23 ديسمبر، 2024 8:58 ص

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام /الحلقة الثالثة

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام /الحلقة الثالثة

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 27 ..
سيّدنا يعقوب عليه السّلام، رغم أنه لم يثق في أبناءه، واشترط عليهم موثقا، فيما يخص الإبن الثاني، إلا أن فطرة الأبوة تحركت فيه، وخشي عليهم، وهم كثر في أوج قوتهم، يلفتون الأنظار، فخاف عليهم من العين والحسد، فأوصاهم قائلا: ” وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ “، يوسف – الآية  67.

إن الأب يغضب على الإبن، ليعيده لصوابه .. لكنه لايحقد أبدا .. ولا يمكنه أن يتحكم في فطرة الأبوة، حين تتحرك لصالح الإبن.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 28..

إمرأة العزيز، هدّدت سيّدنا يوسف عليه السلام، علانية وأمام النسوة، إن هو رفض الانصياع  لإغرائاتها. وإعترفت أمام النسوة، إن هو رفض الاستسلام لإغرائاتها، لتدخلنه السّجن.

فجاءت براءة سيّدنا يوسف عليه السّلام، علانية، وأمام النسوة، وفي حضرة الملك، وعلى لسان إمرأة العزيز، التي هدّدته.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 29..

إتّضح جليا مكر وخداع إمرأة العزيز في موقفين خطيرين، ذكرهما القرآن الكريم ..

الأولى، حين صاحت قائلة : “وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”، يوسف – الآية 25 .

كانت في غاية المكر والدهاء، حين طلبت من زوجها على الفور، وهو يصدم بما رأى، أن يعاقب سيّدنا يوسف عليه السّلام، لأنه في نظرها ” أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا “، متعمدة التأثير على زوجها بعبارة ، بهذه العبارة التي لايستطيع الرجل مقاومتها، وهو في تلك اللحظة العصيبة، التي يفقد فيها الرجل صوابه.

والثانية: حين سمعت بما جاء على ألسنة نسوة المدينة ، فما كان منها إلا أن قامت بما يلي: “فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ”، يوسف – الآية 31 .

أرسلت لهم دعوة رسمية، لايمكن للنسوة أن ترفض دعوة إمرأة العزيز.

وهيّئت الجلسة بطريقة، لايمكن مقاومة الإغراء.

وقدّمت لكل واحدة منهن سكينا، ليتأكدوا بأنفسهم، ومن خلال دماءهم، ويتّخذوا الأعذار لها.

ثم طلبت من سيّدنا يوسف عليه السّلام، أن يخرج عليهم في أبهى صورة .. ويمكن للقارئ، أن يتخيل درجة التأثير البالغة، والتي لايمكن مقاومتها،  حين يخرج الجميل سيّدنا يوسف عليه السلام بطبعه وخلقته، ثم يضاف لها اللباس الجديد الأنيق، ناهيك عن بعض ماتتطلبه الزينة في مثل هذه المناسبات، والتي تحسنها إمرأة العزيز جيدا، وأدخلتها في المكر والوقيعة.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 30..

حين تعلّق الأمر بسيّدنا يعقوب عليه السّلام ، قال تعالى:”فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”، يوسف – الآية 96.

وحين كان سيّدنا يوسف عليه السّلام في السّجن، وظهرت براءته، وأطلق سراحه من السجن، قال تعالى في شأنه: “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”، يوسف –  الآية 50 . والسؤال، لماذا لم تستعمل كلمة بشير، حين أطلق سراح سيّدنا يوسف عليه السّلام، وتمت تبرئته. أليست بشارة؟.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 31..

“وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ”، يوسف – الآية 56.

سيّدنا يوسف عليه السلام، مكّنه ربّه وهو طفل، وأدخل السجن وهو الوزير: “وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ”، يوسف – الآية 36 .. ليعلم الجميع، أنّ التمكين بالله وحده.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 32..

سيّدنا عليه السّلام، حين كان صغيرا تعرّض للبيع، وهو النبي ابن النبي، وأيّ بيع..  “وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ “، يوسف – الآية 20. وبعدما شبّ عوده، وبلغ السّعي، وظهرت براءته ، وبانت حكمته، بعث إليه الملك، يطلبه مرتين ..

في المرة الأولى ..”وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”، يوسف – الآية 50.

والمرة الثانية .. ” وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ”، يوسف – الآية 54.

إن الله غيّر حاله .. من بيع في الأسواق، وبأبخس الأثمان .. إلى ملك يتحكم في رقاب الناس، ويسيّر شؤونهم، ويوجّه بطونهم، ويحمي عقولهم .. ولايمكن للملك أن يستغني عنه لحظة واحدة في دين أو دنيا.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 33..

من بين 06 آيات تتعلّق بالكيد، هناك 05 آيات تتعلّق بكيد النسوة، حتّى أنه يخيّل لك، أن الكيد صناعة النساء.

بقيت الإشارة، أن الكيد الخاص بالرجال، ذكر بصيغة المستقبل والغيب، في قوله تعالى: “قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”، يوسف – الآية 5 .

بينما ذكر كيد النسوة، ضمن حالات متعددة.. واقعا، ومشاهدة، وممارسة، وخوف الرجال منه، كما جاء ذلك في الآيات التالية..

“فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ”، يوسف – الآية 28.

“قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ”، يوسف – الآية 33

“فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”،يوسف – الآية  34.

بل إن سيّدنا يوسف عليه السّلام، إشترط على الملك، معرفة كيد النسوة، ليخرج من السّجن، ولم يشترط غيره من الشروط، لأنه دخل بكيد النسوة، ويريد أن يعرف النّاس نتيجة كيدهن ..  “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”، يوسف – الآية 50يوسف – الآية 50.

“ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ”، يوسف – الآية 52يوسف – الآية 52.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 34..

الملك الذي عاش في عهد سيّدنا يوسف ، عليه السّلام .. إمتاز بجملة من الصفات، منها أنّه .. يطلب بأدب، تفسير الرؤيا من المعبّرين، وهو الملك ، في قوله تعالى .. “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ”،يوسف – الآية 43يوسف – الآية 43.

 ويطلب بأدب أن يأتوه بسجينه، ويرفض السجين طلبه، وهو الملك .. ويستجيب الملك لطلب السجين، وينفّذ طلبات السجين، في الحين، وبالصورة التي طلبها منه، في قوله تعالى ..”وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”، يوسف – الآية 50.

ويعيد الملك، طلبه من جديد، ويترجى سجينه بأدب، أن يكون له، ويعطيه صلاحيات الملك، ويجعله في مأمن، في قوله تعالى ..”وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ”، يوسف – الآية 54

إنه فعلا .. أدب الملوك .. الذي يحترمون رعاياهم، ويطلبون منهم الإذن .. ويجازونهم على ماقدّموا .. ويضاعفونهم لهم العطاء .. حين يبدعون ويتفردون في مايملكون .. ويتقنون.

*[email protected]