حينما تصبح السياسة في العراق أشبه بحقل ألغام من التسريبات والتهديدات والرسائل المبطّنة يتحوّل الصمت إلى بيان والخطوة الرمزية إلى تحدٍ واضح. هكذا قرأ كثيرون المشهد حين أقدم السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري على زيارة قبر والده المرجع الشهيد محمد محمد صادق الصدر صباحًا بعد ساعات فقط من انتشار تسريبات صوتية منسوبة لمقربين من عائلة نوري المالكي تتحدث عن نية تصفيته عبر طائرة مسيّرة.
ورغم أن نوري المالكي وحلفاءه نفوا صحة هذه التسجيلات واعتبروها مفبركة أو مقتطعة من سياقها إلا أن الشارع العراقي تعامل معها بجدية خاصة في ظل التوترات القديمة والمستمرة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي.
لكن الصدر وبدل أن يرد بخطاب ناري أو مواجهة إعلامية لجأ إلى لغة الرمز كانت زيارته الصباحية لضريح والده فعلًا محمّلاً بالرسائل ليس فقط لخصومه بل أيضًا لأنصاره ولكل من يراقب المشهد العراقي, نحن لا نخشى الموت، نحن أبناء الشهادة.
هذه الزيارة لا يمكن قراءتها قراءة دينية فقط فهي تمثل في سياقها الأوسع تجسيدًا للثقافة الصدرية التي تمزج بين الدين والسياسة والمقاومة الشعبية الصدر لم يذهب فقط للصلاة أو التأمل بل ليؤكد حضوره في قلب المعركة وشرعيته التي تستمد جذورها من دماء عائلة قاومت الظلم منذ عقود.
الرسالة الأقوى كانت في التوقيت الصباح الباكر وقت لا تخرج فيه التصريحات عادة لكن فيه تخرج المواقف. ومكان الزيارة أيضًا ليس تفصيلًا عابرًا النجف، مهد المرجعية، ومسرح الصراعات الروحية والسياسية في آن.
ما بين التسريبات والزيارة يقف العراق مرة أخرى على حافة اضطراب سياسي قد يتوسع، أو يهدأ
لكن الثابت أن الرمزية في السياسة العراقية لا تقل أهمية عن السلاح وأن زيارة قبر قد تُفهم كطلقة تحذيرية، أو كقسم معلن بالاستمرار حتى النهاية,
وفي مشهد يزداد تعقيدًا تظل هذه اللحظات الرمزية هي التي تحدد مسار الأحداث أكثر من أي تصريح رسمي.