أبحر أحمد في سفينته الماخرة، في بحر لجي متلاطم الأمواج، بحثا عن جذوة مؤنسة، في ظلمة ليله البهيم،زاده فكره النير، وثقافته الواسعة، وتجربته القاسية في حياة صاخبة تارة، وجميلة تارة أخرى. منهك لا يمتلك في رحلته هذه، سوى قرطاسه وقلمه، عله يصل بهما إلى تحقيق أمانيه الكبيرة، وأحلامه الجميلة، وهو يتطلع إلى إعادة بناء وعي جديد، في واقع أبناء جلدته المثقل بكل إرهاصات التخلف، والجهل بآفاق التطور .
لكنه سرعان ما اصطدم بصخرة الواقع الاجتماعي المؤلم، والمرير، من العائلة ،إلى المدرسة، إلى الجامعة، ومن الشارع إلى كافة الشرائح المجتمع، ليجد الكل متشبث برأيه، والكل يعمل على شاكلته، دون وازع فكري، ولا رقيب معنوي ، فكل يبكي على ليلاه..
ذلك هو ما حمل أحمد أن يعيد النظر في حساباته، ويتساءل مع نفسه، هل أن الخلل فيه، وفي أمثاله، من المفكرين، والكتاب، والمصلحين، أم أن الخلل في أمته، ومجتمعه. لكنه سرعان ما أفاق من دوامته هذه، مستذكرا تاريخ المصلحين، والعظماء، بدءا بالرسل والانبياء، وما عانوا، ولاقوا من أذى، ومواقف مرة ومريرة، ليصل إلى قناعة مطلقة، وراسخة، أنه صاحب رساله،وأن عليه أن يؤديها بكل صدق، وأمانة، ووعي،وأن عليه أن يواصل مسيرته، ويتحمل مسؤوليته، وألا يسمح لليأس أن يتسرب إلى أعماق نفسه. وقدره أن يواصل مسيرته العلمية الشاقة ، في رحلة سفينة المعرفة، إذ هي قارب النجاة، وسط كل تلك الأمواج الهادرة كالجبال، من الجهل والتخلف ..