9 أبريل، 2024 2:06 ص
Search
Close this search box.

في نهاية 2012، لحم العراقيين وعظامهم !

Facebook
Twitter
LinkedIn

يكتب جواهر لال نهرو من السجن إلى إبته أنديرا غاندي في نهاية ذلك العام، وقبل بدء عام جديد، فيقول إن عليكِ يا إبنتي العزيزة أن تفهمي التاريخ بحركته الإنسانية، وأن تعيدي اللحم إلى العظام البالية، فتري الناس والأحداث تتحرك أمامك من جديد، وتفهمي أسبابها، وظرفها الذي حدثت فيه، فتغتني حياتك، وتبلغين بالفهم والإدراك الجديدين مبلغ الإنسانية الرفيع.
ودعونا الآن نجترح مما يقوله المؤرخ الأمريكي الكبير ميشيل دوبس في كتابه الصادر حديثاً بعنوان ستة أشهر من عام 1945 ، فيقول إنه بعد إنتهاء مؤتمر يالطة في شباط من ذلك العام، طار الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت إلى قناة السويس ليقابل الملك إبن سعود على ظهر البارجة الحربية كوينسي، وكان الملك قد جاء وفي صحبته عبده الخاص الذي يعد له القهوة العربية، ومنجّمه الخاص، وثمانية رؤوس من الأغنام أخذت تسرح وتمرح بسلام على ظهر البارجة (إنتهى). أقول هذا وأذكّر العراقيين، كرداً وعرباً، من زاخو الغالية إلى الكويت العزيزة، سنّةً وشيعةً، من الموصل الحدباء وحتى البصرة الفيحاء، التي لا يفوح منها اليوم غير رائحة النفايات، أنظروا جيداً كيف كنا وكيف أصبحنا، ففي ذلك الوقت الذي كانت فيه تلك الأغنام السعيدة تمرح هناك، كان العراقيون قد أكملوا شروط النهضة الحديثة. كان جواد سليم، وحافظ الدروبي، وفائق حسن، واسماعيل الشيخلي قد وضعوا الأسس الحديثة لنهضة العرب الفنية. وكان بدر، وبلند، ونازك  قد دقوا المسمار الأخير في نعش الروي البالي الذي خيم على عقولنا آلاف السنين، وخلقوا شيئاً جديداً مازال إلى اليوم يحير العقول المستنيرة. وكان الجادرجي قد استنبط مفهوماً جديداً في فن العمارة الحديثة، فكان سد دوكان في طور البناء، والذي ستبلغ طاقته الإستيعابية عشر مرات أكبر من طاقة السد العالي، لكنه لم يجد ذلك التطبيل الذي لاقاه أخوه المصري. كانت سدة الهندية قد إكتمل بناؤها، بتخطيط من عبقري مجهول، هو الذي أقنع سلامة موسى بترجمة الإنجيل إلى العامية المصرية. وكان عبد الجبار عبد الله مهتماً بأمر جديد لا يعرفه الناس من حوله، هو النظرية النسبية ونظرية الكم، سبق به أخاه المصري مصطفى مشرفة، وقد نال هذا من التطبيل ما لم يلاقه عبد الجبار، وهكذا حال الدنيا، حظوظ، ولا حظّ كحظّ العراقيين.
كانت لنا مدارسنا، كليتنا العسكرية، والكلية الجوية، والكلية الطبية، والهندسة. كانت لنا خطوطنا الجوية، ودار إذاعتنا وتلفزيوننا. وكان لنا دستورنا الخاص، ومحكمتنا الدستورية. قطاراتنا. جيشنا وشرطتنا. كانت لنا حروبنا من أجل هذه الأمة الممزقة، التعبى، الجاهلة التي يطلقون عليها العربية. كان لنا شبابنا الناهض. كان لنا ممثلونا ومطربونا. كنا عرباً وكرداً. مسلمون، يهود، نصارى، وصابئة. كنا سنة وشيعة. كنا نقول: عيب، هذا ليس بكلامنا.
أنظروا الآن جيداً، ماذا ترون؟!
ولنعد مرة أخرى إلى ظهر البارجة كوينسي، وسنجد أن النزهة لم تكن نزهة أغنام، وصناعة قهوة عربية مرة، بل هي تدبير وتقرير أمرّ من العلقم، احتساه العراقيون فنجاناً بعد فنجان، فمتى يعي العراقيون الدرس؟
كل عام والعراقيون بخير، إن شاء الله.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب