القسم الثاني
في سلسلة مقالات ( الزعيق ) وبالرقم (75) في 10/10/2015 ، كتبت بعنوان ( قانون المحكمة الإتحادية العليا ورئاسة السيد مدحت المحمود لمجلس القضاء الأعلى ) ، موضحا أنه وبموجب أمر سلطة ( الإحتلال ) الإئتلاف المؤقتة رقم (35) في 18/9/2003 ، تم تشكيل مجلس القضاء الأعلى ، على أن يكون رئيس محكمة التمييز رئيسا له ، ولما كان السيد مدحت المحمود رئيسا لمحكمة التمييز ، فقد أصبح رئيسا لمجلس القضاء الأعلى إعتبارا من 18/9/2003 ، وإستنادا إلى أحكام المادة (44) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية الصادر في نهاية العام 2003 ، والقسم الثاني من ملحقه الصادر في 1/6/2004 ، الذي أعتبر بالنص على إنه ( القانون الأعلى للبلاد ، ويكون ملزما في أنحاء العراق كافة وبدون إستثناء ) ، مع إستمرار سلطة الإحتلال المؤقتة بإصدار أوامرها خلال المرحلتين المؤقتة والإنتقالية ، التي تبدأ من 30 حزيران 2004 وإلى حين تشكيل حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور دائم ، في موعد أقصاه 31 كانون الأول 2005 ، وفي زمن رئاسة السيد إياد علاوي لرئاسة الوزراء صدر قانون المحكمة الإتحادية العليا رقم (30) في 24/2/2005 ، على أن يكون رئيس المحكمة المذكورة رئيس مجلس القضاء الأعلى بدلا من رئيس محكمة التمييز ، ولما كان السيد مدحت المحمود رئيسا لمجلس القضاء الأعلى بحكم منصبه رئيسا لمحكمة التمييز ، فقد تم تعيينه رئيسا للمحكمة الإتحادية العليا المشكلة بموجب قانونها أعلاه ، لغرض إستمراره في رئاسة مجلس القضاء الأعلى ، وبذلك جمع بين مسؤوليته لأكبر ثلاث سلطات قضائية في آن واحد ، إلى حين تعيين رئيس لمحكمة التمييز .
* لقد نصت المادة (3) من قانون المحكمة على أن ( تتكون المحكمة الإتحادية العليا من رئيس وثمانية أعضاء ، يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة بناء على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى بالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم ، وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة (هـ) من المادة (44) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية ) . وعليه فإن تحديد أعضاء المحكمة بتسعة قضاة وكيفية تعيينهم وبأي صيغة مختلفة . ليس بجديد كما يظن ويشاع ، لسهولة التلاعب بالألفاظ إداريا وبدوافع سياسية ، ولكن الغريب أن تنص أحكام المادة (6/ثالثا) من القانون على أن ( يستمر رئيس وأعضاء المحكمة الإتحادية العليا بالخدمة دون تحديد حد أعلى للعمر ، إلا إذا رغب بترك الخدمة ) ، بمعنى ديمومة بقاء المذكورين في مناصبهم من أجل بقاء المقصود إلى حين تركه للمنصب حسب رغبته الشخصية ، على حد المثل الشائع ( من أجل عين ألف عين تكرم ) ، مع إن نص البند المذكور هو بيت الداء في القانون ، لتعارضه مع عدم إمكانية إستمرار كامل الأهلية المطلوبة في العمل لمدى غير محدود ، خاصة عند إشغال الوظائف أو المناصب المهمة والحساسة في الدولة ، التي يتطلب تأدية مهامها وواجباتها جهدا متميزا وبمقومات صحية صحيحة وسليمة ، لما يتركه تقادم العمر من آثار سلبية على مستوى الأداء الفعلي للإنسان ، خارج حدود إرادته ورغباته وإمكانياته الذاتية ، خاصة بالنسبة للمصابين منهم بمرض جنون العظمة ، والمتشبثين بالوظيفة أو المنصب من أجل الجاه والسلطان وتحقيق المصالح الشخصية على حساب الصالح العام بشكل غير منقطع أو ممنوع ، أو الذين يعتقدون في عدم وجود من يحل محلهم ، وكأني بهم وقول الشاعر أبي العلاء المعري ( وإني وإن كنت الأخير زمانه … لآت بما لم تستطعه الأوائل ) ، أو ممن يعتقدون أن في ترك الوظيفة أو المنصب في الخدمة العامة نهاية لحياتهم الشخصية والعامة ، مثلما حصل للمرحوم جلال الطالباني من سوء الخاتمة المتكتم على تفاصيلها ، إلا إن ما سيحصل للسيد مدحت المحمود المتشبث بالمنصب ، وهو في منأى عن الإبعاد أو الإستبدال أو الإقالة ، إلا إذا رغب بترك الخدمة بناء على طلبه بالإستقالة أو بالتقاعد . قد يكون مشابها ، ولكن أكثر الناس لا يتعظون ؟!.
