18 نوفمبر، 2024 3:51 ص
Search
Close this search box.

قانون التقاعد الجديد .. نعمة أم نقمة .. للموظفين

قانون التقاعد الجديد .. نعمة أم نقمة .. للموظفين

من الملاحظ إن اغلب القوانين التي صدرت خلال السنوات الأخيرة تتضمن نصوصا لاتنطبق مع أهدافها الحقيقية , وفي مقدمة ذلك الدستور النافذ حاليا والذي اتفق الجميع على وصفه بأنه مليء بالثغرات , والأسباب التي تقف وراء ذلك باتت معروفة للجميع , فمشاريع القوانين المحالة من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب باعتباره المصدر الوحيد للتشريع , تخضع إلى العديد من التعديلات التي تبدأ من القراءة الأولى ومن ثم اللجان المختصة للمجلس التي تحيله إلى القراءة الثانية , وفي مرحلة التصويت تبدأ التوافقات التي غالبا ما تفسد نكهة القوانين .

وغالبا ما تشهد القوانين ذات العلاقة المباشرة بحياة ومستقبل الأغلبية من المواطنين , مشاكسات واعتراضات وانسحابات من البرلمان مصحوبة بوابل من التصريحات الإعلامية التي تتناولها الصحف والفضائيات كمادة دسمة لتشويق الجمهور , وفي تلك الفعاليات نشاهد الجميع يعربون عن حرصهم على مصالح المواطنين والوقوف بالضد من اجتزاء الحقوق , ولكن بعضهم تكون لهم مواقف بعكس تصريحاتهم عند التصويت , وفي ظل هذه الدربكة يبقى المواطن معلقا آماله على صدور القانون دون النظر إلى التفاصيل , وعندما يطبق القانون يبدأ باستشعار القنابل التي وضعت لأنها تحدث أضرارا بالفعل .

وينطبق ذلك تماما على قانون التقاعد الموحد رقم لسنة 2014, فبعد اختلافات وتوافقات صدر القانون وتحول إلى أكثر القوانين مثارا للجدل نظرا لإقحام نصوص لاعلاقة لها بالأصل سيما ما يتعلق بالمادتين 37 و38 , وتم إدراج مجموعة من النصوص المحبطة ومنها ماورد في التسلسل سادس عشر من المادة ( ا ) وبموجبها تم تعريف الراتب الأخير للموظف بأنه معدل الراتب الوظيفي خلال 36 شهرا قبل الإحالة إلى التقاعد , فقد جاء هذا النص على خلاف المفهوم الاعتيادي للراتب الأخير, والذي هو عبارة عن آخر راتب يتقاضاه الموظف في خدمته قبل إحالته إلى التقاعد , فقد أخذت بهذا التعريف اغلب قوانين التقاعد السابقة .

وهذا القانون استخدم لأغراض الدعاية الانتخابية بشكل سافر , حيث تضمن نص المادة (42 ) منه ( ينشر في الجريدة وينفذ من تاريخ 1/1/2014 ) وكان المفروض أن لاينفذ لسببين , أولهما عدم تفعيل المادة (41 ) والتي نصت على ( يصدر وزير المالية تعليمات لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القانون ) وهذه التعليمات لم تصدر حتى يومنا هذا , وثانيها إن تطبيق القانون ينطوي على التزامات مالية جديدة لا تستطيع الحكومة الإيفاء بها لعدم المصادقة على موازنة 2014 , فصلاحية صرفها هي بحدود 1/12 من النفقات الفعلية لسنة 2013 وهذه النسبة لاتغطي إطلاقا الزيادة الحاصلة في الرواتب التقاعدية , والتي رفعت حدودها الأدنى إلى 400 ألف دينار بدلا من 210 ألف دينار , ناهيك عن الزيادات الأخرى في رواتب المتقاعدين الآخرين والتي تكلف بمجموعها كذا تريليون دينار.

ولكن هيئة التقاعد الوطنية قامت بصرف الرواتب التقاعدية مع زياداتها في بداية شهر نيسان الماضي وبأثر رجعي ابتداءا من 1/1/2014 , وكما هو معروف فان بداية نيسان هي بداية الدعاية للانتخابات , ولا نعلم من أين جاءت هذه المقدرة العالية لهيئة التقاعد الوطنية لكي تعيد احتساب الرواتب التقاعدية لأكثر من مليوني متقاعد خلال عدد محدود من الأيام لكي تبدأ الصرف مع بداية نيسان وبدون أي تأخير, رغم إن المراجعين لدوائر التقاعد لهم ذكريات حزينة معها لان الحصول على كتاب تأييد يستغرق عدد غير محدود من الأيام أو الأسابيع , ونشير مرة أخرى بان تعليمات المالية لتسهيل تنفيذ القانون لم تصدر بعد .

