23 ديسمبر، 2024 3:46 ص

قائد عُمُره مئة عام وخبرته سبعين سنة

قائد عُمُره مئة عام وخبرته سبعين سنة

عندما نقول ان عُمُر الحكمة مائة عام لا نبالغ، فلقد نقل الكاتب (صلاح الخرسان) في كتابه (الامام محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق) في صفحته ١٦٣، عن حادثة حدثت في احدى معارك (ثورة العشرين) ينقلها عن كتاب (الإمام الحكيم السيد محسن الطباطبائي) من صفحة ٧٦-٧٧، حيث ذكر الكاتب قوله “لما وقعت الهزيمة, وفر المجاهدون, واختلَّ النظام, وسادت الفوضى، ثبت السيدان الحبوبي والحكيم، وثلة من الأبرار المساميح بالنفوس في الْيَوْمَ العصيب، ولَم يكن هم الثابتين معهما إلا ان يهيبوا بالسيدين ليتحركا من مركزهما، لكنهم حاولوا عبثاً، وكانت القنابل تتطاير في الفضاء، فتثير الرمال حول المضارب، وهما لا يريان الفرار والحال هذه إلا فراراً من الزحف”.

“وأخيراً استقر الرأي على ان يذهب السيد الحكيم الى القائد العثماني ليستوضح الموقف، فأراد فرساً ليركبه، فلم يسمح له اَيً من الحاضرين بجواده، لعظم الخطب وتبلبل الأفكار، وكان كل المجاهدين بين ممتطي صهوة جواده ومستعد للفرار، وبين آخذ بشكيمته منتظراً أمر السيد بفراق الجبهة، فترجل الشيخ (رحوم الظالمي) عن فرسه، وقدمها للسيد فتعجب من بعض الحاضرين، وعاتبوه على ذَلِك، لأن السخاء بالجواد في مثّل تِلْك السّاعة سخاء بالنفْس!.. فَقَال لا أبالي إذا سَلِمَ هذا السيد وهلكت، لأن وجوده أنفع من وجودي، وسيأتي يوم له يقود فيه العراق، وكانت هذه النبوءة مقدسة لا تُستَكثر على عربي صميم، ولا تُستَكثر على مؤمن فالمؤمن ينظر بعين الله”.

فامتطى الحكيم الجواد، وتخطى بين الجثث المبعثرة, والاشلاء المحطمة الموزعة, والمطاعين المتململين، حتى انتهى الى مضرب القائد، فوجده على أتم حال، وأجمل اتزان، يكتب ويدون ويضع الخطط، فقال القائد: ما حال المجاهدين؟ فقال السيد مُحْسن: تفرقوا لأنه شاع بينهم أنه القائد قتل، وقتل جميع الضُباط، حتى لم يبقى من يقود الاثنين.

لقد جرت تلك الأحداث وكان عُمُر السيد (محسن الحكيم) حينها (٢٦ عام)، وكان موقعه تقريباً الأمين العام للمرحوم آية الله السيد (محمد سعيد الحبوبي)، وكان عنده خاتم السيد الحبوبي، فكان يدير كل أعماله ويرد على جميع الرسائل والمخاطبات، وينظمها ويُرد عليها، وكانت جميع الاتصالات تجري من خلاله، ويطلع على القضايا الخاصة والسرية.

فلا نستغرب عندما يتولى حفيده السيد (عمار الحكيم) قيادة تيار الحكمة، فهو لم يكن دخيلاً على السياسة, أو من سياسيي الصدفة, فلَم تصنعه الظروف الطارئة، فهو الحفيد لذلك المجاهد، وهو ابن تلك القيادة والمرجعية، وابن السيد (مهدي الحكيم) الذي بدأ العمل السياسي في بدايات عام ١٩٤٩، وكان أول رجل دين يدخل في العمل السياسي.

مع هذا فهو لن يستغل اسم جده و وتاريخ أعمامه المجاهدين, وأهليه المُضحين, ليجلس لينظر عبر الإعلام، أو يُخضِع من حوله لتجارب المظاهرات والاعتصامات لكسب الأصوات، أو ليستجدي عواطف ومشاعر الآخرين, ليجمع حوله مجموعة من اللذَيْن لا يفقهون شيئاً مما هم فيه، ليبني له صومعة ومملكة يتحكم من خلالها بذوات من حوله، فلقد ترك لغيره ما كان يملكه، ونأى بنفسه عن حقه الشرعي وورث آبائه، وأسس تياراً جديداً بعيداً عن الصراعات الذاتية والشخصية، وجعله هبةً لمن لا يستحقه إيثاراً منه لغيره.

التف حول الحكيم جمع من المؤيدين، منهم من كانوا رفقاءً لعمه وأبيه، وآخرين هم مجموعة من الشباب الناهض، الذي يُؤْمِن بما يُؤْمِن به الحكيم، ثلة من اصحاب الشهادات والخبرات، تنوعت أعمارهم وأفكارهم ورؤاهم، حتى قومياتهم ومذاهبهم ومحل سكناهم، لم يقتصروا على محافظة أو مدينة بعينها، أو يحددوا بطائفة أو قومية معينة، إمتزجوا بين الشيوخ والشباب, نساءً ورجالاً، كان تنوعهم فريداً، حقيقياً بمعنى الكلمة، خالي من الكذب والتزييف.

ما أغاض الحاقدين ليس حصول الحكيم على نسبة ١٠٠٪ من أصوات مجموع الأعضاء المؤسسين لتيار الحكمة، فلم يكن لأحدٍ فظلاً عليه بذلك، فهو من أسسه الحكمة وأعلنها على الملأ، إنما ما اغاضهم هو تلك الممارسة الديمقراطية الحقيقية، التي جرت يوم السبت المصادف ٢ كانون الثاني ٢٠١٧، وسط حضور دولي ومحلي منقطع النظير، ممثل الامم المتحدة وسفراء دول ومفوضية انتخابات، بالإضافة الى حضور شعبي واسع لم يسبق له ان حدث مثل هذا الامر في مكان آخر، فحقق الحكيم ما عجز عنه غيرة، ومنح الشباب ما كانوا يحلمون به، وأصبح واقع حال يعيشه الشّباب مع مجموعة مِنْ اصحاب الخبرات السياسيّة، ستكون فعلاً تجربة فريدة من نوعها ليست في العراق فحسب بل في المنطقة بالعموم، فلَم يكن لِيَد الخارج سلطةً أو وصايةً عليهم، فهو تيار إنبثق من الداخل العراقي ليستشعر معاناة وآلام العراق التي كان وما زال يعاني منها.