18 ديسمبر، 2024 4:02 م

قانون مكافحة الإرهاب… مِعوَل الانتقام!

قانون مكافحة الإرهاب… مِعوَل الانتقام!

يتفق الحكماء على أن الإرهاب لا ينمو في البيئة القائمة على تطبيق القانون والنظام والعدالة الاجتماعية وإنما ينتعش في المستنقعات المشبعة بالفوضى والخراب والظلم والفقر!
وحينما هبّت ريح السموم على العراق بعد مرحلة الاحتلال الأمريكي في العام 2003 تبدلت الكثير من المفاهيم، وصارت هنالك حالة من التداخل المفاهيمي والفكري ما بين الواجب والمطلوب عقلا وديانة، وما بين المفروض بواسطة القوة والتخويف، حيث مثّل الفريق الأول ثلة من العراقيين الرافضين للاحتلال، وقابلهم فريق من الراكبين على أمواج الأزمات، الذين صاروا في لحظة ما من (الكبار) المالكين لقدرات هائلة للتحكم بأدوات الدولة ومن بينها السلاح والقانون والإعلام.
ومن بين أهم صور التحكم بالقانون التلاعب بمفهوم الإرهاب!
وهنالك الكثير من المفكرين والكتاب والسياسيين الذين حاولوا تعريف مصطلح الإرهاب، ولكن يبدو أن هذا المصطلح من المصطلحات المطاطة التي يمكن أن تُعرّف على حسب الحالة التي تُريدها الجهة الساعية لإقرار قانون ما أو لتسليط الضوء على قضية الإرهاب!
وقد أصدرت القوى الحاكمة في العراق، في وقت مبكر، بعض القوانين غير الناضجة، بل والشريرة، ومنها قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 في 09-11-2005، وقد نشر القانون بجريدة الوقائع العراقية في العدد 4009.
وقد تضمنت المادة الأولى من القانون تعريفا مطولا لمصطلح الإرهاب، وقالت بأن الإرهاب” كل فعل أجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة استهدف فردا أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية أوقع الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الاستقرار والوحدة الوطنية”.
وحددت المادة الثالثة من قانون الإرهاب الفئات المشمولة بالعقوبات القاسية وقد شملت أعمال العنف أو التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، والعمل بالعنف والتهديد على تخريب وكذلك من نظم أو تولّى قيادة عصابة إرهابية وكذلك الإسهام والاشتراك في هذا العمل، والعمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية أو حرب أهلية بالتحريض أو التمويل، وغيرها من الجرائم التي تسفك دماء المكلفين بمهام عسكرية أو مدنية أو من عموم المواطنين في البلاد.
وتضمنت المادة الرابعة من القانون أحكاما واضحة على من يمارس الإرهاب أو تعاون مع الإرهابيين، وأكدت على:
1 ـ يعاقب بالإعدام كل من ارتكب أيّا من الأعمال الإرهابية الواردة بهذا القانون، يعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكن الإرهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الأصلي.
2 ـ يعاقب بالسجن المؤبّد من اخفى عن عمد أي عمل إرهابي أو آوى شخص إرهابي بهدف التستر.
واستخدمت المادة الرابعة من قانون الإرهاب بتعسف كبير في عموم العراق، وذلك عبر الاعتقالات الكيدية والضغوطات النفسية، والتعذيب الجسدي لانتزاع الاعترافات من عشرات آلاف المعتقلين الأبرياء، وقد تمّ ابتزازهم وترهيبهم بشرفهم وعوائلهم وغير ذلك من الأساليب الشريرة، والتي خلفت أكثر من 50 ألف محكوم عليه بالإعدام، في السنوات الأخيرة فقط.
وسبق لمفوضية حقوق الإنسان العراقية أن ذكرت بأن عدد المحكومين والموقوفين حتى 23 مايو/أيار 2021، نحو 73 ألفاً و715 سجيناً وموقوفاً، منهم 51 ألفاً و776 محكوماً.
وتحاول بعض المراكز الحقوقية بيان حقيقة ما يجري في تلك المعتقلات، وفي الرابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، ذكر ” مرصد أفاد الحقوقي العراقي” بأن دائرة الطب العدلي في مدينة الناصرية الجنوبية سلّمت 12 جثة لنزلاء قضوا داخل زنازينهم في سجن الحوت سيء الصيت إلى ذويهم، وقد قضوا تحت ظروف مشكوك فيها، ليرتفع مجموع الضحايا إلى 27 ضحية في العام 2021!