ومن النصوص التي أثارت استياء الموظفين المستمرين في الخدمة , هو ماورد في نص المادة (17) من القانون والمتضمن استقطاع توقيفات تقاعدية شهرية بنسبة 25ٌ% من الراتب(10% يتحملها الموظف و15 % تتحملها الخزينة العامة) , وقد أصدرت وزارة المالية تعليماتها باستيفاء مبالغ التوقيفات التقاعدية بعد انتهاء الحملة الدعائية للانتخابات وبأثر رجعي أي من 1/1 للعام الحالي , وقد ترتب عن ذلك زيادة التوقيفات التقاعدية من 7% بموجب قانون التقاعد الموحد رقم 27 لسنة 2006 الذي ألغاه القانون الجديد إلى 10% أي بزيادة قدرها 3% شهريا في , حين إن حصة الخزينة قد أصبحت 15% بعد أن كانت 14% أي بزيادة مقدارها 1% من الراتب الشهري .

ويتساءل الموظفون , لماذا يزيد القانون نسبة الموظفين أكثر من نسبة الدولة فهل الدولة فقيرة ؟ ومن أين ستدفع الدولة هذه التوقيفات أليس من أموالنا ؟ ولماذا تأخرت المالية في الاستقطاع بحيث أصبح لزاما على الموظفين بتسديد نسبة 13% من رواتبهم الشهرية لحساب التوقيفات التقاعدية ؟ , وماذا سيتبقى من الراتب لكي نعيش؟ كما يتساءلون لماذا وافقت الدولة على تقسيم المواطنين إلى فئتين الأولى هم الموظفين المحالين إلى التقاعد بعد 1/1/2008 حيث ستقوم وزارة المالية بدفع مبالغ رواتبهم التقاعدية إلى صندوق تقاعد موظفي الدولة استنادا إلى نص التسلسل (و) من الفقرة (أولا ) من المادة ( 9 ) من القانون , وفئة الموظفين الذين يحالون إلى التقاعد بعد 1/1/2014 والذين سيدفع الصندوق رواتبهم التقاعدية من التوقيفات التقاعدية التي تستقطع من الموظفين الحاليين ؟.

إن استقطاع 10% من رواتب الموظفين لصالح التوقيفات التقاعدية والمبالغ المترتبة عن الأشهر السابقة , سيحدث أضرارا بدخول الموظفين بمختلف درجاتهم الوظيفية فقيمة هذه الاستقطاعات تزداد كلما ارتفعنا بالسلم الوظيفي , علما بان هذه الاستقطاعات كانت بثلاث مستويات في ظل القانون رقم 31 لسنة 2007 وهي 3%,4% و7% وتحولت الى7% لكل فئات الرواتب

بعد تطبيق القانون رقم 27لسنة 2006, والنسبة الحالية ( 10% )بحاجة إلى تعديل لتكون اقل من 7% كأن تتحول إلى 5% لكي ينتاب الشعور بان القانون الجديد قد أضاف شيئا للموظفين وليس العكس .

ونود الإشارة هنا , إلى إن زيادة الإذعان في القوانين لاسيما التي تتعلق بالموظفين بشكل يؤدي إلى أن تأخذ منهم بدلا من أن تعطيهم , هو الذي يفضي إلى زيادة حالات الفساد بأشكاله المتنوعة واستشراعه من قبل البعض كما إنها تؤدي إلى ضعف الولاء الوظيفي , فالموظف قد يشعر بالإحباط لان الرواتب لم تزداد منذ سنة 2008 ولحد الآن رغم التغير الكبير في الأسعار وزيادة معدلات التضخم للسنوات 2008 – 2014 , فارتفاع سعر برميل النفط من 50 إلى 100 دولار خلال هذه السنوات قد ترتب عنه ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات عالميا وانتقلت تأثيراته على أسوقنا الداخلية , باعتبار إن بلدنا يستورد أكثر من 90% من تلك الأسواق , ومن يتحجج بالزيادة التي صدرت بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 352 لسنة 2013 عليه أن يراجع قائمة الاستثناءات التي هي أكثر بكثير جدا من عدد المشمولين .

أحدث المقالات