يمثل الصراع العربي الإسرائيلي أعقد أنواع الصراعات في عالم اليوم المعقد تقنيا، لاسيما أن هذا الصراع تحديدا يتداخل فيه عدة أبعاد أبرزها، البعد السياسي، البعد الاقتصادي، البعد الاجتماعي والثقافي. هذا بالإضافة إلى سيكولوجية الأفراد سواء في المجتمع العربي أو المجتمع الإسرائيلي، تلك السيكولوجية الواضحة والمؤثرة في تفسير الظاهرة الصراعية في مستوياتها الفردية والدولية وهي (السيكولوجية القومية). في الوقت نفسه يرى البعض أن (المدرسة السيكولوجية النفسية) بعيدة في تفسير طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، لكنه قد ترسخ البعد السيكولوجي بعد تحول فكرة الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع سياسي، بدأ من وعد بلفور في عام 1917، ثم إعلان تأسيس دول الاحتلال عام 1948، ثم ترسخ أكثر بعد العدوان الثلاثي وتأميم قناة السويس وحرب 1967 والغارات المتكررة على لبنان وفلسطين، كل هذه الأحداث أدت إلى ترسيخ المدخل النفسي في الصراع.
وإذا فسرنا الصراع العربي الإسرائيلي من منظور أيديولوجي، باعتبار أن المدخل الأيديولوجي يفسر الظاهرة الصراعية على التناقضات الأيديولوجية بين الدول على سبيل المثال (صراع الحرب الباردة). مع الإشارة إلى أن المدخل الأيديولوجي يستمد دعامته الفكرية من المنطلقات الأيديولوجية الماركسية باعتبار أن منهجها في صميمه يعد منهاج صراع. عليه فإن البعد الأيديولوجي لا يفسر طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي.
وفيما يخص المدخل الاجتماعي في تفسير طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، فإنه يلعب دورا مهما وبقوة في تفسير طبيعة هذا الصراع، ويعود ذلك إلى الاختلاف في اللغة والدين، وكذلك فكرة العرق السامي واختلاف العرقية السامية، حيث نجحت إسرائيل في خلق حالة من التمايز والاختلاف، واستطاعت خلق العداء الناتج عن اختلاف اللغة والدين والعرق والقومية، إلى جانب أن إسرائيل يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، وينظرون إلى العربي درجة أقل، ومثل هذه العوامل عمقت حالة الصراع.
وفي مسألة القوة وتوزان القوى لتفسير الصراع العربي الإسرائيلي، فهذا المدخل مهم جدا ومرتبط بموضوع سباق التسلح، والذي له دور كبير في الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديدا هو قيام إسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، وكذلكقيام إسرائيل بامتلاك القنبلة النووية. يقابلها صفقات السلاح التي تقوم بها بعض الدول العربية، وذلك للحفاظ على التوافق الدائموتوازن القوى.
الجدير بالذكر، أن مسألة توازن القوى العسكرية تعتبر من أساسيات النظام السياسي الدولي، لاسيما كان هذا واضحا في مسألة الصراع التقليدي السابق ومشكلة التوازن المركزي بين القطبين الاتحاد السوفيتي قبل انهياره والولايات المتحدة الأمريكية،حيث أصبح السوفييت منذ الحرب العالمية الثانية قوة برية هائلة، بينما رد الغرب بميزته التقنية في مجال الطائرات والسلاح النووي مع تحسين وتطور القوة العسكرية السوفيتية لاحقا.
وبما أن الدولة كالكائن الحي تتوسع وتتمدد كلما استدعي الأمر ذلك، إذن من الضروري دراسة وتحليل العامل الجيوبولتيكي في تفسير طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، والذي ينصب في إطار طبيعة الصراع وعلاقة قوة الدولة بالجغرافيا، لاسيما أن الجوار الجغرافي في حد ذاته، لا ينشأ تعاون ولا ينشأ صراع لكنه يعمل كمحفز للتعاون في حالة وجدت إرادة سياسية للتعاون، في نفس الوقت يحفز الصراع إذا كانت هناك إرادة للصراع. ووجود إسرائيل في قلب الجغرافية العربية، وسعي إسرائيل بشكل دائم لتوسيع حدود إقليمها، مع وجود خمس دول عربية على تماس مع إسرائيل، هذا الجوار عزز الصراع العربي الإسرائيلي. من هنا فإن المدخل الجيوبولتيكي مفسرا للصراع العربي الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة إلى أن نظرية المجال الحيوي أبرز تطبيقاتها هي المانية النازية على إسرائيل.
