يمكنني، أنا العراقي العربي، أن أجد مئة مثلبة ومثلبة في أداء الحكومات العراقية التي تعاقبت على الحكم منذ 2005 حتى الآن (هذا التاريخ يتعلق بتولّي أول حكومة منتخبة بعد سقوط نظام صدام) حيال الكرد وسواهم من مكوّنات العراق القومية والدينية والمذهبية، وحيال العلاقة مع اقليم كردستان العراق وحكومته.
لكنني أيضاً يمكنني أن أجد أكثر من مئة مثلبة ومثلبة في أداء هذه الحكومات حيال المكوّن العراقي الأكبر، العرب. هذه الحكومات تصرّفت دائماً على نحو سيئ وتعاملت على نحو خاطئ مع مجمل القضايا التي تخصّ إدارة الدولة والمجتمع. الدلائل واضحة وجليّة على صحة هذا الكلام، فعرب العراق جميعاً يعانون أكثر، أو في الأقل بمثل ما يعانيه الكرد والتركمان والكلدان والآشوريون والأرمن، مسلمون ومسيحيون وإيزيديون وصابئة مندائيون وشبكاً وزرادشتيون وبهائيون، من السياسات التي انتهجتها هذه الحكومات.
نسبة الفقر بين عرب العراق تزيد على 25 بالمئة وكذا نسبة البطالة. وعرب العراق من الفاو الى الموصل يعانون أكثر مما يعانيه سكان اقليم كردستان من تدهور نظام الخدمات العامة (الكهرباء والماء والصحة والتعليم والبيئة والصرف الصحي.. الخ). وعرب العراق يكابدون أكثر من الكرد، أو في الاقل بالقدر نفسه، من وباء الفساد الإداري والمالي الذي قوّض أركان الدولة وفتّت نسيج المجتمع.
علاوة على هذا كله فإن عرب العراق يتحمّلون أكثر من غيرهم الآن، مثلما تحمّلوا في الاربع عشرة سنة الماضية، من عواقب أعمال العنف والإرهاب التي ما كان لها أن تتواصل وتتفاقم لتبلغ الذروة في الحرب الضارية المُكلفة الدائرة منذ ثلاث سنوات مع تنظيم داعش الإرهابي، لو أن الطبقة الحاكمة في العراق قد تصرّفت على نحو سليم وتعاملت على نحو صحيح مع مجمل القضايا التي تخصّ الدولة والمجتمع، وبينها ما يتّصل بالعلاقة مع إقليم كردستان وحكومته.
شخصياً اعتبر أن التحالف الكردستاني، وهو أحد الشركاء الرئيسيين في العملية السياسية منذ 2003، يتحمل هو أيضاً مسؤولية في المآل المنحدر والمتردي للاوضاع في البلاد، الناجم عن السياسات الخاطئة للحكومات التي ساهم التحالف الكردستاني فيها، ولم يزل، وهي مسؤولية يتحمل مثلها ائتلاف الوطنية (العراقية سابقاً).
في ظروف أخرى كان يمكن القبول بحجة أن الإجراء الذي اتّخذه محافظ كركوك ثم قرار الأغلبية في مجلس كركوك برفع علم كردستان إلى جانب العلم الاتحادي فوق مباني الدوائر الحكومية في المحافظة الداخلة في نطاق المناطق المختلف عليها، أو المتنازع عليها، يستند الى أحكام الدستور (المادة 140)، فالتحالف الكردستاني، كما الوطنية وكتل برلمانية أخرى، تهاونت كثيراً حيال تطبيق الدستور وتنفيذ أحكامه. المادة 140 ليست الوحيدة والفريدة على هذا الصعيد، فالتعديلات الدستورية هي استحقاقات دستورية أيضاً، وكذا قانون النفط والغاز وقانون مجلس الاتحاد، وسائر قوانين بناء الدولة التي كان يتوجب تشريعها منذ عشر سنين في الأقل. كما إن نظام المحاصصة الذي تمسّكت به الكتل الرئيسة الحاكمة، وبينها التحالف الكردستاني وكذا الوطنية (العراقية سابقاً)، كان، ولم يزل، تعدّياً صارخاً على أحكام الدستور.
لا أظن أن رفع علم كردستان فوق مباني الحكومة في كركوك سيحلّ المشكلة، بل المشاكل القائمة في العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان، وبينها مشكلة المناطق المختلف أو المتنازع عليها، وفي قلبها كركوك. إنه يضيف مشاكل جديدة كما نرى.
ما نحتاجه نحن العراقيين، عرباً وكرداً وتركماناً وكلداناً وآشوريين وسواهم، أكبر بكثير من مجرد رفع العلم أو إنزاله .. إننا في حاجة ماسّة وملحّة للغاية الى إعادة نظر جذرية في العملية السياسية برمتها، فقد بنيت على أسس غير قويمة وغير راسخة، ومشكلة كركوك وسواها ليست سوى بعض من تداعيات ذلك. والتحالف الكردستاني بإمكانه أن يفعل أشياء ذات قيمة على هذا الصعيد، لكن ليس على طريقة رفع العلم أو إنزاله.
نقلا عن المدى