18 ديسمبر، 2024 6:56 م

قانون النفط والغاز الاتحادي، تحرك مفاجئ ومقلق يدعو الى الحذر والتحرك

قانون النفط والغاز الاتحادي، تحرك مفاجئ ومقلق يدعو الى الحذر والتحرك

قامت هيئة الرأي في وزارة النفط بمناقشة ومراجعة النسخة النهائية لقانون النفط والغاز الاتحادي وذلك في الجلسة التي عقدت يوم الاربعاء 24 شباط 2021. وفي بيان المكتب الاعلامي للوزارة فقد اكد وزير النفط احسان عبد الجبار اسماعيل على احالة هذه النسخة الى مجلس الوزراء للمصادقة عليها بعد الانتهاء من مراجعتها من قبل الجهات المعنية في الوزارة، ومن ثم سيقوم مجلس الوزراء بمراجعة هذه النسخة ،واحالتها بدوره الى مجلس النواب من اجل تشريع هذا القانون.

لم يوضح المكتب الاعلامي في بيانه المقتضب اية معلومات مهمة وجديدة عن مكونات ومضامين هذه النسخة النهائية لمشروع القانون ولا عن مدى قربها او بعدها عن أي من المسودات السابقة (والتي تزيد على ثلاثة) ولا تبنيها لاي من البدائل التي سبق تقديمها ولا الاطار الزمني لتشريع القانون ولا الاسباب الحقيقية التي دفعت الى هذا التحرك “المفاجئ ” في هذا الوقت بالذات وهل يتعلق التوقيت بموضوع اقرار قانون الموازنة 2021 او بالتواصل الجاري بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم (بضمها تحركات بعض السياسيين ورؤساء بعض القوى السياسية والدينية) او بانتهاء ولاية الحكومة الحالية ومجلس النواب في شهر تشرين اول- اكتوبر القادم حيث سيتم اجراء الانتخابات بعد تغيير موعدها من شهر حزيران او بوجود تنسيق مسبق (مخفي او معلن) بين الاعلان عن مشروع هذا القانون والتعديل المقترح للتعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية العراقية الذي يروج له رئيس لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب هيبت الحلبوسي… او كل هذه .. او بعض منها … او غيرها.

 

موضوع قانون النفط والغاز الاتحادي معقد وطويل ومسيَس لدرجة كبيرة ولازال قيد النظر لما يزيد على خمسة عشر عاما وقد كتب وكتبت عنه كثيرا طيلة تلك الفترة. وبسبب ضرورة واهمية وحتمية مناقشة هذه “النسخة النهائية” للقانون بشكل مهني تخصصي حمايةً للثروة الهايدروكاربونية وبما يخدم مصلحة العراق وحقوق الاجيال القادمة اجد من الواجب ابداء بعض الملاحظات وباختصار شديد.

اولا: من خلال تصريحات وزير النفط يبدو ان هذه “النسخة النهائية” للقانون قد نوقشت واقرت من قبل هيئة الرأي في الوزارة قبل او بدون علم او مساهمة ” الجهات المعنية في الوزارة “!

ويبدو ان نفس الاسلوب القديم لازال متنفذا حيث تم اقرار الصيغة النهائية باسلوب فوقي من قبل اعلى الهرم الاداري “توب داون Top-Down” مما يوحي للجهات المعنية في الوزارة بان هذا هو ما تريده قيادة الوزارة (ممثلة بهيئة الراي)؛ وهذا يدفع تلك “الجهات المعنية” اما الى الموافقة على مضض او عدم ابداء راي جدي معارض او ابداء ملاحظات شكلية لتسجيل موقف ودفعا للضرر (وكل ذلك تجنبا للمشاكل مع قيادة الوزارة).

