22 نوفمبر، 2024 10:09 م
Search
Close this search box.

في قانون البنى التحتية – لندع الارقام تتكلم

في قانون البنى التحتية – لندع الارقام تتكلم

يعتقد البعض من خبراء الاقتصاد على أن إقرار قانون البنى التحتية المثير للجدل والمقدم للبرلمان العراقي للمناقشة من انه يمثل فرصة تاريخية لإعادة هندسة العراق وسيمكنه من الإنتقال من حال التخلف التي يشهدها الان إلى مصاف الدول الأكثر تقدماً بل أضافوا إلى أن هذا القانون سيوفر بيئة تشغيل للعاطلين وفي نفس الوقت يعمل على تشغيل العديد من الشركات المحلية التي ستستفيد من الاحتكاك مع الشركات العالمية بكل ما تمثله من تقدم علمي وتكنولوجي مؤكدين على ان تأخير القانون يلحق اضرارا كبيرة بالاقتصاد العراقي لاسيما انه سيسهم في حل العديد من الازمات الخدمية.
وينص القانون على تخصيص مبلغ مقداره (37 ) مليار دولار ولايزيد على (40 ) مليار لتنفيذ العديد من مشاريع البنى التحتية بطريقة الدفع الآجل مع مراعاة حجم الايرادات السنوية للخزينة العامة للسنوات القادمة وحجم النفقات والالتزامات المالية ، كما يتضمن القانون منح المقاول العراقي والاجنبي المنفذ للمشروع المشمول بهذا القانون للعديد من الامتيازات والاعفاءات الكمركية والضريبية بهدف تسهيل عمله وتخفيف القيود كالبيروقراطية المقيدة للاستثمار.  
للتعرف على حجم الفرصة التأريخية لقانون البنى التحتية كما يصفها البعض في حال اقراره وبالمبلغ المذكور اعلاه فقد نشر مؤخراً مكتب المفتش العام لاعادة اعمار العراق (SIGIR ) التقرير الفصلي الثالث لعام 2012 الذي يستعرض فيه نشاط المكتب المكلف في مراقبة وتدقيق أوجه الانفاق للأموال المستخدمة في اعادة اعمار العراق ومدى مطابقتها مع المخصص لها وتأشير الانحرافات في الانفاق وكذلك المشاريع المشكوك فيها مع اتخاذ الاجراءات القانونية بحق مرتكبيها واحالتهم الى القضاء فيما يتعلق بجرائم التلاعب في الانفاق الممول من الصندوق الامريكي لكون مصدر التمويل يتمثل في الحكومة الامريكية ودافعي الضرائب من الشعب الامريكي.
تتحدد مصادر تمويل اعادة اعمار العراق منذ حزيران 2003 ولغاية ايلول 2012 في ثلاث مصادر هي:
1- الصندوق الامريكي ويختص في الاموال المنفقة من قبل وزارتي الدفاع والخارجية الامريكية والوكالة الامريكية للتنمية الدولية على المشاريع الخاصة ببرامج اعادة الاعمار وبموجب خطط سنوية معدة من قبل جهات الانفاق وموزعة على المشاريع وبحسب اولويات الاعمار ، وقد بلغ مجموع ما أنفق الصندوق لغاية شهر ايلول 2012 (51.08 ) مليار دولار.
2- الصندوق العراقي ويختص في الاموال التي انفقت تحت اشراف سلطة الائتلاف المؤقت في العام 2003-2004 والبالغة (12.07 ) مليار دولار من ماتبقى من اموال حساب برنامج النفط مقابل الغذاء مضاف اليه (126.01 ) مليار دولار مجموع ما انفق من الاموال المخصصة تحت بند النفقات الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة العراقية وللفترة الممتدة من 2003 ولغاية شهر ايلول 2012 ليبلغ المجموع مامقداره (138.08 ) مليار دولار انفقها العراق على مشاريع اعادة الاعمار والتي تعتمد على الايرادات النفطية المصدر الاساس لتمويل تلك النفقات والعمود الفقري للايرادات العامة للدولة.
3- الجهات الدولية المانحة وتتمثل في الاموال التي تعهدت والتزمت دول الغرب والمنظمات الدولية في تقديمها للعراق من خلال تمويلها بصورة مباشرة لبرامج اعادة الاعمار اذ بلغ مجموع ماالتزم بتقديمه الجانب الدولي للفترة 2003 ولغاية ايلول 2012 ( 13.75 ) مليار دولار توزعت بين (6.51 ) مليار دولار على شكل منح قدمتها دول الغرب (اليابان ، الاتحاد الاوربي ، المملكة المتحدة ودول اخرى) و (7.24 ) مليار دولار على شكل قروض تعود لصندوق النقد والبنك الدوليين والامم المتحدة وبشروط ميسرة.
