23 ديسمبر، 2024 4:43 ص

قانون العمل النافذ في الميزان

قانون العمل النافذ في الميزان

القسم الثاني عشر -4-
إستكمالا لما قدمناه في القسم العاشر ، وإيضاحا لما تضمنته بنود المادة (6) من القانون ، نود بيان التوجهات الفكرية والعقائدية المختلفة تأريخيا كما يأتي :-

ثالثا : القضاء الفعلي على عمل الأطفال .

-* نصت المادة (29/ ثالثا) من الدستور ، على أن ( يحظر الإستغلال الإقتصادي للأطفال بصوره كافة ، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم ) .

-* قد تكون نصوص الدستور صحيحة ومتطابقة مع متطلبات الواقع ، في ظل دولة قائمة بمؤسساتها وعلاقاتها التنظيمية على حسن السلامة والرسوخ التطبيقي ، أما بعد إحتلال العراق في 9/4/2003 وحتى الآن ، فقد تم تفكيك كيان الأسرة بعوامل قذرة ، حين أتخذت المعتقلات والسجون العلنية والسرية بديلا عن بيت العائلة ، وسبيلا لتحقيق غايات وأهداف شاذة وهدامة ، وذلك بنزع روابطها وإبعادها عن مكان وزمان بنائها ونموها وتطورها الطبيعي ، كما تم تفتيت القيم الدينية بتحويلها إلى صور وممارسات سياسية مهلكة ، جندت لها السلطات كافة إمكانياتها العامة بهدف إستفزاز وإستنفار قوى الرفض لدى الآخرين ، كما ساعدت البطالة التي أصابت مقتل قدرات وإمكانات القوى العاملة ، على إنعاش الشعور بالإحباط من مستقبل غير واعد بتلبية حاجياته الأساسية ، مما زاد في نسبة إستخدام وسائل وسبل توفير المتطلبات بشكل غير سوي ، وبإتجاه بناء السيء من العلاقات الإجتماعية ، لإبتعادها عن المتعاهد من روابط نسيجها وتآلفها الإنساني والأخلاقي ، أما القيم الوطنية فلا أثر لها في ظل محاربة معاني ومفاهيم المقاومة الوطنية العراقية لقوات الإحتلال بكل أشكالها وألوانها وأنواعها ، وفي وسط بثت فيه الفرقة بين أبنائه لإشعال نار الفتنة المذهبية في عامي 2006-2007 بشكل خاص ، ولربما قد يحصل في المستقبل ما يضرم نار حرب أخرى ، من أجل التفرد أو الحفاظ على مقاليد السلطة أيا كان شكلها أو نوعها ، ما دام هنالك من يستجدي رضا وود هذا أو ذاك من دول الجوار القريب أو البعيد على حساب مصلحة الوطن والشعب ، وإلا بماذا نفسر إعلان قائد قوات القدس الإيرانية نهاية شهر كانون الثاني من العام 2012 من ( خضوع العراق لإرادة إيران ) ، دون رد أي من أعضاء السلطات العراقية ببنت شفة ، مثلما ينبري البعض في رد تصريحات أي مسؤول أخر من دول الجوار الأخرى ، وإن كانت أقل حدة وخطورة ، أوليس ذلك ما يؤكد إستخدام إزدواجية معايير التعامل في العلاقات الدولية ، المتسببة في ترسيخ ضعف الشعور بالإحساس الوطني المطلوب .

أما الحديث عن تكفل الدولة بحماية الأمومة والطفولة والشيخوخة ، ورعاية النشئ والشباب وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم ، فلم نلمس منها غير الذي نقرأه في نصوص الدستور ، وتلك هي المرأة والطفل والشيخ عناوين إستدرار للعواطف عند الحاجة ، بعدما أصبحوا رهائن صراعات سياسية وطائفية إنتهت بالتهجير والعنف المكلل ببراقع مخيمات النزوح والحرمان والفقر والتشرد ، والتيه والضياع في شوارع وأزقة ومحلات وأحياء مدن ومحافظات العراق ودول الجوار القريبة والبعيدة ، تسكن مفارق طرقها وأرصفتها عوائل تركت بيوتا آمنة دافئة ، ولا أدري ما الذي تكفلت به الدولة من أجل سعادة طفل وحماية إمرأة ورعاية شيخ ، وهي تبتعد في مسيرتها عما يؤمن الحياة الحرة الكريمة لأطفال ونساء باتوا في صور الشيخوخة المبكرة ، أو يحفظ هيبة ووقار شيخ نالت منه عاديات الزمن الرديء . ولا تقل صور البؤس في رعاية النشئ والشباب ، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم عن غيرها ، لأن الرعاية تعني تقديم الخدمات المهنية والمجهودات المنظمة ، ذات الصبغة الوقائية والإنمائية والعلاجية للناشئة والشباب ، بهدف مساعدتهم على الوصول إلى حياة تسودها علاقات تنسجم ورغباتهم وإمكانياتهم المتوافقة مع آمال وطموحات المجتمع الذي يعيشون فيه ، مما يستلزم إعادة صياغة الأهداف الحقيقية للرعاية بما يحقق تنمية الشخصية بشكل متكامل ، سواء بإستثمار القدرات المتاحة أو بإستغلال أوقات الفراغ بما ينفع المجتمع ، للحؤول دون وقوع الناشئة أو الشباب في منزلقات الإنحرافات الناتجة عن سوء إستثمار الطاقات الكامنة ، كما تقتضي الرعاية إهتمام الدولة بمن سيتولون مسؤولية الإرشاد والتوجيه والتعامل المباشر مع الناشئة والشباب ، بإختيار أفضل العناصر ، والعمل على إستمرار تدريبهم ورفع قدراتهم المتوازية مع درجات التغيير المطلوب زمنيا ، من أجل بناء جيل يفقه مصلحته ودوره في إقامة مجتمع يسوده الإستقرار ، وتتفاعل عوامل نهضته مع متطلبات تطوره ورقيه وتقدمه العلمي والحضاري .

