصريح يقول فيه عضو الحزب (عدنان كركوكي) ” ان عملية تعريب كركوك لا تزال مستمرة، وان نحو نصف مليون عربي وفدوا الى المحافظة تحت مسمى النازحين”.. وهو ما يجعلني أكرر ما كنت أؤكد عليه دائماً من أن الحزب الذي يتصدّر رهطه ويقرر توجهاته فاضل مطني ميراني لن تكون عواقبه محمودة قطعا.

وليت الأمر قد اقتصر على عدنان كركوكي انما، سبقه مسؤول رفيع آخر (التقى مسعود قبل يومين من الحادث في مصيف برمام بشكل غير معلن) بالتصعيد المبطّن في رسالة موجهة الى رئيس الاقليم بالقول في نهايتها ” نود التأكيد ان الارهاب الذي يضرب كركوك ويستهدف مكوناته ((الاصلية)) هو نفسه الذي استهدف اربيل اليوم”.. وقبل هذا وذاك فإن التصعيد في التصريحات الاعلامية والسياسية قد أزاح ستار افتتاحه رئيس الحزب نفسه والذي يشغل منصب رئيس الاقليم أيضاً بتلويحه في هذا الوقت المضطرب بـ (الاستفتاء الشعبي)، لمن كان التلويح لا أدري؟

في الحقيقة أن الأداء الرسمي والاعلامي والأمني أيضاً في الاقليم، كان مرتبكاً هو الآخر، فإضافة الى ما ذكرت من تباطؤ، فلم يشر أي مسؤول الى حدوث خرق أمني سوى تصريح خجول لأحد أفراد التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي كان قد أقر بذلك، أما رئيس الحكومة في الاقليم فقد أصدر بيان (إدانة) وكأنه طرف ثالث وليس المتضرر، دعى من خلاله المواطنين الى الأخذ بزمام مبادرة الأمن وأن يكونوا في”مستوى المسؤولية” ويطمئنهم في ذات الوقت الى ان المؤسسات الأمنية ستبذل كل ما بوسعها لحماية امن واستقرار الاقليم”.

وتشير وكالة كونا (وكالة الأنباء الكويتية) في تناولها الحادث الارهابي الى أن ” الهجوم الانتحاري استهدف اجتماعا بمبنى محافظة اربيل كان يعقد لبحث سبل مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية”.. واذا كان الأمر كذلك كما وصفته وكالة كونا : كيف استطاع داعش في نفس يوم الاجتماع والساعة المنعقد بها أن يكلف “مفرزة أمنية داعشية” (كما جاء في بيان ولاية كركوك) لينطلق من كركوك، ويتخطى جميع نقاط التفتيش بين كركوك وأربيل، ثم يحتال على إمرأة لكي تقود السيارة المفخخة الى موقع الحدث، كيف استطاع فعل كل ذلك في نفس اليوم؟.. الأمر بلا شك لا يبدو ممكنا بل يحتمل أكثر من تفسير وتفسير، أهونها ان الارهابيين يعلمون بموعد الاجتماع قبل أيام من انعقاده، الأمر الذي منحهم فرصة التخطيط والتنفيذ. وان صح مثل هذا الاحتمال فهو (خرق أمني)، ومن جانب آخر أن المقرات الأمنية والعسكرية هي الأماكن الملائمة لهذا النوع من الاجتماعات وخاصة في ظروف كالتي تمر بها المنطقة .. فما الضرورة التي دعت الى التوجيه والاصرار على عقد الاجتماع الأمني ال ي يتناول قضية حساسة في هذه (المؤسسة الحكومية/ مبنى المحافظة) التي يكون المواطن العادي أكثر تماسّا بها ومراجعة لها لإنجاز معاملاته وأغراضه الخدمية؟.. اذن فالمسألة يمكن أن تُعد قصورا ادارياً وليس خرقاً أمنيا وحسب .. ( هذا بالطبع وفقا لأبسط التصورات وأكثرها سذاجة، فالمسألة تحمل بعدا أكبر من ذلك بكثير).!

ولربما دفع مثل هذا التخبط الرسمي بقوات الأمن المسؤولة عن مبنى المحافظة الى البحث عن موقف استثنائي وبالتالي هي الأخرى قد بعثرت تفاصيل المشهد في تصريحها لوسائل الاعلام، وكما ذكرت (شفق نيوز) ذلك في ختام خبر الحادث بالقول ” وذكرت قوات الأمن أنها أحبطت عملية الاقتحام قبل أن يفجر الانتحاري نفسه”. لا أدري أي نوع من أنواع الاقتحامات الانتحارية التي يقوم صاحبها بقيادة السيارة عائدا الى الخلف مرة ومتقدماً الى الأمام أخرى لغرض ايقافها في مكان غير ممنوع، من غير المستبعد أن يكون انتظارا للشخص الذي كان حاملا لجهاز التحكم من بعد !.. في الحقيقة ان التفاصيل المشار لها تفتح الباب على كافة الاحتمالات .. وحقّا لا ندري هل نترحّم على روح هذه المرأة لأنها ضحية، أم نلعنها بوصفها ارهابية .. ذلك مالا يعلمه الى الآن، الا الله والغارقون في وحل الجريمة؟

وبما أن أمر براءة المرأة من عدمه يصعب البت به الآن، فلا يسعنا سوى توجيه اللعن على من ثبت بالأدلة القاطعة تعاونه مع الدواعش، وكل من شرى أو إشترى منهم، اقتداءً منّا بقوله تعالى، “أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون”، لأنهم في تعاونهم هذا، انكاراً للرحمة وكتماناً لحقيقة دين الله الذي لم يبعث خاتم الأنبياء والرُسل (ص) ، إلا رحمة للعالمين، وإزاء وضع كهذا، من الطبيعي أن يحظى (سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني) الذي ورد إسمه في (قائمة المتعاونين مع الارهاب) التي أصدرتها أطراف دولية  ومنها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعدّت هي الأخرى قائمة بهذه الأسماء، نعم من الطبيعي أن ينال فاضل مطني ميراني المشار لإسمه في القائمة السوداء حصة الأسد من هذا اللعن: أي الدعاء بعدم الشمول بالرحمة الالهية لمن لايمتلك في قلبه ذرة من الرحمة لأبناء جنسه من البشر، فقد ثبت للجميع ولأكثر من مرّة، بأن (المطني) داعشي الفعل والميول والاتجاه بفترة سبقت بكثير، الفترة التي شهدت هبوط ظلام داعش.