ومما تقدم فأن مجموع ما أنفق على برامج اعادة اعمار العراق ولغاية ايلول 2012  قد بلغ (202.91 ) مليار دولار تعددت اوجه الصرف مابين مشاريع وزارة الدفاع والداخلية والتي تمثلت في تجهيز القوات الامنية بالاسلحة والمعدات وبرامج التدريب العسكري والامني وكذلك في برامج البنى التحتية بأختلاف انواعها وبرامج رفع كفاءة وقدرات العاملين في المؤسسات الحكومية وبرامج دعم الانظمة الادارية وحقوق الانسان والمجتمع المدني ومكافحة الفساد والتعليم والبرامج المعززة للنمو الاقتصادي والتنمية المالية. مع العلم ان نفقات اعمار وتنمية الاقاليم والمحافظات واقليم كردستان قد خصص لها بند اخر في الموازنة العامة بمعزل عن بند النفقات الاستثمارية ولم يتم تمويلها خلال نفس الفترة الزمنية من المبلغ المذكور اعلاه.
وحيث ان المبالغ المنفقة على المشاريع الاستثمارية تستهدف اشباع الحاجات العامة وتحقيق الصالح العام من خلال الاثار الاقتصادية التي يحدثها الانفاق الاستثماري على الاقتصاد القومي المتمثل في زيادة تراكم رأس المال القومي من خلال تكوين رؤوس أموال عينية جديدة، ومن ثم زيادة المقدرة الإنتاجية القومية، وخاصة على المدى الطويل، وما تحدثه من زيادة مباشرة في الدخل القومي وتنويع مصادره ، فأن مايحدثه الانفاق العسكري والامني بالرغم من انه يشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة له اثراً حيوياً يتمثل في توفير الامن والطمأنينة للمجتمع لممارسة الانشطة الاقتصادية بمختلف انواعها والتي يشكل غياب الامن العائق الاساس للقيام بممارسة تلك الانشطة. فهل حقق مبلغ (202.91 ) مليار دولار الغرض الذي انفق من اجله ؟  
عند مراجعة عمل القطاعات المشمولة بالمبلغ المنفق اعلاه للوقوف على كفاءة ادائها وقدرتها على تحقيق قدر من الاشباع للحاجات العامة والمتزايدة على خدماتها ، نجد ان عملها مازال دون المستوى المطلوب ولم تتمكن من سد النقص الحاصل في الحاجات على الرغم من القيمة المرتفعة للمبلغ اعلاه والمنفق على مشروعاتها كقطاع الطاقة الكهربائية والقطاع الصحي والامني والاداري ومكافحة الفساد وفي حقوق الانسان .
تشير تقارير انتاج الطاقة الكهربائية في العراق والتي تصدرها وزارة الكهرباء من ان معدل انتاج الطاقة الكهربائية لشهر تشرين الاول من العام 2012 قد بلغ (7,800 ) ميجا واط وبمعدل تجهيز طاقة كهربائية للمستهلك لايتعدى ثلاثة عشر ساعة يومياً اي مايوازي (57%) من اجمالي الطلب على الطاقة الكهربائية وان التحسن الذي يطرأ في العادة على ساعات التجهيز اليومي في اشـهر معينة من السنة ( تشرين الثاني- كانون الاول- اذار- نيسان) سببه تراجع الطلب على الطاقة الكهربائية الناجم عن التحسن المناخي وليس الى الزيادة الحاصلة في انتاج الطاقة الكهربائية بالرغم من انفاق مايقارب (30 ) مليار دولار على مشاريع البنى التحتية للطاقة الكهربائية واعادة تأهيل الموجود منها للفترة من 2003 ولغاية ايلول 2012 . اما مايخص العقد الذي ابرمته وزارة الكهرباء مع شركة جنرال الكتريك في شراء (56 ) تورباين لتوليد الطاقة اواخر العام 2008 والذي من المفترض ان يضيف مامقداره (7,000 ) ميجا واط الى الانتاج الحالي فالمعلومات تشير انه لم يتم اكمال اياً من تلك المحطات ويعزى سبب التأخر في التنفيذ الى البيروقراطية وافتقار الكوادر المتخصصة على التعاقد ومتابعة التنفيذ فيما يخص العقود عالية القيمة اضافة الى الفساد.
