23 ديسمبر، 2024 3:54 م

في ظاهرة انتحار الشعراء والمبدعين ..!

في ظاهرة انتحار الشعراء والمبدعين ..!

حملت الينا الأخبار اقدام الشاعر الشعبي العراقي فاضل عبد السادة على الانتحار باطلاق النار على نفسه من بندقية كانت بحوزته في مقر عمله  . وهو من أبرز الشعراء الشعبيين في البصرة ، عاش حياته في الغربة وعاد الى وطنه قبل عقد من الزمن ، وكانت له مشاركات واسعة في المهرجانات الشعرية والأدبية والثقافية في العراق وخارجه ، ولعطائه الشعرية نال العديد من الجوائز التقديرية .
ان انتحار الشعراء والمبدعين هي ظاهرة شائعة وليست جديدة ، ويكتنفها الكثير من الأسئلة والغموض ، ويظل الانتحار سراً مطوياً يصعب فكه وتحليل وفهم مغزاه . وقد عرف التاريخ الكثير من حوادث الانتحار التي اقدم عليها الشعراء والمشاهير ، منهم الروائي ارنست همنغواي صاحب رواية “الشيخ والبحر” الشهيرة في الأدب الانساني العالمي العظيم ، الذي بلغت شهرته الآفاق ، وعندما فتك به المرض ووجد نفسه وحيداً قرر التخلص من حياته عن طريق بندقية قديمة كانت بحوزته فوجهها الى نفسه واطلق النار صوبه ، فخرّ صريعاً على الأرض . وايضاً الشاعراللبناني خليل حاوي  الذي اختار النهاية نفسها ، فحين اجتاح الجيش الاسرائيلي الجنوب اللبناني وحاصر الغزاة بيروت عام 1982 اصابه حزن عميق ، وساده القنوط ، وانتحر احتجاجاً على الصمت العربي وموقف انظمة الردة والعهر والعار ، التي وقفت ازاء العدوان ولم تفعل شيئاً . والمسرحي الفلسطيني فرانسوا أبو سالم ، مؤسس مسرح الحكواتي في القدس ، الذي ألقى نفسه عن سطح عمارة في طيرة رام اللـه . وكذلك الكاتبة والروائية المصرية اروى صالح  ، التي كانت ناشطة نسوية ومن أعلام الحركة الطلابية في الجامعات المصرية في اوائل السبعينيات ، وكانت تكتب في الكثير من الصحف والمجلات المعروفة ، وقد عانت من ملل قاتل واضطراب نفسي ، فضاقت بها الحياة واقدمت على الانتحار بالقاء نفسها من الطابق العاشر . اضافة الى الكاتب المصري اسماعيل أدهم الذي تعلم في جامعة موسكو أيام ازدهار الشيوعية والماركسية فعاد الى مصر مؤمناً حتى النخاع بايديولوجيتهما ، وبالمعارف الفلسفية الجدلية ، وكتب الكثير من الدراسات والبحوث الفكرية والفلسفية ونشرها في الأدبيات والمجلات المختلفة ، وألف عدداً من الكتب أبرزها كتابه “لماذا أنا ملحد” ، الذي أثار جدلاً واسعاً وضجة كبيرة في الساحة الثقافية العربية آنذاك ، وقد كره الحياة فألقى بنفسه في البحر على شاطئ الاسكندرية ، تاركاً رسالة تؤكد انتحاره بسبب ضجره من العيش ، وغير ذلك من الأسماء الشعرية والأدبية والثقافية العربية والعالمية ، التي اقدمت على وضع حد لحياتها .
السؤال الذي يدور بخلدنا وفي اذهاننا : لماذا ينتحر المبدعون والمشاهير من أهل الثقافة والادب والفن ..؟! هل هو اليأس والكآبة والاضطراب النفسي ؟ هل هو الفقر والوضع الاقتصادي والمعيشي السيء ؟ هل هو الشموخ والكبرياء وعزة النفس والاحساس بعدم التقدير من المجتمع الذي يعيشون في كنفه  والاعتقاد ان لا كرامة لنبي في وطنه ؟! أم هي الأفكار والمعتقدات التي يؤمنون بها ، وعدم التكيف مع الواقع ؟ هل كل ذلك يدفعهم الى الكآبة الشديدة ويقودهم بالتالي الى الانتحار ..!
من المعروف أن الشعراء والمبدعين هم أكثر الناس حساسية ، وانهم يتميزون بالحس المرهف والرومانسية الزائدة والخيالات الواسعة والايمان بالمثاليات والقيم العليا ، وان خيبات الأمل الشخصية والوطنية والقومية تداهمهم وتواجههم قبل أبناء المجتمع جميعاً ، وانهم معرضون نتيجة التناقض بين الواقع والطموحات والآمال العريضة الى الشعور بالاحباط والكآبة الشديدة ، والنتيجة الحتمية في كثير من الأحيان هي الاقدام على الانتحار احتجاجاً على واقع البؤس والهزيمة والتخلف .
فرحمة اللـه على الشاعر الشعبي العراقي عبد السادة ، وأبعدنا عن مجرد التفكير بهذا المصير التراجيدي المؤلم ، وعلى المبدع والمثقف أن يكون أكثر وأشد ايماناً وقوة وصلابة أمام نوائب الدهر ومصاعب الحياة ، والصمود بوجه الهزائم والنكسات والأزمات النفسية وتحدي الواقع ،  رغم بؤسه وتخلفه وصعوبته .