23 ديسمبر، 2024 5:02 ص

قبل رحيل الجاني وغياب الشهود شهادة ثقافية للتاريخ

قبل رحيل الجاني وغياب الشهود شهادة ثقافية للتاريخ

تأخرت كتابتي لهذا الموضوع منذ أكثر من عشرة سنوات أملاً في صحوة ضمير تجعل (الجاني) يعترف بسوء فعلته ، ويصلح جزءاً مما خرب وارتكب من خطأ فادح بحق إنسان طيب وعالم كان صديقاً له قبل أن يرحل عن الحياة شهيداً ، وكان من المفترض أن يتعاون مع غيره من الأصدقاء الطيبين على حماية آثاره وحفظ حقوقه والوفاء له ، ولكم للأسف لم يحدث هذا من الجاني الذي ظل سادراً بسوئه بل فعل الأنكى والأسوأ!!
دعونا نعود إلى الوراء ونتعرّف على القصة من بدايتها ..
في سنة 2002م صدر عن الدار العربية للموسوعات كتاب (جامع الأنوار في مناقب الأخيار ؛ تراجم الوجوه والأعيان المدفونين في بغداد وما جاورها من البلاد) لعيسى صفاء الدين البندنيجي القادري ، وقد ذكر على غلافه (تحقيق أسامة ناصر النقشبندي ومهدي عبد الحسين النجم)، ولمعرفتي الأكيدة قبل أكثر من عقد من طبع هذا الكتاب أن تحقيقه قد أنجز بالكامل من قبل الشهيد المحقق البارع مهدي عبد الحسين النجم فقط ، من دون أي مشاركة من أحد ، فقد فوجئت بل صدمت لما رأيت ، وراجعت النجم رحمه الله مستفسراً ، فعرفت منه أن أسامة النقشبندي قد أضاف اسمه لقيامه بدور الوسيط في طبع الكتاب فقط!!
استنكرت هذا الأمر ، كما استنكره كل علم بالمحقق الحقيقي لهذا الكتاب ، وهم مجموعة غير قليلة من الأصدقاء والمعنيين بالتأليف والتحقيق ، وقد لاموا الشهيد النجم على قبوله بما حصل ، وأذكر من هؤلاء الباحث المعروف زين النقشبندي الذي تحدث بانفعال شديد معه ، ولم يكتفِ بذلك ، بل نشر مقالة في إحدى الصحف موضحاً فيها الحقيقة!! وعرف به أيضا الدكتور عماد عبد السلام رؤوف الذي ذكر كتاب (جامع الأنوار في مناقب الأخيار) في الطبعة الثانية من كتابه (التاريخ والمؤرخون في العهد العثماني) من دون أن يذكر مؤلفه ، وفي ذلك اشارة ذكية لما وقع !!
وكانت لي زيارة بعد أيام مع المحقق الشهيد مهدي النجم إلى (دار المخطوطات) ببغداد ، والتقينا أسامة النقشبندى في مكتبه وهو يومذاك مديرها ، وعلى سبيل التعريض والسخرية هنأته بصدور الكتاب، فأشار إلى مهدي النجم قائلاً (هنئ صاحبك)!!
ويجدر بي أن أذكر في هذا المقام أن أسامة النقشبندى قد استأثر بكل الحق المالي لهذا الكتاب، وكذلك جميع نسخه التي استلمها من جهة النشر كحقوق تترتب عليها للمؤلفين عدا نسخة واحدة فقط ، بل على عادة الانتهازيين المتملقين ، أهدى أسامة النقشبندي نسخة من هذا الكتاب باسمه إلى رئيس النظام السابق ، واستلم المكافأة المالية !! وأهدى نسخة ثانية إلى نائب رئيس النظام واستلم المكافأة المالية الأخرى البالغة مليون دينار حينها، وقد أخبرني الشهيد مهدي النجم نفسه بذلك ، وكان حينها يمر بظرف مالي عصيب جداً !! وقد أبت عليه نفسه رحمه الله أن يطلب شيئاً من المدعي زوراً مشاركته بتحقيق الكتاب!!
وبدأ بعدها الشهيد النجم بتحقيق كتاب (عيون أخبار الأعيان ممن مضى في سالف العصور والأزمان “تاريخ الغرابي”)، وأنجزه أمام أعيننا بمفرده كما هي العادة في كل كتبه في التأليف والتحقيق إذ كان يقوم بهذه الأعمال لوحده ، ويخبر أصدقاءه بها بل ويريهم ما أنجز ، ثم سلمه محققاً بالكامل لأسامة النقشبندي قبل استشهاده بمدة قليلة للمساعدة في طبعه أيضاً، وتكررت الجريمة ثانية ، فقد قدمه النقشبندي إلى دار الشؤون الثقافية ، فطبع في ثلاثة أجزاء هذا العام (2020م) ، بعد أن أضاف اسمه وجعله الأول كما في السابق ، ولم يكتف بذلك بل استغل وفاة المحقق الأصلي (مهدي النجم) ، ليضيف اسماً (رناناً) آخر معه هو صديقه (الدكتور السيد علي السيد طالب العريضي الحسيني)!!، وأنا أجزم بأن المحقق مهدي النجم لا يعرف الأخير ولا التقاه ولا رآه ولا سمع به في حياته كلها على الإطلاق، ولا يمكن له أن يشترك في تحقيق كتاب أي كتاب مع أي شخص آخر مثل هذا أو غيره ، إذ اعتاد العمل بمفرده كما يعرف الجميع !!
وكما في الكتاب السابق استحوذ أسامة النقشبندي على المكافأة الممنوحة لهذا الكتاب كاملة ، وما منح من نسخ معها ، ولم يقدم من باب الأمانة وحقوق الصداقة لعائلة المحقق الأصلي مهدي النجم شيئاً، بل ولا حتى خبراً يعلمهم بطبعه!! فكانت خيانته بشعة ومركبة بحق الأمانة العلمية أولاً، والصداقة السابقة ثانياً، والأصول المتعارف عليها ثقافيا واجتماعيا ثالثاً!!
رحم الله الأديب الشاعر والمؤرخ الثبت والمحقق البارع مهدي عبد الحسين النجم الذي صدر له بالإضافة إلى ما ذكرنا من كتابيه المسروقين السابقين مجموعة كتب قيمة ، منها: مالك بن الحارث الاشتر سيرته وأدبه (بيروت 1998م) ، ديوان الفضل بن عباس اللهبي (بيروت 1999م) ، ديوان محمد بن صالح العلوي (بيروت 1999م) ، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة (تحقيق، بيروت 2002م) ، البحث عن أعراب نجد (تحقيق ، بيروت 2003م) ، ثورات العلويين وأثرها في نشوء المذاهب الإسلامية (بيروت 2003م) ، ديوان الشعراء النجديين من العوام العصريين (تحقيق ، بيروت 2003م) ، لمحات من حياة الإمام موسى بن جعفر (بيروت 2003م) مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ج2 ، ج12 ، ج13 ، ج24 ، ج25 ، ج26 ، ج27 (تحقيق بيروت 2008م) ، تاريخ ابن أبي الحديد المعتزلي ج1-5 (تحقيق ، الحلة 2020م).
وله آثار مخطوطة ، منها: أم الشهداء فاطمة بنت محمد( تم قبوله في المسابقة التي أقيمت في مكتبة العلمين في النجف الأشرف سنة 1967م)، معجم الشعراء في معجم البلدان ، مآخذ الشعراء من نهج البلاغة (نشر فصولاً منه سنة 1968م في إحدى الدوريات) ، ديوان مهدي النجم.