وقد قضى أكثر من (60) سجينا من المحكومين بقضايا الإرهاب حتفهم خلال العام 2020، وأبرزهم وزير الدفاع العراقي الأسبق سلطان هاشم أحمد، وتفاوتت أسباب وفاتهم ومن بينها الإهمال الصحي، والأمراض المزمنة والسرطانات بأنواعها وغير ذلك.
هذه التجاوزات على أبسط الحريات والحقوق داخل المعتقلات والتعسف في استخدام قانون الإرهاب دفعت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة نهاية مارس/ آذار 2022 لمطالبة السلطات العراقية بضرورة تعديل قانون مكافحة الإرهاب وإيقاف أحكام الإعدام الصادرة بحق هذا النوع من الجرائم، وأن تكون تشريعات العراق الخاصة بمكافحة الإرهاب تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وبموجب آلاف الوقائع الموثقة، التي تثبت الإرهاب الرسمي وغير الرسمي ضد الأبرياء، يمكننا استنتاج الآتي:
– إن المحاولات الرسمية، العملية والإعلامية لشيطنة مدن بعينها، واتّهامها بالإرهاب هي محاولات سقيمة ومخجلة وستعود بالسوء والشر على عموم المجتمع، وتؤكد مخططات وسياسة الانتقام من الآخرين والسعي لتهجيرهم وترهيبهم!
– لا شكّ أن النتائج الوخيمة لهذه الافتراءات والاتّهامات بالإرهاب تهدد مؤسسات وكيان الدولة بأكملها والمجتمع برمته، وقد خلفت هذه الإجراءات التعسفية فجوة كبيرة ما بين المواطنين والدولة، وعمقت حالة الانفصام عن الوطن!
– هنالك تعسف غالبية الأجهزة الأمنية في استخدام قانون مكافحة الإرهاب بشكل لا يمكن تقبله أو السكوت عليه.
– إن التقصير والتلاعب بالقانون يقع بالدرجة الأولى على الحكومات المتعاقبة وعلى أجهزة المخابرات والأمن الوطني وبالدرجة الثانية على القضاء.
– ثبوت مشاركة غالبية الأدوات القضائية والتحقيقية في زيادة الظلم والتعسف على المظلومين، ولهذا تدهورت الثقة الوطنية بالقضاء العراقي المعروف بمكانته بين قوانين دول المنطقة والشرق الأوسط وذلك بسبب التمازج ما بين السياسة والقضاء!
– يتمّ انتزاع الاعترافات بأساليب تعذيب مميتة، وبعلم القيادات العليا في الداخلية والعدل.
– عملت فرق الموت في العراق بقوة واضحة وعلنية على ترهيب الناس دون أن تجد من يحاسبها، وهذه نقطة ينبغي أن تجد من يُحقق في أبعادها الخطيرة على السلم المجتمعي، وهيبة الدولة.
هذه الأسباب وغيرها عظمت من كارثة تفاقم الظلم في العراق، مما يتطلب العمل التكاملي من أجل خلاص الأبرياء من هذه الأحكام القاتلة لهم والمدمرة لعوائلهم وللمجتمع والدولة.
وفي ضوء هذه الحقائق القاسية يجب العمل على إعادة التحقيق مع عشرات آلاف المعتقلين لأنهم ضحايا المخبر السري والمادة 4 إرهاب، ووجوب الإسراع بترتيب قانون العفو العام ولزوم أن يشمل من انتزعت منهم الاعترافات تحت التهديد والتعذيب.
ويفترض بمجلس النواب العراقي العمل لإنهاء هذه المأساة المعقدة داخل المعتقلات والسجون، وهي مأساة واضحة للمنظمات الحقوقية داخل العراق وخارجه، وينبغي، كذلك، العمل لنشر العدل وبسط القانون على الجميع، لأنه لا يمكن مكافحة الإرهاب بالإرهاب بل الإرهاب يكافح بالعدل وقوة القانون!
إن المناخ السياسي الذي يشجع على شيطنة المجتمع هو مناخ إرهابي، وعليه مَن يُريد أن يبني دولة يفترض أن يبنيها بالعدل وقوة القانون وليس بسطوة القانون الظالم الحاقد على فئات محددة من المجتمع!
وما دمنا نتحدث عن الإرهاب يفترض أن نتحدث عن سبل معالجته ومنها سيادة القانون، ونشر العدالة الاجتماعية، وقمع تعسف الأجهزة الرسمية وغيرها من الأدوات المليئة بالشرور على الدولة والمجتمع، وهذا هو الإرهاب السياسي الأمني!
لا تجعلوا من قانون الإرهاب مِعوَلا للظلم، واجعلوا عموم القانون الخيمة التي يستظل في ظلها الجميع في ربوع دولة المواطنة!
فمتى تحققون العدالة لعموم المواطنين، والمعتقلين خصوصا، وهي أبسط حقوقهم الإنسانية والدستورية؟