بسم الله الرحمن الرحيم
(( أهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )) .
لقد فهم كثير من الناس هذه الآية الكريمة على غير مقاصدها التي تعني تسخير جهد البعض للبعض الآخر ، من خلال أداء أنواع الخدمة وتبادل المنفعة فيما بينهم ، لقاء ما يقابلها مما في يد الآخر من الفضل ، أي جعل البعض للبعض سببا في تأمين وسائل العيش في الحياة الدنيا مع إختلاف درجاتها ، فمن كل حسب إختصاصه ومؤهلاته العلمية أو المهنية والحرفية العملية والتطبيقية ، ولكل حسب جهده وعمله الفكري أو البدني ، وليس بمخالفة ذلك ، إلا في حالات الإستثناء المعبر عنها بالقوة القاهرة (المرض والعجز) ، إلا إن البعض أراد حصرها في مفهوم التفاوت الطبقي السلبي ، طعنا في الدين ، على الرغم من الإقرار بديمومة الإختلاف في مقادير ونوعية الإمكانيات المادية والمعنوية للإنسان ، وفي الصنف الواحد من مصادر الوظيفة ( الرزق ) ومواردها المالية ، وكذلك الإدعاء الساذج بإستخدامها بمعنى السخرية أو الإستهزاء ، أو إستغلال عمل البعض للبعض الآخر ( بالسخرة ) لصالح أحدهما كرها أو قسرا ، بحكم المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا ، مما ألزم المنظمات الدولية والحكومات على إختلافها ، بتثبيت تحريم ( السخرة ) في قوانينها ، ومنها المادة (37/ثانيا) من الدستور العراقي ، حيث ( يحرم العمل القسري – السخرة – ) ، تلافيا لإشكاليات الخلط بين توجهات المفاهيم المختلفة نظريا .
أما قول الله جل في علاه : (( وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) ، فهو أمر تكليف بالعمل على وفق الإستطاعة ، بإطلاق وصفه دون تحديد نوعه وصنفه ، لتأمين مستلزمات حاجات الإنسان والقيام بواجباته ، بالصيغ والوسائل والأساليب المتفقة مع النظام العام والآداب ، وبما يؤكد أن العمل حق وواجب ، بما يتناسب وقدرة وقيمة الإنسان في الحياة المدنية الكريمة ، وليس كما نصت عليه المادة (22/أولا) من الدستور ، من أن ( العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة ) . أو نص المادة (4) من قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 ، لأن حق المواطن على الدولة واجبها في أن توفر له فرص العمل المناسبة ، وحق الدولة على المواطن أن يؤدي ما عليه من واجبات والتزامات ، ولأننا من الشعوب الحية التي تدرك معنى العمل في الحياة ، وما يمثله من سمات الرفعة والعزة والكرامة والمكانة اللائقة في المجتمع ، فلا بد من أن تثبت في دستورها الوضعي جملة ( العمل حق وواجب ) ، وإلا أصبح العمل ترفا لا يمارسه إلا من يطالب به كحق غير قابل للتنفيذ ، وبذلك ترفع مسؤولية وواجب الدولة في توفير فرص العمل اللازمة والكافية ، كما هو شأنها بعد إحتلال العراق ولغاية الآن ، حيث البطالة بين صفوف الشعب منتشرة ، والمعامل والمصانع الإنتاجية معطلة ، ولن نجد في غير ترديد الشعارات المستنكرة ، وسيلة لإجترار أدنى درجات الإلتزام بتحقيق العدالة الإجتماعية الفاعلة . حيث أصبح حق ممارسة التسول خارج إطار جميع المفاهيم والمبادئ السامية ، بديلا مخزيا لواجب وحق العمل إجتماعيا وإقتصاديا ووطنيا حضاريا أصيلا ، إلى حد بلوغ تلك الظاهرة السلبية ، أعلى درجات السوء المنظم فحشا وبذاءة ، على الرغم من إتساع مساحة الإستياء الرافض لها عرفا ، ولكن من دون معالجتها بوسائل وأساليب حظر ممارستها وفقا لأحكام قانون العقوبات النافذ .
إن مسؤولية السلطات الثلاث وبالتعاون والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني واجبة وملزمة ، ما دامت النقابات تعنى بتمثيل ورعاية شؤون فئة أو صنف من العاملين ، وذلك في أن تضع الحلول اللازمة لمعالجة كل إخفاقات إستخدام اليد العاملة ، وعدم حسن إستثمارها بالشكل المناسب والمطلوب ، إنطلاقا من مهمة تنظيم ممارسة الحرف والمهن والإختصاصات العلمية والتطبيقات العملية ، حسب محددات التكليف القائم على الإختيار بالإنتخاب .
تلك مقدمة أولى لوضع قانون العمل النافذ رقم (37) لسنة 2015 على بساط البحث والمناقشة … آملين مشاركتكم الفاعلة … لأنها الأفضل في ميزان الإصلاح والتغيير … بمعايير المهنية في محاربة الفساد التشريعي … أساس كل حالات الفساد الإداري والمالي والتربوي …