* كما نصت المادة (6) من القانون موضوع البحث ، على أن ( أولا- يتقاضى رئيس المحكمة الإتحادية العليا وأعضاؤها راتب ومخصصات وزير . ثانيا- يتقاضى كل من رئيس وأعضاء المحكمة الإتحادية العليا عند تركهم الخدمة ، راتبا تقاعديا يعادل (80%) من مجموع ما يتقاضاه كل منهم شهريا قبل إنقطاع صلتهم بالوظيفة لأي سبب كان ، عدا حالتي العزل بسبب الإدانة عن جريمة مخلة بالشرف أو بالفساد والإستقالة من دون موافقة مجلس الرئاسة ) . وهي من الإمتيازات الخاصة التي دأبت حكومات الإحتلال على إعتمادها ، دون وضع الضوابط والمعايير الواضحة واللازمة لها ، ومنها أن من يعين براتب أو بدرجة وزير ليس وزيرا من الناحية البروتوكولية ، وكذلك الحال بالنسبة لمن يعين براتب وظيفة أو منصب أعلى من وظيفته أو منصبه ، بسبب العلاقات الحزبية والسياسية القائمة في ضوء المجاملة والمحاباة ؟!. البعيدة والخالية من الأسس والقواعد المهنية ؟!. إلى حين إلغاء ما يتعلق بالراتب التقاعدي المنصوص عليه في البند (ثانيا) أعلاه ، بموجب أحكام الفقرة (ط) من البند (أولا) من المادة (38) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 ، إن تم وصح تطبيقه فعلا ؟!.
*ولما كان قانون المحكمة الإتحادية نافذا إعتبارا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 17/5/2005 ، دون أن يكون هنالك من تحديد لمدة خدمة رئيس وأعضاء المحكمة ، فإن من المعيب أن تحدد مدة الخدمة فيها ب (12) سنة ، كما صرح بذلك السيد مدحت المحمود للأسف الشديد ؟!، وهو إجتهاد شخصي وخاطئ وغير متوقع صدوره منه ، وهو رجل القانون والقضاء الأول في العراق ، لأن القاضي وبموجب قوانين الخدمة العامة أو الخاصة ، تتحتم إحالته إلى التقاعد إذا بلغ من العمر ( 63-70 ) سنة ، وما جواز الخدمة طول العمر إلا بدعة إدارية ومخالفة صريحة لجميع المعايير والقواعد المعمول بها منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 . والغريب أن تؤكد المحكمة الإتحادية ذاتها والمختصة بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة ، ببيانها المؤرخ في 26/10/2019 ، نفي أن يكون رئيسها القاضي مدحت المحمود يشغل وظيفة رئيس مجلس القضاء الأعلى ، الذي يشغله القاضي فائق زيدان رئيس محكمة التمييز الاتحادية منذ بداية عام ٢٠١٧ ولغاية الآن ، وذلك بعد صدور قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (٤٥) لسنة ٢٠١٧ . دون التطرق إلى عدم دستورية قانون المحكمة ، وعدم جواز إستمرارها في عملها منذ 28/12/2005 خلافا للدستور والقانون ؟!. وما هو الموقف من عدم سلامة قراراتها من العيوب التي تؤدي إلى بطلانها منذ التأريخ المذكور آنفا ؟!