17 نوفمبر، 2024 3:23 م
Search
Close this search box.

في عهد فيصل الأول… لم تتأسس جامعة

في عهد فيصل الأول… لم تتأسس جامعة

تُعَد جامعة بغداد ، والتي تأسست عام ١٩٥٧ ، آول جامعة عراقية في تاريخ العراق المعاصر ، بعد ثلاث محاولات لتأسيس جامعة ، إنتهت جميعها بالفشل . لكن الذي لوحظ في العقدين الأخيرين ، أو قبلهما ، أن عدداً من الباحثين والمؤرخين الافاضل ، تناولوا حدث مشروع تأسيس أول جامعة في مطلع تأسيس الدولة العراقية ، في عهد الملك قيصل الاول ، معتبرين أنها قد تأسست وعُدت أول جامعة في تاريخ العراق المعاصر . بمعنى أنهم يتحدثون عن جامعة رسمية مكتملة الأركان ( قرار تأسيسها + إقرار نظامها + كلياتها + أبنيتها ومستلزماتها ) ، رغم أن هذه الجامعة لم تؤسس وأن مشروعها قد فشل فشلاً ذريعاً ، وانتهى بإغلاق ملفه بالكامل وهو في المهد رضيعاً .
ففي كتاب ( جامعة آل البيت ١٩٢٤- ١٩٣٠) يؤكد مؤلفه د. سيار الجميل في أكثر من صفحة من الكتاب بأن جامعة رسمية قد تأسست في عهد الملك فيصل الأول ومن ذلك قوله ( … شاع في العراق والعالم منذ أكثر من ستين سنة أن جامعة بغداد هي أول جامعة عراقية تم تأسيسها رسمياً في عام ١٩٥٧. ولكن العالم وأهل العراق في مقدمته لا يعرفون أن جامعة عراقية قد تأسست قبل هذا التاريخ بزمن طويل ) !! … وقوله ( بعد صدور الإرادة الملكية بتأسيس جامعة آل البيت تألفت في ١١/ ١/ ١٩٢٢ هيئة تأسيسية ) !! … ثم وبعد مدة من صدور الكتاب موضوع البحث ، نشر باحث ، بحثاً مستلاً من رسالته للماجستير ( جامعة ديالى – أ.م . د . موفق هادي سالم – وجعفر محمد سلمان ) بعنوان ( جامعة آل البيت ١٩٢٢- ١٩٣٠ ) . وكان الكتاب المذكور أحد مصادر معلوماته في اعداد الرسالة . وفيه وقفنا على نص يقول ( تُعد جامعة آل البيت التي أُسست في عهد الملك فيصل الأول ، أول جامعة عراقية في تاريخ العراق المعاصر ) . ونص آ آخر يقول ( اكتمل بناء الجامعة على مراحل . فأُنجزت الشعبة الدينية أولاً ثم الصرح المركزي وهو مقر الجامعة على غرار الجامعات الحديثة ) !!
ولو وقفنا على الحقائق التاريخية لحدث مشروع الجامعة موضوع البحث ، فسنجد بأن كل ما مر ذكره من أقوال عن تأسيس الجامعة لا أساس له من الصحة ، ويُعد نسجاً من ( الخيال التاريخي ) ، لان الجامعة لم تؤسس وان بناء الصرح المركزي لم يتم إطلاقاً !! . وان حدث جامعة آل البيت يُعد أول محاولة فاشلة لتأسيس جامعة في تاريخ العراق المعاصر !!
ولتوضيح الحقيقة التاريخية لحدث مشروع جامعة آل البيت ، وبقدر ما له علاقة بمحاولة تأسيس الجامعة حصراً ، نرجع الى مصدرين من أهم المصادر المعتمدة في موضوع البحث ، أولهما ( فهمي المدرس ، بيان موجز عن جامعة آل البيت ) والذي نُشر في الصحف في ١/١/١٩٣٠ . والثاني ( يوسف عزالدين ، فهمي المدرس : من رواد الفكر العربي الحديث ) . وهما مصدران اعتمدهما كذلك كل من د. سيار الجميل في تأليف كتابه، وجعفر محمد سلمان في اعداد رسالته . لكنهما ولأسباب لا مقام هنا لذكرها ، فإنهما لم يلتزما بشروط التوثيق من المعلومة بدقة وبصفاء ذهني والوقوف على الحقائق من المصدرين المذكورين . ولولا تلك الأسباب لما غابت عنهما الحقائق التالية :
أولاً … ان الجامعة لم تؤسس ، ولم تصدر اية إرادة ملكية او قرار من مجلس الوزراء بتأسيسها ، وان الإرادة الملكية رقم ٤٩١ / غ في ١١/١/ ١٩٢٢ قد صدرت حصراً لتشكيل هيئه للنظر في مسألة إنشاء الجامعة ولم تصدر بتأسيسها !!
ثانياً … من آسباب عدم تأسيس الجامعة ، أن النظام العام المقترح لها قد تم تأجيل البت فيه لحين بناء الأبنية اللازمة والمستلزمات الضرورية ، وهذه جميعاً لم يُكتمل اياً منها . كما ان الاطار القانوني لم يتم إقرار صيغته النهائية وبقي ضمن ملف المشروع تتناقله ايدي اللجان في مجلس الوزراء مع تعاقب تشكيل الوزارات . وبقي المشروع على هذا الحال لغاية إطلاق رصاصة الرحمة عليه بالكامل في ٢٤/٤/١٩٣٠ !!
