27 ديسمبر، 2024 5:36 ص

في رحيل فالح عبد الجبار .. لم يعد للمراثي وقت للبكاء .فقد ازدحم العراق بالعزاء!

في رحيل فالح عبد الجبار .. لم يعد للمراثي وقت للبكاء .فقد ازدحم العراق بالعزاء!

كان فذا في كل المنعطفات!

تحركت بِنَا حافلة “النيرن”من عمان، متجهة نحو بغداد.كان فالح الذي لا يتوقف عن التدخين، يحمل حقيبتين، صغيرة لكنها ثقيلة، واُخرى متوسطة، اخف من معطف.
كنت اغالب دموعي، فقد خرجنا من الاْردن بعد شهور من التدريب في احد معسكرات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي التحقنا بصفوفها حالمين بمثلها في العراق.
فالح تخرج في الجامعة، قبلي ببضع سنوات، فيما تركت الدراسة في كلية التربية في الكورس الثاني.
كان فالح يداري حزني؛بالنكات، على فراق الأصدقاء والرفاق الذين امتص القمل والبراغيث دماؤنا سوية في معسكر جبل النزهة بعمان. وكلنا يحلم بالثورة العالمية مرورا بالقدس!
وبعد ان عبرنا الحدود، فتح فالح الحقيبة الصغيرة التي اخفى عني محتواها الى اللحظة الاخيرة ، فالتمعت في داخلها مئات رصاصات كلاشينكوف!
كان يحضر فعلا لاسقاط النظام عام 1969.بتلك الرصاصات.
انهار تنظيم القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي. عدت الى الجامعة. وكان فالح يسحرنا في عصريات مقهى” المعقدين” مدخل الزقاق الاول بين شارعي السعدون وأبو نواس، بقراءات من شكسبير بانكليزية مدهشة، والقاء يتهدج مع بحة في حنجرة المدخن العظيم.
عملنا سوية في مجلة” الاذاعة والتلفزيون” وكان عاد الى صفوف الحزب الشيوعي( اللجنة المركزية) وأبدع مئات المقالات والترجمات، وسجل للثورة القرمزية في البرتغال بقلم ينزف حبا.
تباعدت بيننا الازمان والمهاجر. حتى التقيته في موسكو، أواسط الثمنانينات من القرن الماضي، متعاقدا مع (بروغربس-دار التقدم) السوفيتية لترجمة مقدمة راس المال.
كان فذا في كل المحطات؛؛؛
فذا حين طلق حزب البعث. وصادقا حين انتمى بقوة الى الفكر الماركسي الذي استوعبه بقدرة نادرة، لم اشهد مثيلا لها بين مثقفي العراق.
كان فذا حين التحق بالأنصار في كردستان العراق. وحدثني رفاقه عن شجاعته وإقدامه.
كان فالح عبد الجبار، فذا في المعرفة وفِي التحليل وفِي صياغة الافكار وسردها برشاقة قل نظيرها.
اختلفنا حول الموقف من الاحتلال الامريكي للعراق؛ لكني كنت احرص على متابعته، مؤلفا وكاتبا ومحاضرا وجليسا وان انحسرت اللقاءات بيننا.
وداعا فالح!