بقدر ما تكون الاجراءات التحقيقية والقضائية محكمة الدقة فان الشرعية القانونية تأخذ ابعادها المتكاملة من العدل والإنصاف وكذلك ارضاء الحق الشخصي والحق العام على حد سواء وعلى وفق القانون ايضا وبما يصون الاجراءات القانونية من الزلل .
ومن جملة الاجراءات التي تمثل القاعدة في ذلك ما يقوم به قاضي التحقيق الذي لابد ان يعتمد المبدأ القانوني المعروف (لا جريمة ولا عقاب الا بنص) ومن هنا فان قاضي التحقيق ملزم بتطبيق النص القانوني المطابق للفعل ولا يجوز ان يصدر قرارا بالاتهامات استنادا الى عرف او مقتضيات مصلحة عامة لان في ذلك خروج عن المبدأ القانوني الذي يجب ان يعتمد النص حرفيا في اطار عمل يأخذ بنظر الاعتبار مقارنة قانونية بين الفعل والنص القانوني الملائم للتطبيق عليه وهذا بحد ذاته لا يمكن اعتماده إلا على وفق استيعاب دقيق من قاضي التحقيق لمهمته القضائية التي تقتضي التوضيح الدقيق لكل الاطراف وهذا لن يتأتى إلا من خلال الاتي :
1) يكون قاضي التحقيق ملما الماما دقيقا بالقوانين يصل الى حد الحفظ والاستيعاب لكي تكون خطواته في ضوء تلك القوانين، واي موقف خلاف ذلك فان من شانه ان يضعف حجته القانونية .
2) ان يكون على داريه كاملة ايضا بالمتغيرات او التعديلات التي تكون حصلت في قانون او تشريع سابق مع ملاحظته ان يضع هذا القاضي اطراف القضية كافة في معرفة ما يجري وما اتخذ من اجراءات في ضوء القانون .
3) ان يعمل القاضي على توضيح الاجراءات التي اتخذها او يتخذها على وفق القانون للمحامين المكلفين بالدفاع عن المتهمين او محامي الحق الشخصي والادعاء العام.
4) ان يحرص قاضي التحقيق وفي اطار الربط المحكم بين الجريمة والنص القانوني على ان يتحاشى الربط على قضايا سابقة غير مشمولة بالجريمة القائمة بمعنى ان لا ينسحب موقف سابق كما يحظر ايضا على قاضي التحقيق عد العرف السائد مصدرا للتجريم والعقاب كما يحظر القياس على النص في تقرير الجريمة والاتهام.
5) إن القاضي عليه أن يوازن بين حقائق وان يقارن بين وقائع كي ينتهي إلى حكم صائب صحيح، أو اقرب ما يكون إلى ذلك، والقاضي لا يستطيع أن يستخلص الحقيقة وان يستنفذ الصواب ما دام يجد أمامه ركاماً من الأكاذيب والضلالات تصنعها بعض عناصر الاجهزة الامنية او ما يدعيه المخبر من ادعاءات قد تكون كيدية، يصعب عليه أن لم يكن من المستحيل، أن يغربلها ليعرف الحق من الضلال والواقع من الخيال.
6)
محكمة التحقيق عليها أن تتمتعن بالتحقيق وتتوافر على التدقيق؛ لان التهم الباطلة ترهق المحاكم بالعاطل من الاتهام وتزعج القضاء بالباطل من الادعاء، وتدع سيف الاتهام مشهراً ملسطاً لفترة على رقاب الأبرياء والشرفاء من المواطنين، وقد يؤدي إلى تشويه سمعة الآخرين بين المجتمع، وهذا الاضطراب في تقدير المسائل والاختلاط في تحديد الأمور طال القضاة أنفسهم.
ان ما يقدمه قاضي التحقيق من صورة دقيقة للمهمة التي يتولاها لابد ان تنعكس بصورة دقيقة ايضا على الاجراءات القضائية اللاحقة سواء كان الامر بالنسبة لإجراءات المحاكم الجنائية او محاكم الجنح او اجراءات التمييز اللاحقة، ومن هنا لابد من الاشارة الى ان قاضي التحقيق يحتاج حاجة كبيرة الى الاجراءات التي يقوم بها رجل الشرطة او الاجهزة الامنية في توفير كل مصادر الحدث والبحث والتحري، ولا يمكن له ان يحقق ما يصبو اليه من موقف قانوني ناجح الا من خلال التعاون مع الاجراءات الاخرى التي تقوم بها الشرطة والاجهزة الامنية، كما ان من شان التعاون مع قاضي التحقيق ان يغذي اجراءات الشرطة والاجهزة الامنية؛ بالكثير من المبادئ القانونية، خصوصا اذا كانت التوضيحات القانونية التي يعطيها قاضي التحقيق مفيدة لعمل الشرطة والاجهزة الامنية والتحقيقية.
وتأسيسا على ذلك ايضا فان بيان وتحديد نوع التهمة والمادة القانونية المنطبقة عليها من الممكن ان يكون دليل صحة عمل الاجراءات التحقيقية الاولية لرجل الشرطة او الاجهزة الامنية والتحقيقية الاخرى.
وعليه فإن الضمانة الناتجة عن حقوق الدفاع تتمثل في التالي: –
– ضرورة تمكين المتهم من إبداء أقواله ودفاعه وملاحظاته شفاهه أو كتابة بنفسه أو عن طريق محام عنه مع منحه أجلاً معقولاً إذا تطلب الأمر ذلك لإعداد دفاعه .
– ضرورة تمكين المتهم من مناقشة شهود الإثبات وسماع من يرغب في سماعهم من شهود النفي .
– ضرورة تمكين المتهم أو وكيله من الاطلاع على التحقيقات ونسخ ما يريد نسخه منها والسماح له بتوكيل محام للدفاع عنه .
– لا مأخذ على المتهم إذا أدلى بأقوال غير صحيحة في معرض الدفاع عن نفسه وبحسن نية دون أن يتعمد اتهام شخص أخر أو إلصاق التهمة به .
– إذا رفض المتهم الإدلاء بأية أقوال فليس معنى ذلك أن يفهم إقراره ضمنياً بثبوت التهمة المسندة إليه، وانما بموجب نص المادة 123 الاصولية اعطت حق الصمت للمتهم واختيار محاميه، لا ان يجبر على المحامي المنتدب والذي غالبا ما يتقاعس عن إبداء دفاعه ورعاية شؤون موكله القانونية بجدية وكفاءة.
ويمكن لنا القول أن الضمانة الأساسية الناتجة عن حقوق الدفاع هي استقرار القضاء على أن أي إخلال بحق المتهم في الدفاع عن نفسه يؤدي إلى بطلان إجراءات التحقيق والمحاكمة لإهداره مصلحة جوهرية لذوي الشأن بما يترتب عليه بطلان الحكم الذي أنطوي عليه .