كتب صديقي الاعلامي الجزائري المبدع والعربي الغيور، زواغي عبد العالي ،على صفحته متألما بمعرض تعليقه على صورة لمكتبة شخصية عراقية أخفيت تحت الأرض خشية أن يسرقها – المحوسمون – بعيد الاحتلال البغيض عام 2003 قائلا: خسرنا بإحتلال العراق، إرثا حضاريا غزيرا، وجغرافية ذات رمزية كثيفة بالنسبة لنا كأمة فاقدة للبوصلة… خسرنا إنسانا فائقا يعز نظيره في باقي بلداننا ، وهذه الصورة لمكتبة أحد العراقيين، قام بإنشائها تحت الأرض ليحفظ آلاف الكتب التي اقتناها طيلة حياته !
فعلقت وعقبت على ما كتب بالقول ” بما إنك قد أثرت موضوع الكتب والمكتبات في العراق بعد الاحتلال الاميركي الغاشم للعراق والذي أعقب حصارا ظالما قتل مليون وربع المليون عراقي فدعني أذيع لك وللاصدقاء سرا ..في الحصار الغاشم الذي إستمر 13 سنة متتالية ونتيجة لشظف العيش الذي عاناه العراقيون أضطر الاف المثقفين الى بيع مكتباتهم الخاصة التي قضوا وأفنوا أعمارهم في جمع كنوزها بربع ثمنها إن لم يكن أقل ..في زمن الحصار الشرير وبغياب الضمير أضطر المثقف العراقي الى أن يبيع كتب مكتبته بنفسه على قارعة الطريق بعشر ثمنها للكتاب الواحد ..كان المسكين ينظر بحسرة الى كتاب كان قد اشتراه بخمسة الاف دينار عراقي ليبيعه بخمسمائة دينار فقط لاغير لأي عابر سبيل حتى يأكل بثمنه خبزا..كان المثقف العراقي المظلوم يتأمل في حاله وواقعه البائس وهو يقف على الرصيف كالمشردين تحت قيظ الصيف وبرد الشتاء القارس ليبيع كتبه ..علمه ..ديوانه الشعري ..روايته ..مجموعته القصصية ..لوحاته …اطروحة الدكتوراه خاصته ، رسالة الماجستير تبعه … وبعد مرور فترة كان هذا المثقف نفسه إما أن يستعير كتابه الذي باعه برخص التراب مجددا لقراءته ثانية ..وإما أن يشتريه بأضعاف السعر الذي باعه به ، بل وحتى الذي اشتراه به أول مرة …أعرف مثقفا عراقيا وبينما دخل الحمام العام لقضاء حاجته اضطرارا ليترك كتبه داخل كيس هناك قرب النافذة بعد فشله في تصريفها وبيعها بخمس ثمنها داخل سوق الكتب وأطرافه في شارع الرشيد ، قد سرقت كتبه بالكيس الذي وضعت داخله فما كان منه الا أن ضرب كفا بكف ولم يحر جوابا ولم ينبس ببنت شفة ، ولسان حاله يردد رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي القائل في فضل العلم والتعلم والتعليم :
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم … لم يُبن ملك على جهلٍ وإقلالِ
تماما كسرقة حذاء المثقف الثاني الذي أعرفه معرفة شخصية بعد أن تركه خارج الحرم في أحد مساجد السنك برغم كل التحذيرات المكتوبة في لوحات معلقة على الجدران ” أحذر السراق ..أدخل حذاءك الى الحرم أو ضعه في المكان المناسب !” ما إضطره الى مغادرة الجامع وعبور الشارع حافيا لشراء حذاء جديد – بالدين – لأن سراق الأحذية كانوا يتقاطرون على الباحات الخلفية للجوامع الشعبية ويسرقون أحذية المصلين فور إقامة الصلاة ليبيعونها في – سوق الحرامية – وسط ساحة التحرير ، يصدق فيهم قول المزارع الريفي ” اذا كلها تصلي ..جا منوا باك الحذاء ؟!” .
وحقا ماقاله المثقف العراقي قصي العبيدي : كل بيت عراقي كانت لديه مكتبة خاصة يتفاخر بها سواء أكان يقرأها أم لمجرد الزينة..كان الكتاب عندنا تحفة فنية نتعامل بها ومعها بصدق وإعجاب !!
وبعد إجتياح المغول الجدد من رعاة البقر للعراق أحرقت المكتبات العامة ..سرقت ..بعثرت ..نهبت ..ولقد مررت ذات يوم في الباب المعظم فوجدت بائع – لبلبي – يعني حمص مسلوق بعربة خشبية متهالكة والى جانبه رزمة من الكتب بالانجليزي يعمل منها كبوسات ليضع داخلها الحمص وببيعها للاطفال والمارة بعد تمزيقها ..فقلت له أيمكنني أن أقلب وأتصفح أحدها ؟ فقال : يمعووود ..كدامك !واذا بها كتب مسروقة من مكتبة كلية الطب / جامعة بغداد ..فقلت له بعصبية بالغة “ماهذا ؟” ،قال الجاهل ” هههه يله يمعود ،هي بالانكليزي !!!
وعندما أجريت تحقيقا إستقصائيا عن مصير كتب ووثائق المكتبة الوطنية أخبرني أحد المشرفين على المكتبة آنذاك عام 2004 بأن جماعة مسلحة عراقية من اذناب الاميركان من جماعة – احد العملاء الملعونين الى يوم الدين – قامت بإغراق الكتب والوثائق وتضم أرشيف العراق الثقافي والسياسي كله منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة بعهديها الملكي والجمهوري وبعضها يعود الى الحكومات المتعاقبة زمن الدولة العثمانية ،حيث خزنت في سرداب تحت الارض فأغرقوها وفتحوا عليها صنابير المياه لإتلافها، وكل واحد من هؤلاء النكرات والامعات والرويبضات والذيول صار مسؤولا لاحقا في مكان وزمان ما ،علما أن 16 الف قطعة آثارية للسومريين والاكديين والبابليين والاشوريين لاتقدر بثمن تعود الى 3000 سنة على اقل تقدير قد سرقت من المتحف الوطني العراقي بمنطقة العلاوي في نفس الفترة ..أعيد نصفها لنكتشف انها مصنوعة من الجص!” عن محاولتهم سرقة دار المخطوطات في شارع حيفا والتي تضم نفائس التراث العربي والاسلامي تحقيق وتعقيب ثان ، وحقا ما قيل بحق العلم والتعليم :
العلم يبني بيوتاً لا عماد لها..والجهل يهدم بيت العز والكرم
اودعناكم اغاتي