17 نوفمبر، 2024 7:36 م
Search
Close this search box.

قدواتهم الملهمة وقدواتنا المحبطة !

قدواتهم الملهمة وقدواتنا المحبطة !

كان الصباح جميلا جدا والجو ربيعي بكل مفرداته وقرر ابني منذ الامس ان نخصص هذا اليوم الربيعي لزيارة احد المطارات القريبة من سكننا والذي يحتوي على متحف للطائرات وتوجهنا الى ذلك المطار الواقع جنوب مدينة دالاس في ولاية تكساس الامريكية وبدأت جولتنا فيه، وقبل ان نتجول بين الطائرات القابعة في مسقفات المتحف زرنا قاعة المواد التذكارية من صور ومقتنيات ورسائل مكتوبة بخط الطيارين في الحرب العالمية الاولى والثانية والحرب الكورية وبدلات الطيران المختلفة ويزين جدران القاعة مجموعة كبيرة من المقتنيات التي خلدها فرسانها ومستخدميها والتي الهمتني لكتابة مقالي هذا .

اول من لفت نظري هو زعنفة لطائرة موقعة من قبل طيار ياباني انتحاري من الكاميكاز او zero pilots اسمه سابورا ساكاي وعجبت لذلك كونه يعتبر عدو لأمريكا لكن لهذا الطيار قصة ملهمة فقد بدأ هذا الطيار حياته المهنية في التطوع كجندي في البحرية اليابانية وقدم للقبول في امتحان رماة البحرية ثم بعدها اصبح طيارا في القوة البحرية اليابانية وخلال الحرب كان من ضمن الطيارين الانتحاريين المهاجمين للاهداف الامريكية ولكنه لم ينفذ هذا الواجب لتوقيع اليابان الاستسلام وحينها عاد الى الحياة المدنية بعد ان تم حل القوة الجوية والقت زوجته خنجر الساموراي حيث كانت قد عاهدته بانها ستنتحر في يوم سماع خبر وفاة زوجها بواجب الساموراي الانتحاري كي يدخلان التاريخ معا ، تفرغ هذا الطيار للعمل الروحي البوذي وتكفل بتعليم الأطفال قيم الحرية والسلام حتى وافاه الاجل بعمر ٨٤ سنة لم يتأخر يوما واحدا عن جلسات التعليم والتوعية والعمل الخيري .

التذكار الثاني كان عبارة عن مسدس تنوير وهو المسدس الذي يطلق خراطيش الانارة هذا المسدس يعود الى طيار امريكي ابان الحرب العالمية الاولى ، حوصر من قبل الطائرات المعادية وحينما حاول استخدام مدفعه الرشاش توقف المدفع عن الرمي ولم يبقى له من وسيلة للدفاع عن نفسه ،حينها قرر ان يستخدم مسدس التنوير للاطلاق تجاه طائرات العدو التي كانت مصنوعه غالبا من القماش مما أدى الى خوف طياري العدو واستدارتهم بعيدا عنه وعاد الى ارض الوطن سالما.. وهكذا هو القرار السليم غالبا ما يأتي في المواقف الحرجه .

التذكار الثالث كان عبارة عن طائرة تعود الى الحرب العالمية الثانية ومكتوب عليها السيدة زكي Miss Ziggyوهذه الطائرة كانت تحلق بها السيدة زكي هنتر تلك الفتاة التي سطرت تاريخا مشرقا في عالم الطيران حيث بدأت مشوارها مع الطيران في العام ١٩٣٦ واستمرت بالطيران حيث تفرغت للتدريب بعد العام ١٩٤٥ وتخرج من تحت يديها المئات من الطيارين من كلا الجنسين ولينتهي في العام ١٩٩٠ حينما كانت اخر طلعة جوية لها في ابريل الشهر الذي مرضت به مرض وفاتها .

