في وقت تتسابق شعوب الأمم بوسائل التحضر، وتتبارى بتحقيق الرقي المجتمعي، مدعومين بقوانين دولهم الوضعية، ومسنودين من قبل القائمين على حكمهم تنفيذا وتشريعا وقضاءً، نرى في عراقنا -المزعوم أنه العراق الجديد- بونا شاسعا واختلافا كبيرا في هذا الجانب، إذ مافتئ المشرعون ينتقون من القوانين ما يسير عكس مصلحة المواطن، فيتعجلون بقراءتها بغية إقرارها وإدخالها حيز التنفيذ على وجه السرعة، فيما يتباطأون في قوانين أخرى تخدم المواطن تباطؤ السلحفاة قراءة وإقرارا وتنفيذا. هذا فيما يخص عنصر الوقت، أما نوع القوانين وطبيعة احتكاكها بيوميات المواطن، ودرجة مساسها بمعيشته ورفاهيته وقبلهما حقوقه، فإنها أقرب الى الإجحاف منها الى الإنصاف، وحين تشتد المعارضة عليها فإنها -القوانين- تأخذ بسلاسة عجيبة طريقها الى الرفوف العليا، فيكون نصيبها الإرجاء والتأجيل من فصل تشريعي الى آخر، ومن دورة الى أخرى، فيما ينتظر المواطن بصبر فاق الحدود إقرارها لتمشية أموره الحياتية، بعد أن علق جل آماله -إن لم يكن كلها- عليها في حال تنفيذها، وما سعة فسحة أمله هذه إلا لأن المشرعين منتخبون، بإشارته اليهم فيما مضى بإصبعه البنفسحي، ظانا أنهم سيطفئون نارا تستعر في قلبه على بلده ومستقبله، إلا أن ظنه خاب وأمله تبدد، فحق على الذين انتخبهم بيت الدارمي:
من گلبي يطفي النار كلفته بيهه
رشرشهه گاز وگام ينفخ عليهه
من تلك القوانين المجحفة بحق شرائح المجتمع، قانون حقوق الصحفيين العراقيين، فهو يحمل في مواده وبنوده وفقراته صبغة عدائية لهذه الشريحة، فزاد من مهنة الصحافة تعبا، فوق ماتتمتع به أصلا من كونها “مهنة المتاعب”. فلو أخذنا على سبيل الذكر لا الحصر المادة/ 3 منه, نجد أنها تنص على مايأتي:
“تلتزم دوائر الدولة والقطاع العام والجهات الاخرى التي يمارس الصحفي مهنته امامها تقديم التسهيلات التي تقتضيها واجباته بما يضمن كرامة العمل الصحفي”.
وهذا شيء جميل وطرح رائع يخدم المجتمع خدمة جليلة، ذلك أنه يسهل عملية كشف الأخطاء والثغرات إن وجدت في بداياتها، ويحد من تفشيها وتراكم تبعاتها بما يفضي الى الضرر الكبير بالوطن والمواطن، وفي حال تعاون مؤسسات البلد مع الصحفي يسهل اقتناص السلبيات وقبرها في مهدها. لكن مانراه طيلة دزينة السنوات التي مرت عكس هذا تماما، إذ مافتئت “الجهات الأخرى” التي نصت عليها هذه المادة تبطش بالصحفي أيما بطش وهو يؤدي وظيفته، وتعيقه في تأدية واجباته، علاوة على القيام بأفعال تهين كرامته وتمس إنسانيته، والأمثلة على جهات كهذه لاتبدأ بحمايات المسؤولين بدءًا برئيس الوزراء والمنطقة الخضراء، ولاتنتهي بحماية وزير او رئيس كتلة او حزب، وتتنوع أشكال الاعتداءات مكانا وطبيعة، فمكانا.. لم يسلم الصحفي في التظاهرات السلمية من تلك الاعتداءات، كما أنها طالته على أبواب بعض الوزارات. وطبيعة.. بولغ في التنكيل به والنيل من هيبته واحترامه وسط المواطنين، وهذا كله أثناء أدائه واجبه المكفول دستوريا.
أما الفقرة- 2من المادة/ 6 فإنها تنص على مايأتي: “للصحفي حق الحضور في المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة من اجل تأدية عمله المهني”.
وهذه الفقرة حبر على ورق، اوهي هواء في شبك، او فلنقل هي صفر على الشمال، فالصحفي يمر في بعض المؤتمرات والجلسات والاجتماعات بظرف عصيب للغاية، فهو يناضل ويكدح للوصول الى حقيقة مايجري فيها من خلال تواجده في قلب الحدث، إلا أنه يعامل بضدية لاتنم عن التزام بشرف المهنة من قبل حمايات المسؤولين، فضلا عن انعدام الجانب الأخلاقي لديهم، وهم بهذا يخرجون عن صلب ماشرعه القانون، ويضربون بالدستور عرض الحائط، وقطعا هذا كله يجري بعلم مسؤولين على أرفع درجاتهم ومناصبهم. والمقال في مواد هذا القانون يطول، والمقام عنه يقصر، وتبقى حقوق الصحفي العراقي وصمة معيبة على حكام بلد يدعون أنه ديمقراطي، ويتشدقون بأنه “العراق الجديد”.