23 ديسمبر، 2024 5:21 م

قاسم مطرود .. وداعا !

قاسم مطرود .. وداعا !

لم يكن الموت ولحظاته ليمهل الانسان عندما يحين اجله كي يودع ليطيل النظر في عيون احبته، إنه الكاتب والناقد المسرحي قاسم مطرود الذي فارق الحياة وهو يحاول النظر يمينا وشمالا هامسا بعينه لحظات الوداع باكيا في داخله فراق الاحبة متحسرا لان غفوته الاخيرة كانت تحت ضباب العاصمة البريطانية لندن بعيدا عن تراب العراق الذي اراد ان يتوسده عند موته .
فهل ألقي تحيتي لأقول وداعا فذاك يعني ان نلتقى،،،، أم ألقي تحية الرحيل فهي نهاية الحياة ، انها أيام ومعاناة طويلة تسابق بها المرحوم مع الزمن وهو يصارع المرض والموت في آن واحد  بكى من اجل العراق وجعله بين حدقة عينيه وهو يرسم ملامح الرافدين على جنبات قلبه ويحمل هموم العراقيين في منفاه لينقل وجع الماضي والحاضر الذي عاشه كل فرد عراقي ، لقد حمل اوجاعا تناثرت مع همومه بعيدا عن ضفاف الرافدين فكان صداها اصواتا تنطلق بين بساتين نخيلها وشوارع المدن التي فارقها طويلا وهو يبتعد بجسده عنها ويقترب منها بقلبه حاملا كل الحب وروعة الحنين الى حبه الاول العراق  الذي تكالبت عليه وحوش الدنيا واسرجت خيولها لتجهز على كل حضارته ، هذه الحضارة التي طالما اغرسها في داخله وحملها برعاية كبيرة بين جنبات قلبه وشغاف حبه لكل حبة تراب فيها رائحة الوطن.
لقد تمايل نخيل العراق امام عينيه وهو يحكي لنا بمسرحياته وفنه عظمة الوطن متنقلا معه اينما حل وارتحل في مشواره الفني، فتارة يضحك وتارة اخرى يبكي لكنه في النهاية أراد ان يُبقي شموخ العراق منتصبا شامخا أمام عينيه ليقول للعالم بلدي هذا يسكن في حدقات عيني واستحوذ على كل قطعة من قلبي آخذا روحي وعقلي الى حبه بامتياز ليزاحم حب الزوجة والاخ والصديق ، هذا ما كنت المسه في روحية قاسم مطرود وهو يساجلني الحديث عن العراق والانتماء اليه.
ذات مرة وانا احاوره في احدى ندوات رابطة الشباب المسلم في لندن  توقف كثيرا عندما قلت له ان العراق لم يسقط بل سقط نظامه فهلل لها كثيرا واثنى عليها لانه يتألم عندما يقولون سقوط العراق ثم راح متهجما على من يدعي سقوط بلاد الرافدين بكل اسوارها مجانبا حقيقة سقوط النظام ، فهذه تعني عنده الكثير لان العراق منحوت في داخله بشموخ وعنفوان لا يمكن ان تطاله او تنال منه دبابات نهايتها الصدأ أو أقدام محتل يمكن ان تُكسر .
رحمك الله أبا أنمار وألهم ذويك الصبر والسلوان وعزائي الى كل الاخوة الفنانين العراقيين سواء المقيمين في لندن ام في العراق.