قضايا الاحوال الشخصية تتعلق بحياة الانسان بشكل مباشر وتمس صلب ونواة المجتمع وهي الاسرة فتأتي القوانين الوضعية لترتيب قضايا الميراث والوصية والزواج والطلاق الذي سوف يكون محل بحثنا لما يترتب عليه من ضرر جسيم يؤدي الى تفكك الحياة الاسرية ويمس النسيج الاجتماعي ومع تزايد حالات الطلاق في العراق في العقدين الاخيرين ,تشير احصائيات مجلس القضاء الاعلى الى ان معدلات الطلاق في تزايد مطرد حيث وصلت عام 2014 الى 44000 الف حالة طلاق وعام 2017 الى اكثر من 70,000 الف حالة طلاق ,وفي كانون الثاني 2019 بلغت 6000 حالة طلاق..
لذلك وجب علينا (قضاة ,محاميين ,حقوقيين ,رجال قانون) مراجعة الاسباب والقوانين التي تتعلق بالطلاق والدعاوى التي تترتب عليه (تفريق ,نفقة بكل انواعها ,المهر المعجل والمؤجل ,الحضانة ,غرامة الطلاق التعسفي ,حق السكن) ,على ان نضع خلف ظهورنا المكاسب المادية والمنافع الشخصية التي تدرها مثل هذه القضايا من مردود مادي على المحامي ,لان فيها ضرر جسيم على المجتمع في الحاضر والمستقبل.
جاء قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل في مادته الاولى…
2- إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون
3 – تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء والفقه الإسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية الأخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية.
فقد اخذ المشرع العراقي بمبادئ الشريعة الاسلامية مصدرا من مصادر التشريع لقانون الاحوال الشخصية..
بينما نص الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 على ما يلي ..
المادة 2/
أولاً – الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع.
أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام .
المادة 41
العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون .
اجتمعت اراء فقهاء الشريعة الاسلامية من كل المذاهب (الجعفرية ,المالكية ,الشافعية) على مجموعة قواعد فقهية ثابتة بخصوص (المهر والنفقة والحضانة) تؤدي الى تحقيق المستوى الاعلى للعدالة الاجتماعية وتصب في مصلحة كل الاطراف الاباء والامهات والاطفال.
جاء في رسالة منهاج الصالحين لسماحة السيد علي الحسيني السيستاني باب الحضانة ان حضانة الام لولدها تثبت له حتى بلوغه السنتين والاولى بقاؤه عندها لسبع سنوات حيث تكون الحضانة مشتركة بين الابوين المنفصلين ومن سن السنين الى سن التكليف والبلوغ تكون الحضانة خاصة للاب وتكون للام حق مشاهدة اطفالها بالاتفاق وفي المكان الذي يحفظ للمطلقة كرامتها ,وبعد سن التكليف الى سن الرشد يكون المحضون مخير سواء كان ذكر ام انثى بين الام او الاب ,اما النفقة فان الام تستحق اخذ الاجرة فقط على حضانة ولدها الا اذا كانت متبرعة بها أو وجد متبرع بحضانته . بعد السنتين فلا يجوز اعطاء نفقة الاطفال للمرأة المطلقة.
في باب النفقة تجب نفقة الزوجة على الزوج فيما إذا كانت دائمة ومطيعة له فيما يجب إطاعته عليها..
ولم يرد نص او يتضمن أسقاط مهر الزوجة المعجل او المؤجل اوكليهما بل هي تستحقه كاملا عند الدخول وتستحق نصفه قبل الدخول. جاءت اغلب اراء فقهاء الشريعة الاسلامية متطابقة في هذا الصدد قدر تعلق الموضوع بالنفقة والحضانة والمهرين.
ومن خلال مراجعة لمواد قانون الاحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل بموجب قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل في باب المهر والنفقة والحضانة المواد ( 19- 23 – 57 ) نجد ان كثيرا من فقراته تتعارض مع مواد ( 2 – 41 ) من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 ..
ومن التطبيقات العملية في دعاوى الاحوال الشخصية دعوى النفقة التي تقيمها الزوجة على زوجها ,فيصدر القرار غالبا لصالح الزوجة ويكلف الزوج بدفق النفقة رغم ان الزوجة غادرت بيت الزوجية دون عذر مشروع او ضرر مادي جسيم والضرر المادي الجسيم يصعب اثباته بالبينة الشخصية للخصوصية المطلقة للعلاقة الزوجية ,ومن الممارسة العملية يثبت ان اغلب الخلافات الزوجية او العائلية ( بين الزوج والزوجة او الزوجة واسرة زوجها) خلافات بسيطة لا ترتقي الى الضرر المادي الجسيم ,الا ان التعنت والمماطلة والتدخل السلبي من طرفي العلاقة الزوجية وذويهم ووكلائهم يزيد الطين بله ويوسع الخلاف بدلا من كبحه وحله بالطرق الودية ,وفي كثير من الحالات تفشل مساعي الصلح ,ولا يتمكن الزوج من توفير سكن مستقل ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) ,وهنا يكون الزوج قد ادى ما عليه اتجاه الزوجة ولإثبات حسن نيته فعلى القضاء الاخذ بالإنذار التحريري الموجه من كاتب العدل الى الزوجة الممانعة عن المطاوعة سببا لأسقاط حقها في النفقة والمهرين..