ويفسر الجانب العسكري والسياسي طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال التحالفات التي تلعب دور أساسي في هذا الصراع، حيث يظهر ذلك من خلال الدعم الأمريكي والغربي لدولة إسرائيل وذلك لتحقيق أهدافها الاستعمارية في قلب الوطن العربي. بينما العرب سابقا استنجدوا بالمعسكر الشرقي المتمثل بالاتحاد السوفيتي، وأيضا هناك تحالفات غير رسمية مثل تحالف حزب الله وإيران وحماس في مواجهة إسرائيل.
أما مدخل السلام الديمقراطي فإنه لا يفسر الصراع العربي الإسرائيلي، لاسيما أن إسرائيل هي من تبدأ الصراع على الرغم من أنها وبحسب التقارير الدولية المتحيزة دائما لإسرائيل (دولة ديمقراطية)، والدول العربية هي من تتلقى هذا الهجوم.
وفقا لما تقدم، فإن الصراع العربي الإسرائيلي هو السلوك البشري الذي يصدر من الحكومات الإسرائيلية على مدار العقود الماضية وإلى الوقت الحالي، ومؤسساتها ونشاطاتها المختلفة. وأن ممارسة العنف والاضطهاد اتجاه الشعب الفلسطيني هي الطريقة الوحيدةالتي تعالج فيها إسرائيل مشاكلها مع الشعب الفلسطيني، وكذلك الوسائل القمعية التي تتبعها للتغلب على الصعوبات التي تنشأ وهي تسعى لتحقيق أهدافها.
وإذا ماكانت القوة في علم السياسة هي عبارة عن علاقة بين طرفين فإنه يستلزم أن يكون أحد الطرفين أقوى من الآخر، فالحياة السياسية بما فيها من نقابات وجماعات للضغط تستخدم القوة في نيل أغراضها والنظام السياسي لا يستقيم أمره إن لم تكن لديه قوة تساند بقاءه، لاسيما أن العلاقات الدولية التي تربط الدول ببعضها في المجال الخارجي ما هي في حقيقة الأمر سوى علاقات قوى لأنها علاقات تمارسها الدول بقدر ما أوتيت من قوى.
وبالتالي تكون القوة هي أحد مداخل التعرف على السياسةالإسرائيلية، بل أن القوة هي التي أنشأت دولة إسرائيل ومن ثم فهي أساس أي نظام أو حكومة إسرائيلية. وحينما نقول إن إسرائيللايمكن لها بأية صورة التخلي عن القوة، إذن إنها لا تعترف بوسائلأخرى غير القوة، وإلا لن تستطيع من فرض سلطتها داخليا وخارجيا بحسب رأيها.
وقد ركزت معظم الدراسات التي حاولت قياس القوة في العلاقات الدولية على تطوير مؤشرات لقياس مكونات القوة الوطنية وبالذات المكونات المادية، كالسكان، والقدرة الصناعية، والميزانيات، والقوة العسكرية. وهناك من أعطى وزنا كبيرا لعنصر السكان في مقياس قوة الدولة، وبناء على هذا المقياس فقد توقع المختصون أن تصبح الصين الشعبية في الثمانينات أقوى دول العالم. انطلاقا من تحليلهما الاسقاطي للبيانات التي جُمعت عن فترة أوائل الستينات، بيد أن معظم مقاييس القوة لا تأخذ في اعتبارها العوامل الغير المادية، وذلك لصعوبة قياس هذه العوامل.
يمكن إن تقاس القوة بمقدار الاستقرار السياسي والتأييد العام للسلطة السياسية، من خلال استقصاء للرأي العام، كونها تمثل مؤشرات تدل على مستوى الروح المعنوية. وهنا يجب أن نقر بأنه لايمكن أن نحدد مقدما بأن الشعب سيلتف حول قيادته مثل ما واجهت إسرائيل حماس، وكيف أصبح نتنياهو في موقف لا يحسد عليه أمام الإسرائيليين.
في المقابل لم يتوقع أحد أن تلتف الشعوب السوفيتية خلف قيادتها بهذه القوة بعد معركة (ستالينغراد). بل أن البعض قد توقع أن ينضم الأوكرانيون وغيرهم من الشعوب غير الروسية إلى صفوف الغزاة النازيين، ولكن الروح المعنوية السوفيتية كانت عاملا مهما في قلب موازين القوى رأسا على عقب.
ويمثل الإدراك عنصرا من عناصر قوة الدولة، وإن بعض صانعي القرار السياسي-مثل نيكسون وكيسنجر-يعتقدون أن زيادة الإنفاق العسكري هي الطريقة المثلى لزيادة قوة الدولة. إذ يتصورون إن مجرد زيادة الإنفاق يعد رسالة إلى العدو تنم عن تصميم الدولة لردع العدوان. ولذلك فهم لا يهتمون بالأغراض التي ستوجه لها الزيادة من الإنفاق العسكري. ولكنهم يهتمون أساسا بتلك الزيادة.