أستاذي الذي أوجعني كثيرا بكتاباته عن الكوميديا السوداء , وكم حذرته من مساوئها وما ستتسبب به من ويلات , لكنه أبى أن يغادر معاقلها , ولا يستحضر أفكارها , حتى أردته في لحظة مباغتة فغادر الدنيا , وما أتم كتابه الفريد , ولا إنتصر على كوميديا الوطن السوداء , كما يكرر وصفها ويعاني من تداعياتها.
ذهب الخبير بالنباتات , والذي درّسني في الثانوية مادة “الحيوان” , وعلمني العزف على الناي , واتخذته مثلا لي منذ طفولتي , وحبب إلي الأدب وكنا نقرأ معا الروايات التي يختارها , فنمضي المساءات في نادي الموظفين المطل على كهف القاطول , وكم كان مهتما بروايات الكاتب الفرنسي الطيار (أنطوان دو سانت إكزوبري), (1900 – 1944) , وكنا نحلق معه في ما كتبه عن الطيران.
تذكرت وقد إغتالته الكورونا وهو في أوج إبداعه ونشاطه الأكاديمي وتفرغه لمؤلفه الذي إبتلعه الحاسوب , لعدم معرفة كلمة السر التي تظهره , كما قال أنجاله , فاختفى معه , وغاب في متاهات النسيان.
وفي كتاب له , وجدته قد خاطبني بمقالة تأثرت بها كثيرا , لأني لم أقرأها في حياته , ولم يُعلمني بها , لكنه ضمها في كتابه.
كان أستاذي بكل ما تعنيه الكلمة , وعلمني الفن وحب الموسيقى والأدب , ونقلني إلى آفاق التفكير العلمي والخيال الأدبي , وكان يتوسم فيّ ما لا أعرفه عن نفسي.
أتذكر أستاذي وقدوتي , وأدرك بأن الصيرورات الفردية والجماعية بحاجة لقدوات , وبدونها تتيه وتضيع في غياهب الأيام.
فهل لدينا القدوات الصالحة لحياة أفضل؟ّ!!
أبوَّة أمّة صنعت علاها
بقدوتها أنشادت مرتقاها
إذا عرف البلاد بها رجالٌ
سراةٌ في تصورهم رؤاها
ستزهو فوق آفاقٍ لمجدٍ
يبشرها ويستهدي خطاها
د-صادق السامرائي