17 نوفمبر، 2024 8:29 م
Search
Close this search box.

في سوق الشهادات التقديرية.. فاشل يكرم فاشلاً آخر !!

في سوق الشهادات التقديرية.. فاشل يكرم فاشلاً آخر !!

وأخيراً وجدَتْ مطابع شارع المتنبي والبتاوين مصدر ربحٍ جديد يضمن تسديد أجور عمالها في المواسم التي تشهد ركوداً في العمل والتي لاتوجد فيها دعايات انتخابية أو مناسبات دينية أو إقليمية تستوجب طبع لافتات وملصقات ، ومصدر الربح الجديد يتمثل في (طباعة الشهادات التقديرية) ..
ولعل العراق أول دولة في الوطن العربي افتتحت سوقاً للشهادات التقديرية ، نظرا لوجود جحافل وقوافل من الطارئين على الوسط الثقافي من جهلة وأميّين وأرباع المثقفين وفاشلين ومساحي أحذية السلاطين ، فالأوساط الثقافية والإعلامية في العراق جمعت وللأسف بين الجيد القليل والردي الكثير جدا.. والعنصر الرديء بطبيعة الحال بحاجة الى من يعترف به كمثقف أو إعلامي أو كاتب (نص ستاو) ، إذ لابد له أن يحقق طموحه ولو كان تحقيقه لايتعدى حدود عالم الأوهام وبما يضمن إشباع رغبته الكامنة في داخله في حمل صفة (مثقف) ، لابد له أن يقنع نفسه بأنه كاتب أو صحفي او شاعر أو أديب رغم قناعته بأنه جاهل وأميّ ومتخلف وخاوي الذهن ، ومن هنا فإن حصول هذا المتخلف على اعتراف رسمي يتطلب جهة رسمية أو نقابية أو حتى منظمة وهمية تكرمه أو تصنع له مجداً زائفاً وتحيطه بهالة من الإحترام والتقدير ، وكأن غابرييل غارسيا مركيز كان تلميذاً صغيراً عند صاحبنا (العبقري) ، وإلا فإن أي مبدع عراقي (حقيقي) ومعروف في الأوساط الثقافية والإعلامية بتاريخه ومؤلفاته وسيرته النظيفة سيرفض رفضاً قاطعاً أن يكذب على نفسه ويكرم شخصاً أميّاً جاهلاً يتسلق كالطفيليات الى مجدٍ زائف ويبذل الغالي والنفيس ويحضر الفاتنات بين يدي أصحاب الشأن ليحصل على شهرة لايستحقها !!
الحل إذن يكمن في تكاتف وتلاحم الجهلة وأرباع المثقفين وقيامهم بتكريم بعضهم بعضا ، من خلال طبع شهادات تقديرية مليئة بالمديح والثناء لينشرها أصحاب العقول الخاوية على صفحاتهم في الفيسبوك !!
ومن هنا ، اتخذت المسيرة الثقافية العرجاء في العراق منحى جديداً حافلاً بالألقاب الفخرية التي ما أنزل الله بها من سلطان ، كأفضل شخصية إعلامية  للعام 3000 قبل الميلاد ، وأفضل كاتب صحفي في العصر الجليدي ، ورجل الثقافة الأول في العراق ، والإعلامية صاحبة أجمل ابتسامة أو صاحبة أجمل عيون ، وبالطبع لا ننسى لقب رجل السلام العالمي الذي نجح في إنهاء الحرب الكونية بين المريخ وزحل والمشتري وجمع كلمتهم على سريرٍ واحد!!
كم أتمنى أن تأتي منظمة إعلامية أو ثقافية عربية أو أجنبية لتزور العراق ، وتجري امتحاناً إجبارياً لجميع حملة هويات الصحافة ومن يدّعون أنهم ينتمون الى الوسط الثقافي ، بشرط أن يكون الإمتحان علنياً ويبث على الهواء مباشرة ، وأن يكون شاملاً لجميع الإختصاصات ، ليشاهد العالم هذه الكارثة الثقافية الموجودة في بلدٍ علّم الناس الكتابة وشرعت فيه أقدم القوانين وكان مهداً لأولى الحضارات في العالم !!!
لعل الجميع يتساءل اليوم : ما السبب؟! وكيف وصلنا الى هذا الحال؟! وما الحل؟!! وإذا كان من الممكن أن نشخّص الأسباب ، فإن إيجاد الحلول أمر متعسّر جداً ، فالأسباب كثيرة جدا ، لكن أبرزها وأخطرها هو تسييس الثقافة وإخضاعها لإرادات الأحزاب والكيانات وأصحاب القداسة ، ولا غرابة في ذلك بعد أن تم تسييس الجامعات والمعاهد ، حتى وصل التسييس الى الدراسات العليا وباتت شهادات الماجستير والدكتوراه تمنح لبائعة اللبن والدلّالة والملتحي صاحب البصمة الألكترونية والأكثر مشاركة في النشاطات الموسمية .
كما أن الهرمونات لها دور خطير في صعود نجومٍ ووجوه جديدة في الوسط الثقافي ، فلم يعد غريباً أن نتصفح كتيباً صغيراً معبأ بـ (الخرابيط) يسمى جزافاً مجموعة شعرية ، وقد كتب أحد النقّاد والأساتذة الكرام – بتأثير الهرمونات طبعاً – مقدمة طويلة مليئة بالتمجيد والثناء على شاعرتنا (خنساء القرن الحادي والعشرين) رغم معرفته بأن هذه المجموعة (الشعرية) ليست إلا كلاماً بلا معنى ، فالمعنى في قلب الشاعرة الذي أصبح فندقاً 5 نجوم ، ثم تمطر السماء شهادات تقديرية على شاعرتنا المبدعة الرائعة الجميلة الرقيقة ، وهي بالتأكيد شهادات هرمونية أيضا !!
إذا كانت موجة الجهل والتخلف والإنحطاط أقوى من إمكانيات المثقفين الحقيقيين ، فبإمكان النخبة المثقفة أن تمتنع – على الأقل – عن مجاملة هؤلاء ، فهؤلاء الطارئون بحاجة الى من يصفعهم على وجوههم ويفضحهم في كل مكان ، صدقوني إنهم ضعفاء جداً يختبئون خلف جدران من الصفيح ، إفضحوا هؤلاء وعرّوهم واحتقروهم بشكلٍ علني ، قولوا للجاهل في وجهه (أنت جاهل) ، قولوا للطفيلي المتسلق (أنت سمسار) ، قولوا لبائعة الهوى (مكانك الحقيقي هو الملهى) ، نادوهم بأسمائهم وأوصافهم الحقيقية ، دُوسوا على شهاداتهم التقديرية بالأحذية ، إعملوا أي شيء لتطهير الوسط الثقافي من هذه الجراثيم ، فالسكوت اشتراك في الجرم .

أحدث المقالات