17 نوفمبر، 2024 11:39 م
Search
Close this search box.

فَسحة بين الركام

في الشتاء نلتف حول المدفأةٌ
النفطيه  التي ننتظر ان يتلون لهبها باللون الازرق كما تقول امي لتعطي حرارة بلا دخان يخنق جو  الغرفه  ويجعلنا نسعل طوال الليل  الشتائي  الطويل 
افْتَرَشَتْها امي بفراش خشن مصنوع من حبال النايلون الذي قالت عنه انه يمنع الرطوبه ويمتص البرد  ومَدَّت فوق جزء منه سجادة  صغيرة حيكت كذلك من خيوط صناعيه استبدلتها بواحدة من الصوف صنعت  يدويا مع بائع متجول ينادي على بضاعته مع قدوم كل شتاء .
في الصيف كانت ترتبه وتنُضِده مع بقية الافرشه  فوق خِزانة خشبيه اشترتها لتخزن في رفوفها صُرَّرْ ملابسنا المستخدمه .
انحشرت اجسادنا حول المدفأه وتزاحمنا وتوسط الزحام ابي الذي دائما يحمص اقراص الخبر فوق المدفأه لتصبح اطيب والذ عندما يغمسها بعصير التمر (الدبس) اومخلوط العصير مع طَّحِينة السمسم السائله.
للمدفأه واجبات اخرى فعليها نصنع الشاي ونسخن العشاء بينما يقوم ابي بشواء البلوط والجوز الذي يُطَعِمُُهُ بالتمر الجاف ليجعل  لليل ِالشتاءِ ذكرى وبصمة في نفوسنا وعقولنا.
في هذه الغرفة التي خطَ كل واحد منا على جدرانها ذكرى له ورسم بمختلف الاقلام الملونه تسيدها قلم الرصاص افكارا متنازعه، متناقضه فبدت كأنها خرائط لقارات لاتسكن الارض .
كنا نجتمع للفطور والغداء والعشاء وكثيرا ما يغلبنا النعاس فنفترش اي بقعة فيها ويدفع بعضنا البعض ليجد له فَسْحَة بين ركام الاجساد المرهقه، المتعبهَ من اللعب واللف والدوران  في ازقة الحي كاننا طيور النورس نبحث عن سمكةٍ.عند كل صباح يذهب ابي الى عمله بينما تنشغل امي في اعمالها البيتيه الروتينية، الممله
الممزوجه ،باهاتها وتذمرها من عبثنا ولعبنا المتهور في اثاث البيت الباليه
كانت تتشاجر مع نفسها وبغضب  لتُسمِعنا
هُنَّ  مُتهالكات وانا رَكَدَتُهنَّ منظراً امام الناس…..
لماذا تعبثون بِهنْ ؟…
والله مللتُ من عدم سماعكمْ كلامِ 
ولسوف اضربُ كل من لا يطيعْ
الكلام
اعتدنا صباح كل يوم  سماع تهديداتها 
دون مبالاة نعاود العبث والبحث عن شيٍ افتقدناه او نظن ان الام تُخبِأُ شيئا في صررها 
وتجلس تشدُ عقدها مرةً اخرى

في بعض الايام تذهب امي للسوق الكبير في المدينه الذي يبعد عن دارنا كثيرا 
اما اغلب الايام تتسوق من السوق الصغير المقابل لدارنا.
خرجت امي  وكانت وجهتها السوق الكبير،
اوصتني بالانتباه للبيت واخوتي
الذين لازال بعضهم راقدا الا انا والاخت الكبيرة التي تصغرني باربع سنين .
كانت تحتظن المدفأة 
نادتني بان  نارها خَبَأت   لان النفط قد نضب
ملئتُ دلو النفط لاملئ المدفأة
ولقلة المعرفه  وثقل الدلو انسكب بعض من النفط على الجوانب وعلى نار المدفأة
التي التهبت من الداخل
انتابني الخوف والفزع سحبتها من تحت بعيدا عن الغرفه وصرخت على اختي بالخروج من الدار مع الاخرين
وعند باب المطبخ انقلبت المدفأة وارتفعت النار لتملئ كل الممر
هربت الى خارج البيت مناديا اهل السوق بالمساعده
اسرع الكثير منهم يسبقهم صاحب الدكان المقابل لدارنا
انهال على المدفاة بتراب الحديقه يعاونه الاخرين 
خمدت النار وانفصلتْ المدفأة  الى نصفين .
عادت امي من السوق   واستقبَلَتْها نسوة الشارع بالخبر 
هرولتْ فزِعهَ
وََحَمِدَتْ الله على سلامتنا
عند الظهر عاد ابي وانشغلَ باصلاح المدفأه بعد ان ربط جزأيها بسلك نحاسي
وَغَيَّر فتيلتها 
في المساء اوْقِدتْ المدفأه وعاد دفأها مع دفئ تحلقنا حولها

أحدث المقالات