إن ضمان حقوق الآباء على الأبناء في الرعاية والإحترام في حالات العوز والعجز والشيخوخة ، لا تؤمنها إجراءات السلطات السياسية عند إعتقال وسجن وتهجير وقتل الأبناء ، أو تركهم فريسة ثقافات همجية عدوانية شرسة لا يكون الناجي منها إلا معوقا أو مجرما محترفا ، وفي ذات السياق لا يكون للآباء دور في رعاية أبنائهم وتربيتهم وتعليمهم ، عند غياب الأجواء الخالية من العنف والتعسف والإضطهاد والقمع والحرمان المجتمعي العام ، أو يمنع من إنتشار مظاهرها نصوص دستور أو قانون لا يطبق منهما غير ما يخالفهما ، كما لم يشهد العراق إستغلالا إقتصاديا للأطفال ، مثلما جرى لهم بعد الإحتلال في سنة 2003 وحتى الآن ، حيث بدأت تنتشر وتتوسع في المجتمع العراقي ظاهرة تشغيل الأطفال ، على الرغم مما تتركه من أثار سلبية على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص ، ولعل الأنكى تعاسة من ضرورات وأسباب التشغيل ، هو أن يتخذ الأطفال أدوات تسخير في أعمال غير مؤهلين للقيام بها جسديا ونفسيا ، مع إن العديد من الاتفاقيات الدولية قد حرمت الاستغلال الاقتصادي للأطفال ، ومنها إتفاقية حماية الطفل ، ففي عام 1989 أقر زعماء العالم بحاجة أطفال العالم إلى إتفاقية خاصة بهم ، لأنه غالبا ما يحتاج الأشخاص دون الثامنة عشرة إلى رعاية خاصة وحماية لا يحتاجها الكبار ، كما أراد الزعماء أيضا ضمان إعتراف العالم بحقوق الأطفال . وتعتبر إتفاقية حقوق الطفل الصك القانوني الدولي الأول الذي يلزم الدول الأطراف من ناحية قانونية بدمج السلسلة الكاملة لحقوق الإنسان ، أي الحقوق المدنية والسياسية ، إضافة إلى الحقوق الثقافية والإجتماعية والإقتصادية . وقد حققت الإتفاقية القبول العالمي تقريبا . وتسترشد اليونيسف بتنفيذها لهذه المهمة بنصوص ومبادئ إتفاقية حماية الطفل التي تتضمن (54) مادة ، وبروتوكولان إختياريان . وهي توضح بطريقة لا لبس فيها حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان ودون تمييز، وهذه الحقوق هي ( حق الطفل في البقاء ، والتطور والنمو إلى أقصى حد ، والحماية من التأثيرات المضرة ، وسوء المعاملة والإستغلال ، والمشاركة الكاملة في الأسرة ، وفي الحياة الثقافية والإجتماعية . وتتلخص مبادئ الإتفاقية الأساسية في ( عدم التمييز ، وتضافر الجهود من أجل المصلحة الفضلى للطفل ، والحق في الحياة ، والحق في البقاء ، والحق في النماء ، وحق إحترام رأى الطفل ) . وكل حق من الحقوق التي تنص عليه الإتفاقية بوضوح ، يتلازم بطبيعته مع الكرامة الإنسانية للطفل وتطويره وتنميته المنسجمة معها . وتحمي الإتفاقية حقوق الأطفال عن طريق وضع المعايير الخاصة بالرعاية الصحية والتعليم والخدمات الإجتماعية والمدنية والقانونية المتعلقة بالطفل . وبموافقتها على الإلتزام ( بتصديقها على هذا الصك أو الإنضمام إليه ) ، تكون الحكومات الوطنية قد ألزمت نفسها بحماية وضمان حقوق الأطفال ، ووافقت على تحمل مسؤولية هذا الإلتزام أمام المجتمع الدولي . وتلزم الإتفاقية الدول الأطراف بتطوير وتنفيذ جميع إجراءاتها وسياساتها على ضوء المصالح الفضلى للطفل .