23 ديسمبر، 2024 6:56 ص

قانون تكميم الأفواه … وصمة عار على جبين الساسة العراقيين

قانون تكميم الأفواه … وصمة عار على جبين الساسة العراقيين

تُشَرع الكثير من دول العالم المتقدمة عدد من القوانين والأنظمة الخاصة بـ (جرائم المعلوماتية) والهدف منها هو مكافحة الجرائم التقنية المتمثلة بالقرصنة، سرقة حقوق النشر والطبع، والتعدي على الملكية الفردية و مشاكل التجارة الأكترونية او الأحتيال المالي وغيرها والتي تكون متوازية مع المعايير الدولية لحقوق الأنسان. ونود الأشارة هنا بأن الكثير من الدول النامية ونخص منها الدول العربية تحذو الخطوات السريعة في سن و تشريع القوانين المتعلقة في هذا المجال، والهدف من عملها هذا هو الأيحاء للمجتمع بأنها تحاول الدفاع عن حقوق المواطن، لكن الحقيقة تفضي بوقائع بعيدة كل البعد عن الشعارات الرنانة التي تطلقها هذه الدول، بحيث تلاحظ بأن مجمل القوانين المشرعة والتي يراد تشريعها في هذا المجال، تسودها الضبابية و الغير شفافية ولا تتماشى مع أطر المعايير الدولية لحقوق الأنسان وحرية التعبير عن الرأى، ومن خلالها يُعطٍي للمشرعين في هذه البلدان الضوء الأخضر في تنفيذ الذرائع والدوافع القانونية المناسبة لكتم الأفواه وتقييد الحريات، بأستخدام وسائل الأستبداد في تصفية معارضيها وايجاد مبررات تربطها بالأمن القومي، مكافحة الأرهاب، جرائم التشهير بالدولة أو الدعوة الى الفكر الاٍلحادي وغيرها.
ونود هنا تسليط الضوء على مسودة القانون السئ الصيت والمعروف بــ (قانون الجرائم الألكترونية) العراقي، والذي يتم مناقشته هذه الأيام في أروقة مجلس النواب العراقي لغرض التصويت عليه بعد أن تم تقديمه وتهيـئته من قبل لجنة الأمن والدفاع التابعة للمجلس أعلاه والذي أدعت بأن الغاية من تشريع هكذا قانون هو للحد من حالات الأبتزاز الألكتروني وعمليات التشهير بأعراض الناس. ولكن الوقائع والشواهد الموجودة على أرض الواقع تتناقض كلياً مع المبررات التي تتبناها السلطة العراقية في تنميق صورة القانون أعلاه، حيث هناك مخاوف كثيرة مثيرة للجدل حول ماهية أستخدام القانون لما يفرضه من قيود وعقوبات صارمة تتعارض مع بنود الدستورالعراقي ونخص منها المادة 38 من الفصل الثاني والمتعلق بالحريات، وبالتالي سوف يتم أستغلاله من قبل السلطة كأداة قمع بوليسية وسيف مسلط على رقاب الكتاب و الأعلاميين الأحرار وتعود بالبلد الى الأطر الديكتاتورية السابقة. علماً بأن مشروع القانون أعلاه قديم نوعاً ما وقد تم مناقشته برلمانياً عام 2011 والذي تضمن 31 فقرة وتم رفض تمريره حينها بسبب أحتوائه على فقرات أستبدادية عديدة، وهو نفس القانون الذي ينوي البرلمان التصويت عليه هذه الفترة مع أدخال بعض الأصلاحات والترتيشات عليه، ويتميز القانون بالفقرات السيئة الصيت من قبيل منح السلطة صلاحيات واسعة في مراقبة الناشطين في مواقع التواصل الأجتماعي وأصدار العقوبات الصارمة بحقهم من قبيل السجن والغرامات المادية.