هذه الحكايات الثلاث اخترتها لكم من بين العشرات من قصص الابداع والتضحية والنجاح والقيادة والاتصال واتخاذ القرار الموثقة على جدران القاعة بتذكارات وارشيف تاريخي جميل

لاروي لكم ما ينتهي به هذا المتحف وهو الأهم ، حيث في اخر القاعة وعند باب الخروج توجد منضدة محاطة بكراسي وقد وزع فوق المنضدة ورقة مقوى مطبوعه عبارة عن جدول وقد تفاجأت بالاجابة حينما سألت مشرفة القاعة عن فحوى تلك الورقة فقالت لي ان متحفنا يقع ضمن برامج زيارات المدارس الابتدائية التي تقع في الرقعة الجغرافية المحيطة بنا ولنصف قطر ٣٠ كيلومتر.. بعد قيامنا ببرنامج التعريف بالمتحف وتشغيل أفلام ورواية تلك القصص نطلب من كل تلميذ ان يملأ هذه الورقة بما يوجد بها من حقول بالاجابة عن الأسئلة المكتوبة بها وهي ورقة بعنوان ( خطة الطيران لحياتي ) وحقولها هي ؛ الاسم ….. ؟ ابطالي هم …..؟ حينما اكبر اريد ان أكون …. ؟ لأنني جيد في ….؟ انا احتاج الى ان أكون افضل في ….؟ لاجل التهيئة لذلك يجب ان اعمل على …..؟ حينما اشعر انني مستسلم او يائس أقول لنفسي …..؟ وفي وسط الورقة مكتوب حكمة وهي وصية طيار مفادها ( مهما كان الحلم بعيدا اعمل على جعله حقيقيا وبالمحاولة ستتمكن من تحقيقه ) . هذه اللوحة البسيطة نقوم بتأطيرها ليضعها التلميذ امامه في غرفة نومه وتكون ملهما له ..

هذه المجتمعات قد تعلمت صناعة القدوة من ديننا الحنيف في الوقت الذي صنعنا نحن القدوات من نوع اخر ..فاصبح القاتل المجرم الذي يحمل فأسا بيده يتباهى بقتله بها العديد من البشر أو الذي يقوم بذبح العزل او قطع اذانهم بدم بارد ، والمطرب المتخنث المتبهرج والبرلماني والوزير النهاب والقائد العسكري المنهزم المملوء الوجه بحقن البوتكس بحيث انك لا تميز بينه وبين عارضي الأزياء ، والرئيس النائم المحاط بعائلته كمستشارين والمعلم الذي ينشر الطقوس والممارسات المتخلفة والشاب الذي يبالغ بجلد الذات وايذاء النفس في طقوس عقائدية ولا اعلم ماهي رسالته الى الأطفال من عائلته او جيرانه حينما يعود مضرجا بدماؤه ! ، بل حتى طلبة الجامعات وهم قدواتنا في الامس القريب اصبحوا في مستنقع من الانحلال! اخبرني احد الأصدقاء انه كان واقفا في موقف الباص في العاصمة الحبيبة بغداد وبينما هو بانتظار الباص واذا بباص يقترب مملوء بالشباب والشابات ويعلو فيه صوت الأغاني والصفير والتصفيق والرقص وحينما توقف تبين انه باص نقل طلاب كلية التربية .. حينها يقول انه تذكر العمالقة من خريجي تلك الكلية وكيف ملأت كتبهم ومؤلفاتهم رفوف المكتبات ، كل هؤلاء هم قدوات لأطفالنا وبعد ان كنا نذهب سفرات مدرسية للمتاحف في بغداد أصبحت سفرات مدارسنا الى متنزه الزوراء مع ملاحظة وصايا السفرة في عدم نسيان الدنبك والجنبارات مع الدي جي ، او الى احد المراقد المقدسة لتنتهي السفرة بقراية وعويل وبكاء وحزن لا يفهم الأطفال سببه ولا تاريخه ، وهكذا لنا ان نتخيل حجم الفارق بين الجيلين فماذا سيكون مستقبل جيلهم وماهو مستقبل جيلنا ..وبين من اتخذ حتى من عدوه الياباني الطيار الانتحاري قصة الهام وبين من يكون قدوته معمم جاهل او قاتل مليشياوي او إرهابي موتور او فاسد سارق ، .. لكم الله يا أطفال العراق وسودة بوجهكم ياحكومتنا وسياسيينا شلع قلع .

أحدث المقالات