23 ديسمبر، 2024 5:05 م

قبضة المالكي الفولاذية

قبضة المالكي الفولاذية

بمائة ألف دينار لا غير، تم الإطاحة برئيس مفوضية الانتخابات السيد فرج الحيدري ، ولم ينهض منها الرجل الا وهو مترنح ، حتى انه لم يكمل عد (حكَم حلبة النزال )، من الواحد ولغاية التاسعة ، فانسحب الرجل الى مصير مجهول ، فموقف الرجل في الانتخابات التشريعية السابقة كان معروفا وواضحا، في المضي قدما بما أفرزته نتائجها بالرغم من اعتراض دولة القانون عليها آنذاك.
قبلها ، أطيح بالقاضي رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة  ،الذي تم اختياره من بين افضل أربعة رجال فعالية في مكافحة الفساد على مستوى العالم . الرجل تمكن من ان يسلط الضوء على ظاهرة زواج المال بالسلطة ، السيئة الصيت والنتائج . و أراد ان يطبق قاعدة المعايير الدولية للشفافية والمسائلة القانونية ، فلم يكن لديه ( كبير ) كما يقال، والجميع متساوون امام  المسائلة والعدالة و القانون . ويبدو ان هذه القاعدة لم تكن مقبولة بتاتا ، لدى البعض من رجالات السلطة ، اذ معناه ان البعض منهم قد تناله يد العدالة والقانون ، وهذا ما اراد تطبيقه فعلا القاضي العكيلي . تم تكريم الرجل على خدماته بمكافحة الفساد بإحالته الى  القضاء!! 
تم التهيئة للإطاحة بسنان الشبيبي محافظ البنك المركزي  بالضربة القاضية ايضا . الرجل ، مثل القاضي رحيم العكيلي ، تم اختياره من بين افضل الرجالات العاملين في حقل السياسة النقدية على المستوى الدولي . اذن ماذا فعل الرجل كي تنهال عليه قبضة الغضب ؟
لم يفعل شيء ، الا انه طلُبَ منه ذات مرة ان يسلف الحكومة بضع مليارات!! من احتياطي نقد البنك المركزي ، الرجل قال ، لا ، معتبرا ان هذا الاحتياطي لا يمكن المساس به ، حسب قانون البنك المركزي ، وهو لحماية العملة العراقية امام العملات الاجنبية  ، ثم لدينا ميزانيات بمئات المليارات من الدولارات ، فما الحاجة اذن الى بضع مليارات من البنك المركزي؟
اليوم تم الاطاحة برئيس هيئة المسائلة والعدالة وكالة فلاح شنشل، لانه ايضا رفض طلبا بعدم اجتثاث القاضي مدحت المحمود ، اذ قال ” لا  ” لكافة الضغوطات التي تعرض لها ، من اعلى منصب من مناصب السلطة ، لغرض ايقاف او تأجيل اجتثاث رئيس المحكمة الاتحادية العليا ، ايمانا منه بمبدأ تطبيق العدالة ، فكما تم اجتثاث الاف الموظفين الصغار ، والذين قد لا يشكلون اي خطر يذكر، لشمولهم بقانون المسائلة والعدالة، فينبغي ان تكون العدالة حقيقية،  وليس انتقائية او شعارا يطبق على الصغار ويعفى منه الكبار .
من الملاحظ  ، ان الشخصيات الاربعة هي مسوؤلة عن اربع هيئآت مستقلة، وقد فشلت جميع محاولات ، الترغيب او الترهيب، ادخالها الى بيت طاعة السلطة. الشخصيات الاربعة معروف عنها انها مستقلة ومهنية ، وتعلم ان الدستور كفل لها استقلاليتها عن سلطة الحكومة ، وبالتالي النأي بنفسها عن المهاترات السياسية والتأثيرات والولاءات الحزبية الضيقة على القرارات المهنية لهذه المؤسسات .
بالنتيجة ، ان الاربعة قالوا،  لا ، واحترموا ووعوا استقلالية قراراتهم  ، وهذا كان بحد ذاته قوة معنوية كبيرة تحسب لهم ، للوقوف بوجه سلطة رئيس الوزراء ، التي تحاول ان تبسط نفوذها افقيا وعموديا على مؤسسات الدولة ، قناعة منها بان هذا يخدم الدولة العراقية.
هؤلاء الاربعة ، امنوا واقتنعوا ، ان سياسية الخنوع والخضوع وترديد مقولة نعم سيدي قد ولت ، وان قول ، لا ، في محلها الصحيح، هي قوة للعراق والشعب العراقي ، وهي سند حقيقي للعهد والنظام الجديد . اذ ان كلمة ( نعم او لا ) في مكانها وزمانها ومبررها الصحيح  هو ديدن  الديمقراطية ،وهذا معناه ان لا خوف من عقاب السلطة.  هؤلاء هم وجه العراق الجديد المشرق .عراق ، خالي من الخوف من قول  ـ لا ـ بوجه السلطة ، طالما ان هذه الـ لا ـ فيها مصلحة حقيقية للشعب العراقي .
في الختام اذكر مقطع من قصيدة ( كلمات سبارتكوس الاخيرة ) للشاعر الرائع  امل دنقل :  ” من قال ـ لا ـ لم يمت ، وظل روحا ابدية الالم “