اما مايتعلق بالواقع الامني وفي امكانية بلوغه مستوى مقبول من الاستقرار وبالشكل الذي يمكن المجتمع من القيام بالانشطة الاقتصادية ، فبالرغم من انفاق مايقارب (33 ) مليار دولار خلال التسعة اعوام على مشاريع البنى التحتية للقوى الامنية والعسكرية ومشاريع التجهيز والتسليح والتدريب بهدف رفع القدرات البشرية في الجانب العسكري والامني والاستخباري فان الواقع يشير الى استمرار حالة عدم الاستقرار الامني وذلك من خلال تكرار اعمال العنف وبمختلف صورها (تفجيرات ، استهداف القوات الحكومية ، الاغتيالات واستهداف البنى التحتية) وكذلك في ضعف النشاط الاستخباري وان مثلث الارهاب ، الفساد والمليشيات المسلحة مازال يشكل تحدياً كبيراً لعمل هذه القوات بمختلف تشكيلاتها على الرغم من الزيادة العددية لمنتسبي الدفاع والداخلية وتحدياً اخر للنشاط الاقتصادي.
اما مايتعلق بواقع الفساد ومكافحته فان مؤشر مدركات الفساد للعام 2011 (مقياس انتشار الفساد) (CPI)-(Corruption perceptions index) والذي تصدرة منظمة الشفافية الدولية والذي يقيس مقدار الانحراف في استخدام السلطات العامة من قبل السياسيين وموظفي القطاع العام لقاء تحقيق منافع خاصة قد  اوقع العراق في التسلسل (175 ) من مجموع (182 ) دولة عالمياً وبدرجة مؤشر (1.8 ) من المقياس المؤلف من (10 ) درجات مما يشير الى الارتفاع الحاد للفساد . فبالرغم من حجم الانفاق الكبير على هذا القطاع الحيوي والذي اتخذ صور متعدده على هيئة مشاريع البنى التحتية للدوائر الخاصة بمكافحة الفساد وفي التجهيز والتدريب وانشاء شبكة معلوماتية الا ان جرائم الفساد في مؤسسات القطاع العام مازال مرتفعاً عند المستويات العليا من وظائف القطاع العام محدثةً ضرراً على النشاط الاقتصادي وهدراً كبيراً في انفاق المال العام معززة بشهادة العديد من اعضاء البرلمان العراقي ومن الساسة والشواهد كثيرة في هذا الخصوص ومنها الفساد في صفقات اجهزة كشف المتفجرات وفي الفساد المتعلق بعقود توريد مفردات البطاقة التموينية وفي عقود الطائرات المدنية الكندية وفي مشروع الهياكل المدرسية وغيرها.
بالعودة الى قانون البنى التحتية ومن ان تأخير اقرار القانون سيلحق اضرارا كبيرة بالاقتصاد العراقي لاسيما انه سيسهم في حل العديد من الازمات الخدمية ، السؤال هو: الى اي مدى سيتمكن مبلغ (37) مليار دولار من اشباع حاجات المجتمع المتزايدة على الخدمات وفي استيعاب القوى العاطلة عن العمل والوافدة لسوق العمل والذي سيخصص المبلغ المذكور بأكملة لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية والخدمية واعادة اعمار المنشأت والبنى التحتية وبطريقة الدفع الاجل والتي سيترتب في حال اقراره زيادة في الكلف من خلال اضافة كلف خدمة الدين بعد ان عجز مامقداره (202.91 ) مليار دولار على تنفيذ ذلك في ظل وجود عدد كبير من العاطلين عن العمل معظمهم من الشباب ومن خريجي المعاهد والكليات ومؤشر بطالة يبلغ 23% وقطاع خاص هو الاخر شبه معطل . فالأهم الان يتمثل في ايجاد ادارة مالية كفوءة قادرة على رسم الاحتياجات الحقيقية وتحديد اولوياتها وخطط تنفيذها بمعزل عن التجاذبات والمصالح السياسية والحزبية الضيقة للحد من الهدر المستمر للموارد مع ضرورة محاسبة المتسببين في ضياع تلك الاموال بغض النظر عن جنسياتهم او مراكز نفوذهم وليأتي المهم فيما بعد المتمثل في اقرار قانون البنى التحتية . 

أحدث المقالات