23 ديسمبر، 2024 11:54 ص

قبل أن تغرق السفينة … معالجات وحلول

قبل أن تغرق السفينة … معالجات وحلول

يقول الكاتب الايرلندي (برنارد شو1856-1950) : [ ليس في العالم كله ما هو أهم من المال ].. ولعل في هذا القول شيء من المبالغة, ولعله أكثر تجاوباً مع متطلبات الحياة الجديدة التي نعيشها بعد عام 2003م , إذ لا ينكر احد أن السعادة العائليــــــــــــة والمجتمعية تكاد تعتمد إلى حد كبير على نظرتنا إلى المال , أو بالأحرى على المبدأ الذي نعتمده في الإنفاق فمهما كان العمل الذي نؤديه , فنحن جميعاً في حاجة إلى اعتراف معقول بجهودنا سواء كان في صورة مدح أو أشارة طيبة أو مكافأة نقدية…..أو مجرد كلمة تقدير من مدير الدائرة أو المسئول المباشر.
المديح الصادق :
منذ بضع سنوات ,طلبت أحدى شركات البترول الكبرى من مجموعة من المديرين والفنيين أن يذكروا الأسباب الشائعة للسخط بين زملائهم العاملين في تلك الشركة, فكانت أغلب الردود التي قدمت هي:-(عدم التقدم ,عــــدم التقدير , عدم الاعتراف بجهودهم)..
أن الكثير من مسئولينا يحجمون عن المدح خوفاً من أثارة الغرور في قلوب الذين يتولون أمورهم, ولكن هـــذه الطريقة قليل ما تنجح لأنه لا شيا يقتل الثقة مثل استمرار الضغط أو الاستهانة بجهود الآخرين.
أن المديح الصادق ,والربت على الظهر في ود…مكافأة طيبة لعمل أحسن أداؤه, وحافز طيب للثقة بالنفس,ولكننا يجب أن لا نعتمد عليهما بشكل مطلق حتى لا نقع في عادة العمل من أجل الحصول على التصفيق والمديــــــح , وعلينا أن نتعلم بدلاً من ذلك أن نقدر قيمة عملنا وسوف نحظى بارتياح داخلي بعد ذلك.
النجاح السريع :
أما النجاح السريع ولاسيما للشباب الذين اعتلوا كراسي المسؤولية الوظيفية وهم فــــــــي مقتبل العمر فكثيراً ما يسكرهم, ويسبب لهم الغرور والكسل والصلف, مما ينتهي بهم المطاف إلى نكسه محطمة , ربما تنتهي بخسران المركز الوظيفي الرفيع وقد صدق الكاتب الانكليزي الشهير (جولد سميث 1728 – 1774) حين قال:-
(( أن النجاح السهل سوء حظ كبير ! فلا تحسدوا من ينجحون بسهولة وبلا عقبات, لان سقوطهم سيكون سريعاً بعد حين))…
وكما يقال القيادة علم وفن , وهو مبدأ يجعل القيادة ليست حكراً على فئة معينة , ولكن يجعلها باباً مفتوحاً لكل من تثبيت مواهبه واستعداداته وخبراته وتحصيله العلمي التخصصي , والأشخاص الذين يظهرون مثل هذه الأنواع من السلوك والى درجة واضحة هم الذين يوصفون بالمبدعين .
الإبداع النادر :
وقد تساءل الناس لماذا كان الإبداع دوماً أمرا نادراً؟ ولقد قدر العلماء أن نسبة المبدعين ومنذ فجر التاريخ لا تتجاوز اثنين في المليون. كما تساءل الناس :- لماذا ينشأ الكثير من العباقرة في بيوت متواضعة ولماذا كان الترابط بين العبقرية والتربية والتعليم منحطاً في كثير من الأحيان؟ ولماذا لم يزد عدد المتميزين في دوائرنا الحكومية إلا عند توزيع الحوافز والإرباح السنوية؟ أن هذه الأسئلة وسواها أسئلة جادة تستحق التفكير والبحث من قبل المسئولين عن الإنتاج والإنتاجية . ففي دنيا الإنتاج أصبح الموظف المنتج هو المحور الذي تدور عليه نظم الصناعة والإنتاج أيا كان نوعه, ولهذا تولي الدول المتقدمة في شؤون العلم والمعرفة اهتمامها البالغ في تحسين ظروف العمل وتقديم الخدمات للعاملين من سكن مريح وخدمات ترفيهية وتسهيلات مالية وتأمينات صحية ومعاشيه التي تجعل الفرد لا يفكر بالمستقبل فحياته مكفولة أذا مرض وإذا كبر مقابل مبلغ قليل يستقطع من راتبه كضمان صحي للمستقبل, لما في ذلك من اثر واضح في سعادة الفرد أولا, وفي زيادة الإنتاج وتحسينه ثانياً.