جاء نص المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية مجحفا بكل ما فيه ومخالفا مخالفة صريحة وواضحة لمبادئ الشريعة الاسلامية التي هي اساس ومصدر من مصادر التشريع ومخالفا للدستور العراق النافذ لسنة 2005 وماجرت عليه اراء فقهاء المذاهب الاسلامية كافة ,لا يمكن اعطاء القاضي مساحة واسعة في تقدير الجهة الاصلح لحضانة الطفل في ضل وجود اصحاب الاختصاص الذين يستندون في اجتهاداتهم على ضوء مبادئ الشريعة الاسلامية المستمدة من القران الكريم والسنة النبوية والوحي الالهي ولا اعتقد ان القاضي سوف يكون اعلم من الخالق في شؤون عباده!!!
من التطبيقات العملية لدعاوى المشاهدة وجد ان ساعتين او اربعة او حتى ثمانية ساعات في الشهر لا تحقق الهدف الذي ذكر في نص المادة 57 فقرة 4 ) -للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه ) وهنا سؤال موجه للزملاء القضاة و المحاميين والحقوقيين واعضاء البرلمان السلطة التشريعية هل يمكنك ان تربي ابنك وتعلمه في اربع او ثمانية ساعات شهريا بمعدل سته عشر دقيقة يوميا؟!!!
المادة 57 – 2 (ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها) من التجارب العملية وقوع عشرات حالات التحرش الجنسي على الاناث من قبل زوج الام وهذا ما لا يمكن اثباته لا بالبينة الشخصية ولا غيرها ,فقيام زوج الام بمداعبة الاعضاء التناسلية للفتاة المحضونه لا اعتقد ان هنالك دليل على اثباته سوى الحالة النفسية المزرية للفتاة الذي لا يعد دليل اثبات لدى القضاء ,كما ان الام الحاضنة تخشى من كشف الحقيقة للحفاظ على حقها في الحضانة والنفقة التي تشكل مصدر دخل ثابت لها!!!
اكرر سؤالي للزملاء القضاة و المحاميين والحقوقيين واعضاء البرلمان السلطة التشريعية هل توافق ان يربي ابنتك زوج امها وانت على قيد الحياة؟!!! وهذا ما لا ينسجم مع عاداتنا واعرافنا الاجتماعية ,ولا مبادئ الشريعة الاسلامية وما استقر عليه فقه المذاهب الاسلامية…
ان قانون الاحوال الشخصية بصيغته الحالية كأنه شُرع ليعاقب الرجل على ذنب لم يرتكبه والذي يريد ان يبعد نفسه عن المعاصي ويلجئ للزواج الذي يعرفه المشرع العراقي على انه عقد بين رجل و امرأة تحل له شرعا غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل!!!
تتصدى المدافعات عن حقوق المرأة الى كل ما من شأنه تحقيق السلم والعدالة المجتمعية دون قراءة ومقارنة بين القوانين الوضعية (العراقية ,الغربية) والفتاوى الشرعية في هذا المجال التي اعطت للمرأة حقوق اكثر ,ويمكن ان نأخذ حقوق المرأة من منظورين الاول حقوق المرأة في الشريعة الاسلامية والثاني حقوق المرأة في القوانين والاعراف الغربية قدر تعلقهما بموضوع بحثنا الزواج والتفريق وما يترتب عليهما.
ضمنت الشريعة الاسلامية للمرأة كافة حقوقها واشترطت على الرجل ان يمنحها المهر المعجل والمؤجل وان ينفق عليها ويحسن معاشرتها ويوفر لها مقومات الحياة الطبيعية ويحتفظ بحضانة اطفاله ويربيهم وينفق عليهم بحدود امكاناته المادية على ان تبادله الاحترام وتطاوعه بما لا يخالف شرع الله.
بينما جردت القوانين الغربية المرأة من حق المهر المعجل والمؤجل والنفقة وجعلت كل شيء مشترك بين الزوجين قبل وبعد الزواج وحتى الطلاق بما فيه حضانة الاطفال.
من التطبيقات العملية في المحاكم الامريكية يتقاسم الزوجين المطلقين كل ما يملكان مناصفة ,اما اذا كان الزوج يعمل والمرأة عاطلة فيقاسمها الراتب والعكس صحيح ,اما حضانة الاطفال فهي مشتركة بينهما والكل يتحمل المسؤولية لا يتفرد احد منهما بها ويحرم الاخر.
وهذا ما استقر عليه الحال في المحاكم الاوربية ..
اما ان نأخذ بحقوق المرأة وفق مبادئ الشريعة الاسلامية والقوانين المتعلقة بها مطلقة دون استثناء او حقوق المرأة وفق القوانين الغربية فمن غير الممكن ان نعمل خليط من القوانين الاسلامية والغربية بما يتماشى مع رغبات ومصالح فئة معينة من المجتمع لتحقيق النفع المطلق لجهة على حساب اخرى ,وننسى تحقيق العدالة المنشودة من تطبيق القانون ,ان قانون الاحوال الشخصية الحالي وبهذه الصيغة ادى الى اثراء طرف على حساب اخر وسبب ضررا فادحا لعدد لا يستهان به من ابناء المجتمع العراقي ستكون له تأثيرات وخيمة على مدى عقود قادمة.
تعديل فقرات قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل بموجب قرارات مجلس قيادة الثورة المُنحل بما ينسجم مع مبادى الشريعة الاسلامية وفقه المذاهب من شانه تحقيق جزء من العدالة المجتمعية واعادة النسيج الاجتماعي للعائلة العراقية ,والتقليل من الدعاوى المتعلقة بالمواد 19 – 26 – 57 وبالتأكيد التقليل من نسب الطلاق التي قرائنا إحصاءاتها المُفزعة في بداية البحث …