ثالثاً … من الأسباب الأخرى لفشل تأسيس الجامعة هو فشل كافة مساعي ضم مدرسة الحقوق ومدرسة الهندسة ودار المعلمين العالية ضمن إطار الجامعة ، وبقيت الشعبة الدينية لوحدها والتي تم افتتاحها تحت اسم جامعة آل البيت !!!
رابعاً … إن البناية الوحيدة التي تم تشييدها من مجمل مباني المشروع هي بناية الشعبة الدينية ولم يتم بناء الصرح المركزي ( بهو الجامعة ) ولا أي بناء اخر من الابنيةالمقررة للمشروع إطلاقاً . أما منشآت المشروع فإن ما تم تنفيذه فهو فتح شارع واحد فقط وهو المسمى حالياً ( شارع الشباب آو شارع المقبرة )
خامساً … اما قضية عنوان ( جامعة آل البيت ) فإنه عنوان أقترن بافتتاح الشعبة الدينية التي كان مؤملاً لها أن تكون نواة الجامعة بعد ان يتم تشييد الأبنية الأخرى ويصادق على النظام العام ثم تنظم اليها المؤسسات الأخرى المذكورة في ( ثالثاً ) . وعلى هذا الأساس وبعد أن اكتملت بناية الشعبة الدينية احتفل بافتتاحها في يوم ٧/٣/١٩٢٤ وأًطلق على هذا اليوم ( يوم الجامعة وعيد الامة ) رغم ان الجامعة لم تؤسس بعد . وفي ٢٩/٤/١٩٢٤ قرر مجلس الوزراء تعيين فهمي المدرس بعنوان أمين عام الجامعة ( رئيس الجامعة ) رغم ان مهامه الفعلية أصبحت الاشراف على الشعبة الدينية فقط . واقترن القرار بالارادة الملكية في ١٢/٥/١٩٢٤. كما اكتمل المنهاج الخاص بالشعبة الدينية ( نظام الكلية ) والذي تعرض للتغيير والتشويه وإلغاء بعض المواد الأساسية منها علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد فضلاً عن مواد أخرى ووصف فهمي المدرس ما وصل اليه الحال من تردي بقوله ( لم يعهد في قرن من القرون أن جامعة قدر لها ان تسير بعنوانها وتاريخها سيراً شاذاً غير جامعة آل البيت ) وقوله ( وأحيطت بأحوال إستثنائية غريبة مقيدة بقيود أقل ما فيها الشغب المتواصل من بعض الوزراء المحبط لكل عمل ) ووصفه لما تعرضت له ( من معارضات ومعاكسات وشغب وتغرير وإزعاج تضيق منه الانفاس ومحو وإثبات في النظام وفي المنهاج على الدوام والاستمرار…) وبقيت هذه الكلية هي المؤسسة الوحيدة بعنوان جامعة آل البيت وبنايتها هي الوحيدة بعنوان بناية جامعة آل البيت . وبقي هذا الحال دون تغيير لغاية اغلاقها بقرار من مجلس الوزراء والذي كان في حقيقته غلقاً لملف مشروع الجامعة بالكامل !!!
وهنا يقتضي التنويه ، بأن المحاولة الثانية الفاشلة لتأسيس جامعة ، كانت من قبل وزير المعارف صادق البصام عندما كان وزيراً للمعارف في عهد وزارة ياسين الهاشمي الثانية (١٩٣٥-١٩٣٦) حين تقدم مع متي عقراوي ، عميد دار المعلمين العالية . بمذكرة الى مجلس الوزراء لتحويل الدار الى كلية للآداب وأخرى للعلوم … ثم كانت المحاولة الفاشلة الثالثة لتأسيس جامعة من قبلهما في عام ١٩٤٠…
ان كل ما ذكرناه من تصحيح للقراءة التاريخية لحدث تأسيس الجامعة ، تتجلى أهميته الفريدة عند الرجوع الى د. سيار الجميل في تحديده الهدف المرجو من تأليف كتابه بقوله ( الهدف زرع الوعي بالتاريخ الذهني لكل العراقيين وغرس الادراك المتبادل لديهم جميعاً ، وتوثيق المعرفة المغيبة وخصوصاً لدى الجيل الجديد … من اجل بناء مستقبله على أسس وطنية صادقة ) …
لكن هذا الهدف الجليل ، لن يتحقق إذا كان تأليف الكتاب أو اعداد رسالة الماجستير أو كتابة بحث أومقالة يتم وفق قراءة الحدث التاريخي برؤيا بعيدة عن الحقيقة ، قريبة من الخيال التاريخي . بل أن زرع الوعي لدى الاخرين يتحقق وأن المصداقية تتعزز بالتدقيق الدقيق للمعلومة التاريخية ، بالتوثيقات والاسناد المتعارف عليه في المنهج التاريخي . ثم تحليل ومعالجة العوامل والأسباب وإستنباط كل ما في الحدث من دلالات تترك اثرها في الاخرين فتفتح آفاق الفكر وتعزز المعرفه !!

أحدث المقالات