ان استمرار تواصلي المباشر مع المعنيين والخبراء النفطيين داخل العراق (منهم من لازال في الخدمة ومنهم خارج الوزارة) تشير الى موقفين متداخلين: الاول هو حالة الياس والاحباط والثاني هو “لا يستمعوا الينا ولا ياخذوا بملاحظاتنا”. هذه الحلقة المفرغة والافتقار الى التشاركية الفاعلة لا تقود الى صياغة قانون جيد ذو فاعلية تنفيذية تعزز القطاع النفطي وتحقق مصالح الاقتصاد العراقي. ان الامثلة والشواهد الفعلية على فشل الاسلوب الفوقي في اتخاذ القرارات وفي اعداد وتشريع القوانين عديدة منها تفكيك مصفى ومستودع المفتية وهذا القانون بالذات وقانون الاستثمار الخاص في المصافي وقانون المحافظات وقانون شركة النفط الوطنية العراقية…فلماذا الاصرار على سلوك منهجية اثبتت الوقائع ليس فقط على عدم جدواها بل اضرارها الكارثية!!!!

ثانيا: منذ مطلع 2007 توجد مسودات عديدة لقانون النفط والغاز الاتحادي، ثلاث منها دخلت القنوات الرسمية بين السلطة التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (مجلس النواب). وخلال طيلت تلك الفترة كتب الكثير عن تلك المسودات (وان شخصيا نشرت العديد من الدراسات التحليلية عن تلك المسودات). باختصار استطيع التاكيد ان جميع تلك المسودات اصبحت قديمة غير ممكنة التطبيق على الاطلاق وذلك بسبب وجود خلل هيكلي وفجوات كثيرة وتناقضات كارثية في القانون ذاته، اضافة الى حقيقة ان جميع تلك المسودات قد تجاوزتها العديد من التطورات الاساسية المهمة والمؤثرة للغاية.

السؤال الملح والمهم يتعلق بمدى قرب او بعد هذه “النسخة النهائية” التي اعتمدتها هيئة الراي عن أي من المسودات السابقة!!

ثالثا: البدائل الثلاثة

قرر مجلس الوزراء في شهر كانون ثاني 2015 تشكيل “فريق متخصص” لمعالجة قانون النفط والغاز، وقدم الفريق في 16 اذار من ذلك العام ثلاثة بدائل: اعداد قانون جديد او تعديل مسودة القانون لعام 2007 او التفاوض مع حكومة الاقليم بشان القضايا الخلافية للقانون. لم يتم اتخاذ أي موقف ولكن معلومات مجلس الوزراء تشير الى احالة الموضوع، في شهر تشرين اول من ذلك العام، الى وزارة النفط لاستكمال دراسته!

من المحتمل ان تكون النسخة النهائية التي نوقشت حديثا اما قانونا جديدا بالكامل، حسب البديل الاول او تعديل لصيغة قانون 2007، حسب البديل الثاني اعلاه. ونظرا لاستحالة البديل الثاني للاسباب المذكورة في ثانيا اعلاه، تبقى احتمالية قانون جديد بالكامل عالية.

ولكن في هذه الحالة لابد ان يكون مشروع القانون الجديد مختلفا كليا وجذريا عن أي من صيغ القانون القديمة؛ وفي هذه الحالة فان تجربة السنوات الماضية منذ 2007 تشير الى ان هذا الامر يتطلب جهود مكثفة ومعقدة ولمدة طويلة وقد لا تنجح في النهاية، علما ان الفترة الزمنية لولاية الحكومة ومجلس النواب الحاليين محدودة بالانتخابات القادمة في شهر تشرين اول من هذا العام.

وعليه، لماذا العجلة في تمرير قانون معقد بهذه السرعة وبشكل مفاجئ وبدون حوار وطني وتخصصي واسع.

انني اخشى تسييس الموضوع وشرعنة عقود المشاركة في الانتاج لحكومة الاقليم التي تخدم مصالح الشركات النفطية الاجنبية على حساب مصالح الشعب العراقي وخاصة سكان الاقليم والتي تتعارض مع الدستور العراقي.

رابعا: القضايا المطروحة امام المحكمة الاتحادية العليا والتحكيم الدولي

لازالت الدعوة، التي اقامتها وزارة النفط الاتحادية على حكومة الاقليم ووزارتها المعنية، معروضة امام المحكمة الاتحادية العليا منذ حوالي عشر سنوات وذلك بسبب عدم تجاوب حكومة الاقليم في تقديم دفوعاتها امام المحكمة من جهة وعدم جدية رؤساء الحكومات العراقية، وخاصة عادل عبد المهدي، في المضي بالقضية لاسباب عديدة.