القوى العاملة :
وتعتبر القوى العاملة في الأمم الراقية ذات الحضارة المادية, بمثابة جيوش التصنيع التي هي خط الدفاع الأول عن الوطن في كل امة , إذ لا تستطيع الجيوش العسكرية القيام بأعبائها في الدفاع عن الأوطان , دون تمويلها من المصانع. ولا يمكن للمصانع أن تلعب دورها على أكمل وجه دون أن تستقيم الحياة الصحية لجيوش التصنيع.
أما عندنا فمن الصعب على الموظف أو احد أفراد أسرته أن يتعرض لمرض مستعصي أو مرض طارئ في الوقت الحاضر , لان دخله الشهري غير كاف لسد نفقات العلاج المكلفة, رغم أن الموظف حالياً محسود كما يقولون على الراتب الذي يتقاضاه مقارنةً بغيره من العاطلين عن العمل وخاصة خريجي الكليات والمعاهد وأصحاب الشهادات العليا . وكان الفقر يعتبر عائقا دون النجاح , ولكن ذلك الاعتبار تلاشى اليوم , لان مئات ممن كانوا فقراء سابقاً تمكنوا من البروز إلى الصفوف الأولى في المجتمع, لأنهم عرفوا كيف يعقدون العزم على أن لا يظلوا فقراء واستطاعوا الحصول على شهادات علمية عالية, فأصبحوا مهندسين ومحاميين ومحاسبين وأصحاب مهن فنية وإدارية ….الخ, ويلعبون دوراً فاعلاً في المجتمع العراقي الناهض نحو الإصلاح .
ظروف العمل :
وقد كشفت الكثير من التجارب أهمية العنصر الإنساني في إنتاجية العامل بالمصنع والموظف في المكتب . ولكي يستنفذ كل عامل وموظف قواه العقلية وروحه المعنوية في الإنتاج – لابد من توفر الراحة النفسية له طالما كانت هي وحدها تتحكم في كل طاقاته البدنية والعقلية, وان هناك أمور هامة مثل فترات الراحة, ورخص الطعام الذي يقدم له , والراتب التشجيعي الذي يتقاضاه, ليست بالشيء الهام إذا ما قيست بشعور الموظف بالاطمئنان أو القلق في عمله, وبقدر حسن العلاقات أو سوئها القائمة بينه وبين رؤساءه أو بينه وبين زملائه , أو بين المدير ومرؤوسيه وموظفيه .
إذ يجب على كل موظف حكومي أن يوقع على تعهد خطي يلتزم بموجبه بقواعد السلوك الواردة في (قانون انضباط موظفي الدولة) كشرط من شروط التوظيف ووضع برامج عامة للتثقيف وتنمية النزاهة والاستقامة والشفافية والخضوع للمحاسبة بالإضافة إلى اللزام المسئولين الكشف عن مصالحهم المالية وإعادة الاعتبار القانوني والإداري والاجتماعي للموظف والوظيفة وبما يؤمن بناء أسس وقيم وظيفية يصعب التجاوز عليها مثل إعادة الاعتبار للشهادات الدراسية المختلفة والكشف عن حالات الشهادات العلمية المزورة التي حصل عليها الكثير من الموظفين , وكذلك إعادة النظر بالرواتب والحوافز المادية للموظفين بما يؤمن لهم المستوى ألمعاشي الذي تتلاءم وخدماتهم التي يقدمونها.
الإدارة الحديثة :
بالإضافة إلى العمل وفق متطلبات الإدارة الحديثة التي تعتمد العلمية والشهادة والالتزام في تنفيذ تعليمات الدولة بشكلها الصحيح دون خوف أو محاباة للآخرين أو انتقائية اجتهادية مع استخدام وسائل الإعلام والصحافة وخاصةً الإعلام الداخلي بشكل خاص بالتوعية حول جرائم الفساد الإداري والمالي وكشف الممارسات الخاطئة في مرافق الإنتاج لدى شركاتنا الحكومية وعدم التركيز على انجاز تلك الشركات والمبالغة المفرطة بالإعمال التي تقوم بها تلك الشركات . حتى إن البعض من تلك الأجهزة الإعلامية لا تنشر الموضوعات التي تتناول النقد البناء لاداءها وتعتبره خط احمر لا يمكن تجاوزه وكأنها ملك صرف لمديرها العام الذي أصبح بعد سقوط الصنم( القائد الضرورة ) البديل .
