23 ديسمبر، 2024 5:04 ص

في رحيل عقل عظيم

في رحيل عقل عظيم

في العام 1988 اصدر ستيفن هوكينغ كتابه الشهير ” تاريح موجز الزمن “، وأتذكر ان الترجمة العربية الاولى للكتاب صدرت بعد اشهر من صدوره عن دار المامون في بغداد، فكان لهذه البلاد التي تنشغل اليوم بابداعات عباس البياتي السبق في تقديم هوكينغ الى قراء العربية
ويعد الكتاب من أكثر الكتب تبسيطا لعلوم الكون،حيث تخطت تجاوزت مبيعاته العشرة ملايين نسخة،وأحتفظ لسنوات بتصدره لائحة الكتب الأكثر مبيعا،وترجم إلى 40 لغة منذ إصدار أول نسخة له.
يقدم الكتاب اجابة لأسئلة تدور في بال الكثيرين منا، منها على سبيل المثال السؤال التقليدي من اين جاء الكون وهل كان موجود دائما هنا؟، وسؤال آخر حير العلماء حول نسبية الزمن، كيف يبدو ‏الثقب الأسود؟، وما هو أصغر جزء من المادة؟ ولماذا نتذكر دائماً الماضي وليس المستقبل؟ ، هل
ينكمش الكون بدلا من ان يتمدد؟ وهل يرتد الزمن وقتها الى الوراء فيرى البشر موتهم قبل ميلادهم ، وهل للكون بدايه او نهايه وكيف تكونان وهل للكون حدود ؟ ان انشتاين قد جعل للمكان_الزمان اربعة ابعاد ، فماذا لو كان للكون ابعاد اكثر .
يعد هذا الكتاب هو أول الكتب التي قدمت النظريات العلمية باسلوب مشوق، وشرح فيه مؤلفه اصعب نظريات الفيزياء والفلك والكونيات بطريقة تمكن القاريء العادي من متابعتها
وقد روى هوكينج في مقال له عام 2013 نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، أنه اضطر لاعادة كتابة “تاريخ موجز للزمن ” عدة مرات بناءً على طلب محرر دار النشر، من اجل تسهيل فهمه على جمهور القراء من العامة. لكنه يخبرنا في المقال أنه ندم بعد ذلك عندما قرأ الكتاب، فقد اكتشف ان هناك مفاهيم صعبة كان يمكن توضيحها بشكل أكبر.
بالامس ودع ستيفن هوكينغ عالمنا بعد ان عاش فيه باعتباره الشخصية الاكثر تميزا في مجال العلم، واصدرت عائلته بيانا قالت فيه ” نحن حزينون بشدة لأن والدنا الحبيب قد توفي اليوم. لقد كان عالماً عظيماً ورجلاً غير عادي سيعيش عمله وتراثه لسنوات عديدة. لقد ألهمت شجاعته وإصراره بذكائه وروح الدعابة الناس في جميع أنحاء العالم. لقد قال ذات مرة: “لن يكون هناك الكثير من الكون إذا لم يكن موطنًا للأشخاص الذين تحبهم.” سنفتقده إلى الأبد “.
في حياته التي استمرت 76 عاما اتخذ هوكينج دوراً شبه أسطوري في العقل الحديث، العبقري الشاهق الذي يتناقض براعته العقلية، بشكل عجيب وغريب ، مع ظروفه الصحية حيث كان مصابا بمرض العصب الحركي الذي تركه محصوراً في كرسي متحرك معظم حياته، كان فيها يتواصل مع العالم المحيط به
في العام 2016 يوجه البابا فرنسيس دعوة إلى ستيفن هوكينغ، لزيارته في الفاتيكان ، بالرغم من معرفة البابا بحقيقة آراء هوكينغ، المشكّكة في أسس الكنيسة ونظريات الوجود، من منطلقات فيزيائية بحتة. وسبق لهوكينغ أن صرح بآرائه، قائلا إن الفيزياء الحديثة لا تترك مجالاً للإيمان بخلق الكون.. فمثلما أزاحت النظرية الداروينية الحاجة الى ذلك في مجال علم البيولوجي، فإن عددا من النظريات الجديدة شكّكت في عملية خلق الكون. وان ما يعرف باسم ” الانفجار الكبير” لم يكن سوى عواقب حتمية لقوانين الفيزياء، ولأن هناك قانوناً مثل الجاذبية، فقد صار بمقدور الكون أن يخلق نفسه من العدم. والخلق العفوي هذا هو السبب في أن هناك شيئا بدلا من لا شيء، وفي وجود الكون ووجودنا نحن.
وكان هوكينغ سبق ان ذكر في كتابة تاريخ موجز للزمن، أنه لا يعترض على المعتقدات الدينية، وأوحى بأن فكرة الإله الخالق لا تتعارض مع الفهم العلمي للكون، وأن بالإمكان اكتشاف نظرية مكمّلَة تيسر لنا الانتصار النهائي العظيم للعقل البشري؛ إذ سيكون بوسعنا أن نحيط علما بالطريقة التي وجد فيها الكون.
ولكن الكتاب الأخير ” المشروع العظيم”، قدم نظرية جديدة شاملة تفضي الى أن الإطار العلمي الكبير لا يترك حيزا للتكهن بكيفية وجود الكون.
العام 2015 ، اختارت صحيفة الغارديان عشرون كتاباً قالت انها غيَّرت العالم ، فكانت القائمة تضم، تاريخ مُوجز للزمن، لستيفن هوكينغ، الدفاع عن حقوق المرأة، لماري ولستونكرافت، نقد العقل المحض، لإيمانويل كانط، رواية 1984، لجورج أورويل، أصل الأنواع، لتشارلز داروين، الاستشراق، لإدوارد سعيد، الربيع الصامت، لراشيل كارسون، البيان الشيوعي، لكارل ماركس وفريدريك أنجلز، الأعمال الكاملة، لوليام شكسبير، الخصي المؤنث، لجيرمين غرير، صنع الطبقة العاملة الإنجليزية، لإدوارد تومسون، معنى النسبية، لألبرت اينشتاين، القرد العاري، لديزموند موريس، كتاب الأمير، لميكافيللي، الجمهورية، لأفلاطون، حقوق الفرد، لتوماس بين، الجنس الآخر،، لسيمون دي بوفوار، فوائد القراءة والكتابة، لريتشارد هوغارت، ثروة الأمم، لآدم سميث، و طرق الرؤية لجون بيرجر.
اجاب هوكينغ على سؤال حول الموت قائلا : ” لست خائفآ من الموت لكني لست في عجلة من أمري لدي الكثير مما أود معرفته قبل الموت “