وبرايي انه من غير الصحيح (وليس بالضرورة غير القانوني) تقديم مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي قبل ان تصدر المحكمة الاتحادية العليا قرارها في القضية المطروحة امامها. وفي حالة الاصرار على تشريع القانون فانه بالتاكيد يكون عرضة للطعن به امام المحكمة الاتحادية في حالة شرعنة القانون لعقود المشاركة في الانتاج لحكومة الاقليم.

ونفس الامر ينطبق على دعوى التحكيم الدولي امام غرف التجارة الدولية في باريس والتي قدمتها وزارة النفط منذ عدة سنوات ضد الشركات والحكومة التركية لمخلفتيهما الاتفاقيات الدولية الموقعة بين البلدين وخاصة تلك المتعلقة بخط انبوب نفط كركوك- جيهان (والتي تقدر وزارة النفط والمعلومات المتوفرة على قرب اصدار الحكم الذي يتوقع ان يكون لصالح العراق وبمبلغ تعويض كبير). ان أي تحرك او قانون يشرعن عقود حكومة الاقليم سيساهم في خسارة العراق لهذه الدعوى لصالح تركيا ويسبب للعراق اضرار كبيرة وكارثية بعيدة الامد.

خامسا: توجيهات مجلس الوزراء

اوصى مجلس الوزراء، في 1 تشرين اول 2019، مجلس النواب بالتريث بشأن اقرار مشروع قانون النفط والغاز، “لحين انجاز مشروع قانون تعديل قانون شركة النفط الوطنية وانجاز مشروع قانون النفط والغاز المعروض على مجلس الدولة”.

وحسب اخر المعلومات لغاية تاريخه فانه لم يتم حسم جميع القضايا المتعلقة بمشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية بشكل نهائي ورسمي في مجلس النواب (هذا ما ساتناوله بالتفصيل في مداخلتي القادمة بعد بضعة ايام)، مما يعني ضرورة التزام وزارة النفط بالتريث ايضا لحين انجاز مشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية وذلك للترابط الشديد بين القانونين وضمان عدم التداخل او التناقض او التنافس بينهما.

وطبعا ينطبق نفس الامر على مجلس الدولة حيث يفترض ان يقوم المجلس في انجاز مشروع القانون المحال اليه بعد انجاز مشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية؛ علما ان مشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية جاء تنفيذا لقبول المحكمة الاتحادية العليا الطعن بمواد اساسية وعديدة في القانون رقم 4 لعام 2018.

في ضوء ما تقدم فانني ادعو:

جميع الاخوات والاخوة في وزارة النفط وخاصة قيادات “الجهات المعنية” في الوزارة ان يتعمقوا في تحليل وتقييم “النسخة النهائية” للقانون اخذين بنظر الاعتبار مصالح العراق والحفاظ على وحدة اراضيه وكيانه من دعوات التفكيك المبطنة. وانني على استعداد في تقديم الراي المهني المتخصص في جميع او أي جزء من القانون المقترح؛
كذلك ادعو كافة الخبراء والمعنيين والمتابعين والمواطنين للتهيئة الى مواجهة القانون المقترح اذا اتضح انه يعمل بالضد من المصلحة الوطنية العليا لصالح أي جزء من العراق على حساب الاجزاء الاخرى و/او انه يشرعن عقود المشاركة في الانتاج لحكومة الاقليم و/او يتعارض مع الدستور؛
كما ادعو مخلصا الاخوات والاخوة في مجلس النواب توخي الحيطة والحذر عند مناقشة مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي وكذلك مشروع التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية؛
لقد كتبتُ ونشرتُ الكثير حول هذين القانونين باللغتين العربية والانكليزية وانني مستعد لتزويدها لمن يرغب في الاطلاع عليها او أي منها.