فهو الذي يقرر ما ينشر أو لا ينشر, علماً انه لم يكتب يوماً موضوع فني أو مهني في تلك الوسائل الإعلامية يبرر فيه سبب تدني الإنتاج لتلك الشركة التي يدير , مما يقلل أو يلغي مساهمة هذه الأجهزة الإعلامية في التوعية والكشف عن حالات الفساد , أضف إلى ذلك الخلل في مستوى الرواتب بين القيادات العليا والعاملين على المستوى التنفيذي وخاصةً العاملين في المناطق النائية حيث يشعر هؤلاء بأنهم يتحملون العبء الأكبر في زيادة الإنتاج, ولا يحصلون على ما يستحقونه من رواتب ومزايا مالية مما يدفعهم إلى الفساد أو الفتور في أداء العمل.
الولاء لمن .. ؟
ومن الملاحظ انه كلما ضعف الولاء الوطني , وكلما ضعف دور الحكومة, واهتزت مبادئ الأخلاق والدين لدى بعض المسئولين عاد الولاء الضيق للأسرة والعشيرة والقبيلة , فأصبحت تلك الشركة ضيعة لذلك الرجل وأسرته المقدسة وراحت تعج بأهله وأبناء عمومته وهم يحيطون بمكتبه العامر بالأثاث الأنيق رافعين شعار حمايته من الأعداء , هذه التصرفات تجعل من الفساد ( آلية مشروعة ) لإدارة العمل بهذا الشكل المرفوض والذي لم نألفه من قبل ولم نقرأ عنه في كتب الإدارة أيام الدراسة في الجامعات وكأنه واحد من أمراض العصر الحديث حاله حال انفلاونزا الطيور وانفلاونزا الخنازير التي غزت العالم الغربي والشرقي.
الترف البرجوازي :
الكثير من دوائرنا الحكومية عموماً وقعت في شراك النزعة الاستهلاكية والترف البرجوازي المفضوح , والمظهرية المفرطة في شراء الأثاث والبناء غير المبرمج والمبعثر أحيانا والاهتمام بإقامة الحدائق والأرصفة وتلوينها بالأصباغ عبر المظاهر الشكلية المفضوحة كواحدة من تعبيرات اللهاث وراء الارستقراطية بزيها الغربي باعتبارها واحدة من الانجازات التاريخية التي تسهم مستقبلاً في تثبيت الكراسي على ارض المناصب المدعومة محلياً وحكومياً , وهذه واحدة من منزلقات رأسمالية الدولة, أو تبرجز الملاكات الحكومية السريع , وما من حل لهذه المخاطر ألا بتعزيز الرؤية العلمية وبناء الكوادر المتقدمة المثقفة , وتنشيط الممارسات الديمقراطية داخل دوائر الدولة في أطار ديمومة رقابة شعبية مع التحديث المستمر لأجهزة الدولة وعناصرها القيادية .
ضعف السلطة وانقسامها :
أن ضعف السلطة وانقسامها , ووجود كتل وتيارات متناقضة فيها , سوف تكون مرغمة على التهاون في القضايا والمصالح الوطنية الأساسية ومنها مسألة مكافحة الفساد بكافة أنواعه مما يجعل اختراق أجهزتها والتغلغل فيها امرأ ميسوراً بل يصبح حقيقة واقعة وثابتة لا تجد الحكومة بعد حين بداً من القبول بها كأمر واقع , أو الثورة عليها من خلال أحداث تغيير جذري وحاسم في بنية مؤسسات الدولة . ومثلما كان الصينيون أيام الرئيس الصيني الراحل ( ماو سي تونك 1893- 1976) يقومون بين فترة وأخرى بثورات ثقافية في المجتمع الصيني من اجل تجديد شبابه وعقله وروحه , لذا أرتئي القيام بثورة ثقافية عسكرية على الفساد الإداري والمالي في كافة أنحاء العراق على خطى ( خطة فرض القانون ) بعيداً عن الشفافية , تبدأ من القمة إلى القاعدة وليس العكس , لغرض محاسبة مرتكبي المخالفات من موظفي المؤسسات الحكومية سواء كانت هذه المخالفات مالية أو قانونية أو إدارية أو أخلاقية وأبعاد من تثبت أدانته بتلك المخالفات عن المواقع القيادية في دوائر الدولة وشركاتها وأحالتهم إلى المحاكم المختصة , وتنصيب ذوي الكفاءات ممن مشهود لهم بالنزاهة والصدق والإخلاص بعد أن يعرض من تناط به المسؤولية على لجنة من المختصين الكبار لغرض تقيمه, على أن يعاد النظر بأداء المسؤولين الكبار كل ستة أشهر من قبل لجان مختصة.
وأخيراً كل الشكر والتقدير لكل الذين يساهمون بمحاربة الفساد بكافة أنواعه بالفكر والقول والعمل والتوجيه…سائلين المولى أن يوفقنا جميعاً في مواجهة التحديات التي تواجه مجتمعنا العراقي الجديد الناهض نحو الإصلاح .
Mobile:- 07705501864