23 ديسمبر، 2024 10:34 ص

في فهم المعنى البسيط لحقوق الإنسان

في فهم المعنى البسيط لحقوق الإنسان

إنَّ مفهوم “حقوق الإنسان” هو مفهومٌ حديثٌ إلى حدٍ ما، وهو مفهوم حَظي بقدرٍ كبير من الاهتمام في السّنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، في حين أنَّ الآراء تختلف بشدَّة حول ما يُشكِّل ويصيغ جوهر حقوق الإنسان، ويعتقد معظم مواطني العالم الحديث أنَّ جميع الناس يجب أن يتمتعوا على الأقل بالحقوق الأساسية.

في الأسطر القليلة التالية سأبحثُ هذا المفهوم بإيجاز من خلال مناقشة ما أعتبرُه حقوقًا إنسانية أساسية، ولتسهيل مناقشتي، سأُصنِّف هذه الحقوق على أنَّها حقوق فردية، وحقوق وطنية، وحقوق مجتمعية عامَّة، وسأتحدّثُ عن حقٍ واحد فقط من كلِّ فئة.

كحقٍ فردي أساسي، أعتقد – بل أثقُ كثيرًا – أنَّني كإنسان لديَّ الحق في التّفكير في أيِّ شيء أختارُه دون عائقٍ أو اضطهاد أو تعسُّف، وما أعنيه بهذا هو أنَّه يجب أن أمتلكَ الحرّية في التفكير بأيِّ طريقة أرغب بها دون أن يخبرني أحد أنَّه يجب أن أفكِّر بطريقةٍ معيّنة، فعلى سبيل المثال، لا ينبغي لحكومة بلدي أو حتّى لرؤسائي في مكان العمل أن يُخبروني أبدًا أنَّه يجب عليَّ التّفكير بطريقة معيَّنة، لأنَّ الأفكار التي داخل رأسي ليست من شأنهم.

علاوةً على ذلك، لديَّ الحق في عدم إخبار الناس كيف أفكِّر حقًا في شيء ما إذا اخترتُ التزام الصَّمت، وهذا يعني أّنَّه لديَّ الحق في عدم قول أيِّ شيء عما أفكِّر به لضابط شرطة أو عسكري أو محامٍ أو قاضٍ أو أيَّ مسؤول آخر كان. إنَّ حقّي في التّفكير بأفكاري يساعدني في الحفاظ على هُويَّتي الخاصَّة، ويساعدني في ضمان عدم تعرُّضي للمشاكل إذا كنتُ في وضعٍ سيء، وإذا سُلِبَ مني هذا الحق، فقد يتمُّ حبسي في السِّجن أيضًا، لأنّه لا أعتقد أنّني يمكن أن أكون فردًا حرًّا دون أفكاري الخاصَّة.

إنَّ أحد الحقوق الوطنية الأساسية التي أعتقد أنَّه يجب أن يتمتَّع بها الناس من جميع الدُّول هو الحق في التَّصويت لمن يريدهم الناس أن يُديرون حكومات بلدانهم، وبمعنىً آخر، يجب أن يكون لكلِّ الناس الحق في التَّصويت في انتخاباتٍ مفتوحة وحرَّة ونزيهة وشفّافة، على سبيل المثال، يجب أن يحظى الناس من جميع الدول بحقِّ اختيار رئيس بلادهم أو رئيس الوزراء أو غيرهم من ممثلي الحكومة، فهذا من أسمى الحقوق الوطنية المُهمَّة، لأنَّه يجب أن يكون الناس قادرين على اختيار مسؤولي حكوماتهم بأنفسهم وبكامل إراداتهم وقناعاتهم بدلا من أن يتمَّ اختيارهم لهم أو أن يجدوهم مختارين لهم بالولادة أو بطرق ملتوية أو عن طريق الإكراه. وبالطبع، فإنَّ العالم فيه الكثير من البلدان التي لا يُسمح للناس فيها بالتصويت أو الاختيار وفقًا لرغباتهم، مثل جمهورية الصِّين الشعبية وكوريا الشمالية ودول أخرى، إذ ليس لعامَّة الناس صوت في حكوماتهم، وعادةً لا يتمتعون أيضًا بحرِّيات وحقوق أخرى.

وعلى المستوى الكلّي للمجتمع البشري عامَّة، أعتقد أنَّ جميع البشر الكون يجب أن يكون لهم الحق في القوت الأساسي من الغذاء والماء، ومن المؤسف أنَّه مع العجائب الحديثة للقرن الحادي والعشرين، يعيش الناس في أجزاء كثيرة من العالم بانتظام دون طعام وماء لأسبابٍ غير تلك التي تسبِّبها الكوارث الطبيعية، حيث يعيش الناس في أجزاء كثيرة من العالم دون طعام وماء بسبب الحرب، وأيضًا، يعيش الناس في أنحاء مختلفة من العالم دون طعام وماء بسبب نقص المال لشراء الطعام والماء، وبسبب الظلم الذي يقع على كثيرٍ منهم من حكومات بلدانهم المستبدة أو المتعسفة، على الرغم من أنَّ الغذاء والماء من الحاجات الأساسية للوجود البشري ومن أبسط وأيسر الحاجات التي ينبغي أن تتوفر لكلِّ البشر، يمكن للناس العيش دون ملابس ومأوى – ناهيك عن السَّيارات والهواتف المحمولة وخواتم الماس – ولكن لا يمكن للحياة أن تستمر أو تُعاش إلا لفترة محدودة بلا طعامٍ وماء.

في الواقع، لا يوجد حقٌ أساسي مُعترَف به للإنسان في الغذاء والماء، ولكنَّ هذا النموذج هو على رأس قائمتي لما أعتبرُه حقوقًا عامّة للبشرية كلِّها، لأنَّ عدم توفر هذا الحق البسيط الأساسي والحيوي، يُنذر بخطرٍ كبير، ويدلُّ على أنَّ جشع الإنسان وقساوته ضدَّ أخيه الإنسان قد يعميه ويصل به حدَّ قتله ومحوه بطرائق لا يمكن أن تُغتفر.

في الختام، أعتقد أنَّ أيَّ مفهوم لحقوق الإنسان يجب أن يشمل حق الأفراد في التفكير كما يختارون ويرغبون ويشاؤون، وحق الناس في التَّصويت والاختيار لمن يرونه مناسبًا ومقتدرًا ومخلصًا لوطنه وأمينا، وحق الناس في الحصول على الطعام والماء لإعالة أنفسهم، ودون هذه الحقوق الأساسية، لا أعتقد أنَّه من الممكن للناس أن يكونوا أحرارًا فعليًا، ومع ذلك، وبوجود هذه الحقوق على رأس قائمة حقوق الإنسان الأساسية، فإنني أظن أنَّه من الممكن بناء مجتمع عالمي يكون فيه جميع الناس أحرارًا ويعيشون بسلام ووئام وتفاهم.