لم نعد نرى العالم من حولنا، أخطأ رسامونا حين اكتفوا بتقنيات الرسم التي تعلموها فصاروا يجترون مفردات الدرس من غير أن يجرؤوا على تنفس هواء الطبيعة.
أقف أمام لوحات البريطاني تيرنر وأنا أمنع نفسي من البكاء، ترى لمَ لم يهبنا القدر رساما بحجم تيرنر؟ لو كان هناك رسام مثل تيرنر في العالم العربي لما سقط الرسامون العرب في مأزق التشابه والتكرار ومأساة تقليد بعضهم للبعض الآخر.
أعتقد أن قاعدتنا في تعلم الرسم كانت هشة دائما، لم نتعلم الرسم بطريقة تمكننا من فهم أسراره واكتشاف أعماقه، معرفتنا بالرسم لم تكن واسعة بحيث نصل إلى مغزى أن يكون المرء رساما في مواجهة الطبيعة.
خيالنا الفني كان ضعيفا ولم يقو على ابتكار بدائل جمالية للواقع الذي ينعشنا بمفاجآت جماله غير المتوقعة، لقد سقطنا في التنميط وعبودية القوالب الجاهزة، لذلك كان من اليسير أن يقلد بعضنا البعض الآخر كما لو أن العالم كله عبارة عن الخيمة التي نستظل بها في المساحة الضيقة التي نقيم فيها.
لم نعد نرى العالم من حولنا، أخطأ رسامونا حين اكتفوا بتقنيات الرسم التي تعلموها فصاروا يجترون مفردات الدرس من غير أن يجرؤوا على تنفس هواء الطبيعة، لقد صار الرسم بالنسبة لأغلب الرسامين العرب مجرد حيلة تمارس في المختبرات.
هناك أشكال جاهزة يتم التلاعب بها، ما من لوعة أو ألم أو غصة أو شعور بالضيق والضجر، ما من شيء شخصي يُراد من خلاله قول ما لم يُقل من قبل، لقد صارت رسومنا مهذبة بطريقة تمهد لها الطريق في اتجاه السوق لتحتل مكانها على جدران الصالونات، لقد خان فنانونا ضمائرهم حين خضعوا لإملاءات الذائقة الجمالية التي كانت ترغب في تكريس أعمالهم مادة للتزيين.
من المؤسف القول إن كل ما ينتج اليوم من رسوم في العالم العربي إنما يدخل في إطار الفن التزييني، لا لشيء إلا لأنه لا يقول حقائق يمكن أن تصدم المجتمع وتغيره وتنتقل به من حياة إلى أخرى، الرسم في العالم العربي اليوم هو عبارة عن مدائح لمشهد مهزوم.
نقلا عن العرب