كما هو معلوم حجم الأنتهاكات الكثيرة التي مارستها السلطات العراقية في بغداد وأربيل في ملاحقة النشطاء العراقيين في ضوء ثورة تشرين 2019 وقبلها ، والتي تسببت في أستشهاد وجرح المئات من المواطنين واللذين ليس لديهم ذنب سوى أحتجاجهم على الفساد المستشري في بدن الدولة والظروف الأقتصادية والخدماتية السيئة التي يعاني منها المواطن العراقي . وهنا يقف مجلس النواب العراقي بكل صلافة وبدون خجل في مناقشة مسودة القانون السـئ الصيت أعلاه، في الوقت نفسه يمر البلد بكارثة أنسانية يندي لها الجبين، حيث أمسى العراقيون بدون مأوئ كنتيجة للفيضانات الكبيرة التي حلت على العاصمة العراقية بغداد والمحافظات الأخرى، ولم يجفل او يعلق أحد من أفراد السلطة على حال هذا الشعب المنكوب، ولكنهم سارعوا قبلاً في أصدار فتاوي الدعم المادي والمعنوي عندما فاضت دولة السودان، واحترقت من قبلها العاصمة اللبنانية بيروت.
تشير المشاهدات بأن المؤسسة السياسية العراقية بعد 2003 أصابها نوع من الأنفصام في شخصيتها السياسية، ونلاحظ بأن أغلب شعاراتها منبثقة بصب اللوم على النظام الصدامي المقبور، ولكن الوقائع تسجل بأنها لازالت لحد اليوم تستفاد وتستخدم أغلب القرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة المقبور، ونذكر منها هنا على سبيل المثال قانون العقوبات العراقي لعام 1969 السئ الصيت والذي لازال يستخدم به لحد الآن ماعدا أدخال بعض التعديلات الطفيفة عليه عام 2008 ، وبدورها تود السلطة من خلال القانون أعلاه بدعم البيئة المناهضة للأقلام الحرة من خلال عمليات الترهيب والترغيب، والقيام بتصفية الكثير من الناشطيين في مجال الأعلام والقنوات المرئية والمنظمات الأخرى، وغلق العديد من المحطات المرئية والغير مرئية والأعتداء المستمر عليها، ثم السيطرة على مجمل المؤسسات الأعلامية المرتبطة بالدولة منها ( الهيئة العامة للأعلام العراقية ) والتي من خلالها تبث وتعطي التصاريح الأعلامية للمؤسسات الأعلامية العاملة في العراق، لذلك تم رفض وسحب الرخصة الأعلامية لعدد من المؤسسات المتقاطعة فكرياً وعملياً مع السلطة الحاكمة، ونذكر منها سحب الرخصة الأعلامية لوكالة رويتر العالمية وتغريمها مادياً في نيسان 2020 وذلك لمقال نشرته لايتوافق مع رؤيا السلطة.
لذلك وجب على كل القوى العراقية الشريفة بأيجاد موقف شعبي عارم بالضغط على النخب السياسية العراقية، ومناشدة المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال الحقوق والحريات الأنسانية، بأن تقف للحيلولة دون تمرير هذا القانون في مجلس النواب العراقي، ومن ثم أحترام وتطبيق العديد من التوصيات التي تنادي بها الأقلام الحرة والأفواه الغير مكمومة من العراقيين الشرفاء، ومن المنظمات الدولية على سبيل المثال ( منظمة العفو الدولية – منظمة هيومن رايتس ويتش) ومن هذه التوصيات يذكر مايلي:
ـــــ اٍيقاف التعاطي مع قانون العقوبات العراقي لعام 1969، وتشريع قانون جديد او اٍجراء تعديل عليه لكي يتماشى مع المعايير الدولية الخاصة بحقوق الأنسان و من ثم ضمان حرية التعبير عن الرأى بجانب الحريات الأخرى.
ــــ أستخدام الشفافية في البث حول الشكاوي المقدمة ضد الصحفيين والأعلاميين وغيرهم وخاصة من قبل أزلام السلطة.
ــــ ألغاء مادة التشهير الجنائي وأستبدالها بعقوبة التشهير المدني.
ـــــ تحديد السلوك المحظور وتعديل القوانين المتعلقة به والتي لاتتعارض مع حرية الرأي، و تصنيف جرائم القذف والسب بأنها جرائم مدنية.
ـــــ أستقلالية قرار وعمل ( الهيئة العامة للأعلام العراقية ) وعدم التدخل في شؤونها.
ـــــ تعديل قانون الصحافة ووضع القيود الخاصة لحرية التعبير طبق المعايير الدولية.