23 ديسمبر، 2024 5:20 ص

قانون الحرب وأخلاقياته عند خاتم الأنبياء

قانون الحرب وأخلاقياته عند خاتم الأنبياء

أتفق محدثوا الشيعة ومؤرخوهم،ان وفات النبي صلى الله عليه وآله كانت يوم الإثنين في الثامن والعشرين من شهر صفر،من السنة الحادية عشرة للهجرة.
لا ينبغي ان تمر علينا ذكرى رحيل أعظم شخصية إنسانية،وأعظم رسول إلهي،دون ان ننتهل ونغترف من سيرته العطرة الطيبة المقدسة، ونتخذ منها منهجاً عملياً في جميع مناحي حياتنا الفردية،والاجتماعية، والسياسية ،في كل زمان ومكان،فالقرآن يصرخ بنا ويدعونا كل يوم،ويقول لنا:(لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة)،إذن يجب على جميع المسلمين التأسي والأقتداء به صلى الله عليه وآله.
أود كتابة موضوعاً أخلاقياً في خلق وسيرة النبّي” صلى الله عليه وآله”في الحروب، وكيف كان يتعامل مع أعدائه،لأهمية-الموضوع- الشديدة في وقتنا الراهن،من حيث ان هذه العصابات التكفيرية المتطرفة، التي تدعي الإسلام-والإسلام ورسوله منها براء-كداعش،والنصرة والجهاد،التي فرختها الفرقة الوهابية الضآلة،شوهت صورة الإسلام،وحقيقة الدين المحمدي الأصيل.
عن أمير المؤمنين”عليه السلام”في وصف النبي”صلى الله عليه وآله”قال:(…ولقد قرن الله به”صلى الله عليه وآله”من لدن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته،يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم، ليل ونهاره،ولقد كنت أتبعه اتبّاع الفصيل أثر امّه،يرفع في كل يوم من أخلاقه عَلَماً،يأمرني بالاقتداء به…)،نهج البلاغة.
أشتهر رسول الله”صلى الله عليه وآله”،طوال حياته،بصدق الحديث، وأداء الأمانة،والأخلاق الحميدة،بين قومه وعشيرته.
يقول المستشرق كارليل الانگليزي في كتابه” الأبطال”:مهما كان المرء متكتماً متستراً على أعماله وأفكاره، فإنّه لا يستطيع بحال أن يخفي تفاصيل حياته عن ذويه وأقاربه،ولو كان لمحمد حالات نفسية،أو أفعال سيئة لما خفيت على أقربائه،ولما كان ينقادون إليه بمثل هذه السرعة.
قال تعالى:(وإنّك لعلى خلق عظيم)، يروي أرباب السير في سيرته،”صلى الله عليه وآله”أنّه كان إذا بعث بالجند أوصاهم ووعظهم فقال: ((أذهبوا على أسم الله،وأستقيموا بالله،وجاهدوا لله وعلى ملة رسول الله. أيها الناس،أجتنبوا المكر،ولا تستحلوا السرقة في الغنائم،ولا تمثّلوا بمن يقتل من الكفار،فلا تسملوا عيناً،ولا تقطعوا،ولا تقطعوا أذناً أو عضواً،ولا تؤذوا شيخاً أو امرأة أو طفلاً؛ ولا تقتلوا راهباً سكن في كهف أو غار؛ ولا تقطعوا شجرة من أصلها إلاّ لضرورة،ولا تحرقوا نخلة،ولا تغرقوا بالماء زرعاً،ولا تقلعوا شجرة مثمرة،ولا تحرقوا الحرث والزرع،فأنتم له محتاجون؛ ولا تهلكوا حيواناً حلّ لحمه،إلاّ ما كان نصيباً للقوت؛ ولا تسمّموا ماء المشركين أبداً، ولا تلجأوا إلى الحيلة)).
يروي المؤرخون كأبن هشام،وغيره،ان رسول الله صلى عليه وآله،عندما تغلب على يهود خيبر،عاملهم معاملة حسنة ،وشملهم بعفوه،ولطفه رغم كل ما ارتكبوه في حقه،من ظلم وجناية وتأليب للعرب الوثنيين ضد الإسلام، وأقترح عليهم ان يترك أراضيهم وبساتينهم بأيديهم،ليغرسوا أو يزرعوا ما يريدون من الشجر،مقابل نسبة من المحصول تدفع له،وكان في مقدوره” صلى الله عليه وآله”كأي فاتح آخر،أن يريق دمهم جميعاً.
جاء في”المغازي”،والبحار،والسيرة النبوية:عندما دخل جيش المسلمين الى مكة،أحد قادة الجيش،أخذ ينادي حين دخول مجموعته العسكرية من أحدى مداخل مكة: اليوم يوم الملحمة..اليوم تسبى الحرمةفغضب رسول الله صلى الله وآله لهذا الشعار وقال رداً عليه: ((اليوم يوم المرحمة))كما أنه أمر-لغرض تأديب من أطلق الشعار-بأخذ اللواء منه،وأعطاه الى شخص آخر،وقيل أنّه صلى الله عليه وآله عزله عن قيادة المجموعة.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله أعلن عن العفو العام عن جميع أهل مكة بقوله: ((ألا لبئس جيران النبي كنتم،لقد كذّبتم،وطردتم،وأخرجتم،وآذيتم،ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني إذهبوا فأنتم الطلقاء)).
يروي الطبري في تاريخه:عندما أفتتح حصن”القموص”سُبيت”صفية بنت حيي بن أخطب”وامرأة أخرى فمرّ بهما”بلال” على القتلى فصاحت صفية صياحاً شديداً جزعه مما رأت،فكره رسول الله صلى الله عليه وآله ما صنع بلال وقال صلى الله عليه وآله: ((أذهبت مِنك الرحمة؟تمر بجارية حديثة السنّ على القتلى؟)).
بعد ذلك طيّب رسول الله- صلى عليه وآله-خاطرها،وأحترمها وعين لها مكاناً خاصاً للاستراحة في المعسكر،وأختارها زوجة لنفسه. تركت أخلاق رسول اللّه صلى عليه وآله،وتعامله الإنساني الرفيع مع” صفية”أثراً حسناً في نفسها،فقد صارت في ما بعد من أزواج النبي الوفيات المخلصات،وقد حزنت عند وفاته،وبكت له أكثر من بقية أزواجه.
ذكر الإستاذ المحقق الشيخ سبحاني في”سيرة سيد المرسلين”:((في منتصف يوم الإثنين الثامن والعشرين من شهر صفر طارت روح النبي الأكرم المقدّسة الى بارئها، وإلى جنات الخلد،فسجّى ببرد يماني، ووضع في حجرته بعض الوقت، وأرتفعت صرخات العيال،وعلا بكاء الأقارب فعرف من كان في خارج المنزل أن النبي صلى الله عليه وآله قد مضى،فلم يلبث أن انتشر نبأ وفاته في كل أنحاء المدينة التي تحولت بسرعة إلى مناحة كبرى ومأتم عظيم…
وهكذا غربت شمس أعظم شخصية غيّرت مسار التاريخ،وأعظم رسول إلهي فتح أمام الإنسانية صفحات جديدة ومشرقة من الحضارة والمدنية.